هل السوريون في حاجة لإمدادهم بالرجال ؟
سألني صديق: هل تظن أن أهل سوريا في حاجة لإمدادهم بالرجال؟ قلت: أنا باحث علمي، وأحتاج لدراسة الوضع على الحقيقة لأعطيك الجواب. لكن في تحليل أولي أقول إنهم ليسوا في حاجة لأي مدد بالرجال. ودعني أتحدث بلغة الأرقام.
في سوريا، عدد الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والأربعين يبلغ أربعة ملايين، فإذا كان نصف السكان قد خرجوا من ديارهم، أليس فيهم كفاية وغنى للقيام بالواجب؟
قال: ولكن النصرة واجبة. قلت: الفتوى يصدرها أهل العلم، فعليك بهم. لكن الملاحظ أن هؤلاء الذين يذهبون للنصرة يحلمون بالجنة، في حين أن الجنة ليست مقصورة على هذا الطريق. فالطريق العام معروف (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)، وهناك طرق مخصوصة أوضحتها الأحاديث، وهذه نماذج منها:
(... فقُلتُ يا رسولَ اللَّهِ: إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ، قالَ: ويحَكَ! أحيَّةٌ أمُّكَ؟ قُلتُ: نعَم يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: ويحَكَ! الزَم رِجلَها، فثمَّ الجنَّةُ).
(أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ هَكَذا. وأشارَ بالسَّبَّابةِ والوُسطى، وفرَّجَ بينَهما شيئًا).
(من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنةِ...).
(التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهداءِ).
لكن هذه الطرق تتطلب من الإنسان أن يلتزم بها طول حياته، في حين يفكر الشاب بأن دقائق معدودة تكفي لأن تجعله في الجنة.
ولا شك أن جميع الناس تستفزهم مشاهد قتل الأطفال والنساء، وانتهاك حقوق الإنسان، ويتمنون أن يعملوا شيئا لإيقاف دم الأبرياء العزل. فهل الالتحاق بهم هو الطريق الوحيد للنصرة؟ وهل هناك طرق أخرى، أجدى وأنفع لدفع الأذى عن المستضعفين المظلومين؟ ربما يود السوريون أن يبقى هؤلاء المناصرين حيث هم، بين أهلهم وشعبهم ومجتمعهم ليشرحوا قضيتهم، ويوضحوا أبعاد معاناتهم، ويذكّروا الآخرين بما يجب عليهم، ويتعاونوا معهم على البر.
لقد التحق بعض الشباب بالساحة السورية تعاطفاً، وهم لا يعرفون الرايات المرفوعة في أرض غريبة عليهم، وربما وقع أحدهم فريسة بيد فئة تستغل حلمه بالجنة ليُقتل، وهم في الظل آمنون.
هناك تقارير موثّقة منشورة على الإنترنت تتحدث عن إقدام عدد من الجهلة على قتل مدنيين بدعوى رِدّتِهم، ومن ذلك التحقيق مع شخص وهو خارج من صلاة الفجر ثم إعدامه. وعندما تمّ سؤالهم عن التفاصيل أو عن الشرعي الذي قام بإصدار الحكم عليه، لم يرضوا أن يفصحوا عنه بحجة السريّة واكتفوا بوصفه بأنّه على قدر مناسب من العلم الشرعي!
قال صديقي: وما يدريك أن هؤلاء مدسوسون؟ قلت: يمكن أن نقول إن أبا لؤلؤة المجوسي، قاتل عمر رضي الله عنه، مدسوس، لكن هل يمكن أن نقول إن عبد الرحمن بن ملجم، قاتل علي رضي الله عنه، مدسوس؟ أو أن نقول: إن عمران بن حطان مدسوس، وهو الذي مدح ابن ملجم بقوله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها *** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
يا صاحبي، إن هذا فكر متطرف، ومازال يجد له مكاناً عند بعض الشباب. فهؤلاء وإن كانوا قلة لكنهم يشوهون صورة الشعب السوري الذي ثار على الظلم والطغيان ولم يصدر عنه أي تصرف يؤاخذ عليه. أما القادمون من الخارج فيمكن بكل بساطة أن تستغلهم أي فئة، بل إن وجودهم يطيل في عمر النظام الذي يدّعي محاربة الإرهاب. وفي الحقيقة فإن القضاء على الإرهاب يكون في مساعدة الشعب الثائر وليس بالاصطفاف مع التطرف.