الركود يهيمن على الاقتصادات الأوروبية بفعل الإفراط في العقوبات على روسيا

الركود يهيمن على الاقتصادات الأوروبية بفعل الإفراط 
في العقوبات على روسيا

تشير التسريبات الأولية للبيانات الاقتصادية الرسمية التي من المقرر أن يعلن الاتحاد الأوروبي عنها يوم الخميس المقبل، تشير إلى أن حالة من الركود الاقتصادي هيمنت على اقتصادات البلدان الـ28 الأعضاء في الاتحاد، خلال الربع الثاني من العام الراهن، ولا يتوقع أن يزيد معدل النمو الأوروبي عن 0.1 في المائة بين شهري نيسان (ابريل) وحزيران (يونيو) مقارنة بنحو 0.2 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.
وأثارت تلك التوقعات حفيظة العديد من الاقتصاديين، معتبرين أن الأوروبيين تسرعوا في الترويج لإمكانية تحقيق معدلات نمو مرتفعة جراء التحسن الاقتصادي الطفيف في الربع الأول من هذا العام، دون الأخذ في الاعتبار حالة السيولة السياسية واندلاع أعمال عنف وقتال في عدد من المناطق المجاورة لأوروبا مثل العراق وغزة وتواصل القتال في سورية وليبيا، إضافة إلى غياب أي أفق لحل المشكلة الأوكرانية.
ويعتقد بعض المراقبين أن جزءا كبيرا من تراجع معدلات النمو الاقتصادي في بلدان الاتحاد، يعود أيضا إلى إفراط القادة السياسيين في أوروبا في فرض عقوبات اقتصادية على موسكو، دون أن يأخذوا في الحسبان قيام روسيا بهجوم مضاد قد يصيب اقتصاداتهم بخسائر ملحوظة.
ويقول الدكتور ديفيد روز أستاذ مادة التجارة الدولية في جامعة ليدز لـ"الاقتصادية" "حظر الاتحاد الروسي لاستيراد المواد الغذائية والزراعية من بلدان الاتحاد الأوروبي أصاب ألمانيا وبولندا بخسائر فادحة، وهما أكثر البلدان الأوروبية تضررا من قرار موسكو.
وتجارة الاتحاد الأوروبي تعتمد بقوة على صادرات المواد الغذائية لروسيا، والعام الماضي استورد الروس ما قيمته 16 مليارا من المواد الغذائية من بلدان الاتحاد، وهو ما يمثل 10 في المائة من إجمالي الصادرات".
الخسائر طالت أيضا الاقتصاد البريطاني وتسببت من وجهة نظر بعض الخبراء الاقتصاديين في تفاقم ظاهرة عجز الميزان التجاري البريطاني.
وعلى الرغم من أن العجز التجاري البريطاني ليس بالظاهرة الجديدة، إلا أن ملامح من القلق آخذة في التبلور بين صناع القرار الاقتصادي في المملكة المتحدة في هذا الشأن.
وبيانات شهر تموز (يوليو) الماضي تشير إلى اتساع طفيف في الفجوة بين الصادرات والواردات مقارنة بشهر حزيران (يونيو) السابق، إذ قفز العجز التجاري من 9.2 مليار استرليني إلى 9.4 مليار.
وتراجعت قيمة الصادرات بنحو 0.4 مليار جنيه استرليني نتيجة انخفاض الصادرات الصناعية والبترولية. وارتفع العجز التجاري للسلع والخدمات من 2.4 مليار جنيه استرليني إلى 2.5 مليار.
وتطرح هذه التغيرات تساءلا حول أسباب القلق الذي ينتاب المسؤولين البريطانيين من ظاهرة العجز التجاري بالرغم من أن الأمر لا يعد جديدا عليهم، كما أن حجم تنامي الفجوة بين الصادرات والواردات من شهر إلى آخر لا يعد كبيرا بلغة الأرقام.
ولـ"الاقتصادية" يجيب الدكتور هيل مور أستاذ مادة الاقتصاد الكلي في مدرسة لندن للاقتصاد على هذا السؤال قائلا "القلق منبعه الشعور السائد لدى الحكومة بأنها تقترب من استنفاد كل الوسائل الممكنة لدعم الصادرات، لكنها على الرغم من ذلك لم تفلح في سد الفجوة بين الصادرات والواردات، والسبب هو اقتصادات منطقة اليورو".
ويضيف "بلدان اليورو سوق أساسي للمنتجات البريطانية، لكن معدلات النمو الراهنة فيها لا تسمح لها باستيعاب المزيد من المنتجات البريطانية، ويزداد الوضع سوءا إثر البيانات الأخيرة التي أعلنت وكشفت بوضوح أن الاقتصاد الايطالي ثالث أكبر الاقتصادات الأوروبية حجما يعود إلى الركود مجددا".
وإذا كان ضعف معدلات النمو العالمي عامة والأوروبي خاصة تعد عقبة أمام قدرة الصادرات البريطانية على إيجاد موطء قدم لها في الأسواق التقليدية أو فتح أسواق جديدة، فإن ارتفاع قيمة الاسترليني مقارنة بالعملات الأخرى يعد عامل طرد لإمكانية تعزيز العلاقات الاقتصادية بين دول العالم وبريطانيا، إذ إن تقييم أسعار منتجاتها بأعلى من قيمة السلع المماثلة في البلدان الأخرى.
ومع هذا فإن القلق البريطاني من تواصل العجز التجاري، يحركه الآن شعور بأن الأمر قد يزداد سوءا خلال الأشهر القليلة المقبلة، جراء العقوبات التي فرضت على روسيا ورد فعل موسكو وفرض عقوبات مماثلة بحظر استيراد المواد الغذائية.
وبالفعل فقد تأثرت بعض من الشركات البريطانية العاملة في مجال صيد وتعبئة الأسماك وصناعة الأجبان، إضافة إلى سلسلة متاجر "ماركس آند سبنسر" الشهيرة جراء العقوبات الروسية، إذ اضطرت تلك الشركات إلى تحويل السلع التي كان من المقرر تصديرها إلى روسيا إلى الأسواق المحلية البريطانية.
وعلى الرغم من الخسائر الناجمة عن توقف تلك الشركات عن تصدير منتجاتها إلى السوق الروسية الواعدة، والتأثير السلبي على الميزان التجاري البريطاني، فإنه يمكن للندن أن تتحمل تلك الخسائر، إلا أن الخطر الأكبر من وجهة نظر عدد من الاقتصاديين يقع في مكان آخر.
فقد حذر كبار المسؤولين في شركة بريتش بتروليم، عملاق إنتاج النفط في بريطانيا من أن مواصلة واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، فرض عقوبات اقتصادية على روسيا سيؤدي إلى تعرض شركتهم إلى خسائر جمة.
فالشركة البريطانية تمتلك نحو 20 في المائة من شركة روزنفت الروسية للطاقة، وفرض العقوبات على موسكو سيؤدي إلى خسائر في إنتاجها النفطي، وكذلك في أرباحها من استثماراتها في الشركة الروسية. وتمثل أرباح شركة بريتش بتروليم من استثماراتها في شركة روزنفت نحو 9 في المائة من إجمالي أرباحها السنوية.
ويشير حجم العجز في الميزان التجاري البريطاني إلى حجم التحديات التي تواجهها خطة وزير المالية جورج اوزبورن للإصلاح الاقتصادي، فالخطة تعتمد في الجزء الرئيس منها على خفض اعتماد الاقتصاد البريطاني على القطاع المالي والخدمات، وزيادة الاعتماد على القطاع الصناعي والصادرات، وقد حددت الحكومة البريطانية هدفا لها بأن تتضاعف صادراتها بحلول عام 2020 لتصل إلى تريليون دولار، ولكن حتى الآن يبدو هذا الحلم بعيد المنال.
وقال لـ"الاقتصادية" سي ايه ليون رئيس القسم الاقتصادي في مجموعة رينبيرج للاستثمار، "السوق الرئيس للمنتجات البريطانية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وعلى الرغم من جهود وزير المالية بفتح أسواق في الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل والصين، إلا أنها لم تحقق نتائج تذكر، وبلغت قيمة صادراتنا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي 12 مليار استرليني، بينما بلغت قيمة الواردات 17.6 مليار استرليني، ويكشف ذلك حالة الركود في اقتصادات أوروبا وعدم قدرتها على استيعاب المزيد من الواردات البريطانية، وهو ما قد يدفعنا في الأجل المتوسط لإعادة التفكير في العقوبات المفروضة على روسيا وجدواها".

الأكثر قراءة