«إيبولا» يدخل اقتصادات غرب إفريقيا في نفق مظلم
بدأت المخاطر الاقتصادية لانتشار "إيبولا" المعروف بـ"آكل لحوم البشر" في الظهور على اقتصادات بلدان غرب إفريقيا. فـ"طيران الإمارات" أعلنت تعليق رحلاتها إلى غينيا لدواعي السلامة، وكانت خطوط طيران إفريقية تمنع طائراتها من الهبوط في سيراليون وليبيريا اللتين تكافحان لمواجهة الفيروس.
ومع إعلان الخطوط الجوية البريطانية تعليق رحلاتها إلى بعض بلدان غرب إفريقيا للأسباب نفسها، تتزايد التكهنات بأن تشهد بلدان المنطقة مزيدا من العزلة الدولية في الفترة المقبلة، وأن تقوم العديد من شركات الطيران الأوروبية والأمريكية بالامتناع عن الهبوط على أراضيها.
وقال "الاقتصادية" إدوارد رج نائب المدير العام للمجموعة الدولية للسفر والرحلات: "شركات الطيران دائما ما تكون في انتظار أن يتخذ أحدهم القرار ليتبعها الجميع، ولهذا أتوقع أن تقوم المزيد من الشركات خلال الأسابيع المقبلة - إذا لم يحدث تحول حقيقي في التصدي للمرض - بتعليق رحلاتها إلى بلدان غرب إفريقيا".
ويضيف: "الخطورة الاقتصادية لتعليق رحلات الطيران تكمن في تأثيرها المباشر على السياحة، ولا يتوقف الأمر على وقف تدفق السائحين، بل أيضا نلاحظ مغادرة السائحين الموجودين في بلدان غرب إفريقيا للمنطقة".
وتشير البيانات إلى انخفاض السياحة في سيراليون وليبيريا وغينيا بنسبة 80 في المائة، وأعلن المسؤولون في البلدان الثلاثة المتأثرة بمرض "إيبولا" تقلص معدلات الاستثمارات الأجنبية سواء من خلال تقليص أعداد المستثمرين أو من خلال الرغبة في الاستثمار من جراء خطورة الأوضاع الصحية، ويعتقد المسؤولون أنه كلما زادت فترة تعليق رحلات الطيران كلما تعمقت المشكلة ليس فقط بشقها الاقتصادي، وإنما أيضا من جانبها الطبي لصعوبة توافر رحلات لنقل الأطباء الراغبين في التطوع لمكافحة الفيروس من خارج المنظمات الدولية التي تمتلك غالبا الطائرات الخاصة بها لنقل العاملين فيها.
ويعتقد بعض الاقتصاديين أن تأثير المرض على اقتصادات بلدان غرب إفريقيا لن يكون له الدرجة نفسها من التأثير على بلدان المنطقة كافة.
فالبلدان المعتمدة على النفط ستكون في وضع أفضل من غيرها نسبيا، بينما ستتأثر مجموعة البلدان المعتمدة على الزراعة والسياحة والتجارة الخارجية بشكل سلبي.
إلا أن آخرين يرجحون أن تشهد أيضا البلدان المعتمدة على النفط والتعدين مشاكل اقتصادية من جراء قيام الشركات الدولية بإجلاء الخبراء والعمالة الماهرة من بلدان "إيبولا"، ما سينعكس في الأجل القصير والمتوسط على معدلات الإنتاج والتصدير، وسيؤدي حتما إلى انخفاض العوائد الأجنبية، وما سيتبعه ذلك من تراجع من العملة الأجنبية والقدرة على الاستيراد. وبالفعل فقد قامت شركة SA ومقرها البرازيل، وهي أكبر شركة منتجة للحديد الخام في العالم بترحيل جميع العمال الأجانب التابعين لها في غينيا إلى بلدانهم الأصلية خشية إصابتهم بالمرض.
ولـ"الاقتصادية" تعلق دكتورة كاتيديكرسون المتخصصة في الاقتصاد الإفريقي في جامعة مانشتر قائلة: "علينا أن نأخذ في الاعتبار جانبين أساسيين عند تقييم التأثير الاقتصادي السلبي لمرض "إيبولا".
الجانب الأول هو أن البلدان التي تفشى فيها المرض تنتمي إلى مجموعة البلدان النامية، وعلى الرغم من تحسن نسبي طفيف في الأوضاع الاقتصادية لها في السنوات الأخيرة، إلا أنه تحسن هش لم يقف على أرضية صلبة بعد، ولهذا فإن التأثير سيكون واضحا خاصة على القطاع الزراعي وعلى قطاع التصدير، وغالبا ما سيتضرر المحصول الأساسي في غينيا مثلا وهو الكاكاو، الجانب الآخر أن تأثير الفيروس لن يقف عند حدود البلدان التي يتفشى فيها المرض، ولمعرفة هذا التأثير علينا أن نركز على قطاع الاقتصاد غير الرسمي بشكل كبير، فالتداخل الاقتصادي بين بلدان غرب إفريقيا والاقتصاد النيجري مثلا كبير للغاية، وتعتمد مدينة لاجوس العاصمة التجارية لنيجيريا على عمليات التبادل التجاري غير الرسمية مع بلدان غرب إفريقيا، وغالبا ما تتغاضى المؤسسات الرسمية عن عمليات التهريب التي تتم، ولكنها الآن ستتخذ كل السبل الممكنة لمنع مثل تلك العمليات، فانتشار المرض في نيجيريا مع تعدادها السكاني الضخم سيعني كارثة دولية".
وفي هذا السياق ومع ارتفاع أعداد الوفيات من جراء المرض تعهدت مجموعة البنك الدولي بتقديم 200 مليون دولار من التمويل الطارئ لمساعدة كل من غينيا وليبريا وسيراليون على احتواء انتشار العدوى بفيروس إيبولا، ومساعدة تلك البلدان على التغلب على الآثار الاقتصادية اللازمة.
وأشار تقييم أولي بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى أن معدل النمو الإجمالي للاقتصاد في غينيا سيتراجع من 4.5 إلى 3.5 في المائة جراء تفشي مرض "آكل لحوم البشر". وقد أعلن وزير المالية في ليبيريا أن إيبولا أدى إلى تراجع التجارة البينية مع البلدان المجاورة، وتقلص حصيلة الجمارك والاستثمار، وتوقع أن ينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في بلاده من 8.7 في المائة العام الماضي إلى 6.8 في المائة هذا العام.
وعلى الرغم من أن إمدادات الغذاء لم تتأثر في البلدان المصابة بمرض إيبولا حتى الآن، إلا أن هذا لم يمنع عدد من المنظمات والخبراء الدوليين من التحذير من تداعيات مستقبلية سلبية على الأوضاع الغذائية في غرب إفريقيا من جراء تفشي هذا المرض. ويعلق لـ"الاقتصادية" الخبير الغذائي توم ماك كيني قائلا: "من المعروف أن هناك نحو 18 مليون شخص في منطقة غرب إفريقيا يعانون الجوع، وذلك قبل انتشار إيبولا، وفي الحقيقة فإن أسباب انتشار الجوع لا تعود إلى نقص الغذاء بقدر ما تعود إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلا أن شبكة التكافل الاجتماعي التقليدية أسهمت في عدم استفحال المشكلة. الآن ومع فرار المزارعين من القرى التي ينتشر فيها المرض، فإن معدلات الإنتاج الزراعي ستنخفض، كما أن شبكة التكافل الاجتماعي ستتراجع، وهذا ينذر بإمكانية تفشي خطر المجاعة في وقت لاحق في تلك المنطقة من العالم".
ويخشى البعض من أن تؤدي زيادة حكومات البلدان الثلاثة سيراليون وليبيريا وغينيا لمخصصات ميزانية الصحة كنسبة من إجمالي الميزانية العامة إلى تقليص المخصصات المالية لقطاعات أخرى، ومن بينها قطاع البنية الأساسية في المجال الزراعي (حفر الآبار والمصارف - وتنظيم عملية الري عبر السدود والأقنية)، وهو ما قد ينعكس بصورة غير إيجابية على الأمن الغذائي لهذه البلدان في المستقبل.