اسكتلندا تقرر مصيرها غدا .. واستطلاعات الرأي متضاربة
يتوجه الناخب الاسكتلندي غداً إلى صناديق الاقتراع ليقول كلمته الفصل حول خياره المستقبلي.
وبين الانفصال عن المملكة المتحدة أو البقاء جزءاً لا يتجزأ منها، يكتم الاسكتلنديون وباقي مكونات بريطانيا وأوروبا أنفاسهم ليعرفوا نتيجة استفتاء قد يكون مقدمة لإعادة تشكيل الجغرافيا الأوروبية بطريقة سلمية، فخيار الاسكتلنديين لن تقف تداعياته عند إعادة رسم الحدود الجغرافية لما سيتبقى من المملكة المتحدة، فأوروبا ستشهد بروز دولة جديدة إذا كان الاستقلال هو الخيار الفائز، دولة ذات اقتصاد قوي وخبرات بشرية وكفاءات علمية لا يستهان بها، وبالطبع قوى عسكرية تقليدية يعتد بها حتى وإن لم تكن نووية، بعد أن تعهد تيار الاستقلال بألا يحتفظ بأي سلاح نووي باعتبار أن السلاح النووي "لا أخلاقي" ومكلف اقتصادياً لدولة تريد أن تنفق كل جنيه تمتلكه على رفاهية مواطنيها.
والأهم أن "الشرخ الاسكتلندي" لن يقف عند هذا، فالمؤكد أنه سيمتد لباقي أنحاء أوروبا ليعيد تشكيل خريطتها الداخلية.
فسواء اختار الاسكتلنديون الانفصال أو البقاء فإن الأصوات ستتعالى في العديد من المناطق الأوروبية لتطالب بأن ينال مواطنوها حق الاختيار بين البقاء في بلدانهم الأم أو الانفصال.
وهناك الآن ما يقارب من 30 منطقة في أوروبا تجاوز فيها الأمر المطالبة بعقد استفتاء يسمح لمواطنيها بالسير في "الطريق الاسكتلندي" والاختيار بين البقاء أو الانفصال عن دولها الأم إلى إمكانية فعلية بالانفصال، وربما تكون كتالونيا والباسك في إسبانيا في مقدمة تلك المناطق.
لكن مصير اسكتلندا وعلى الرغم من أنه لم يبق غير ساعات على معرفته، لا يزال غامضاً. فنتائج استطلاعات الرأي تبدو متضاربة وغير مستقرة والأكثر أهمية أنها تبدو متقاربة. وربما تكون الخلاصة الوحيدة أن النتيجة أياً كانت بالانفصال أو البقاء داخل حدود المملكة المتحدة ستكون متقاربة ولن يستطيع أي من الفريقين هزيمة خصمه بالضربة القاضية.
المسعى الأخير إلى تغير التوجهات التصويتية لمصلحة القوى الداعمة للوحدة، دفع بقادة أكبر ثلاثة أحزاب بريطانية هم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء زعيم حزب المحافظين، واد مليباند زعيم حزب العمال، ونيك كليج نائب رئيس الوزراء وزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، إلى نشر تعهد على صدر الصفحة الأولى من "ديلي ريكرد"، يتعهدون فيه بضمان نقل مزيد من الصلاحيات لاسكتلندا إذا صوتت في الاستفتاء لمصلحة خيار البقاء ضمن المملكة المتحدة.
التعهدات تضمنت ثلاثة أجزاء أولها منح البرلمان الاسكتلندي صلاحيات جديدة واسعة. ثم المزيد من العدالة في توزيع الموارد الداخلية، وهو ما يعني عملياً منح أدنبرة مخصصات مالية أكبر. وأخيراً الاهتمام بتمويل النظام الصحي الاسكتلندي.
التعهدات الثلاثة كانت في الحقيقة من أفكار رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردن براون وهو اسكتلندي الأصل، ويعارض بشدة الانفصال ويعد أحد قادة الحملة البريطانية للدفاع عن وحدة أراضي المملكة المتحدة.
وقد جرت أخيراً أربعة استطلاعات للرأي من قبل جهات مختلفة، ونتيجة لتضارب النتائج فشلت جميعها في أن تعطي صورة شاملة وواضحة عن الكيفية التي سيصوت بها الاسكتلنديون.
فأحد استطلاعات الرأي كشف عن تفوق تيار "نعم" برئاسة الوزير الأول لاسكتلندا أليكس سالموند الراعي الأساسي للاستقلال، وكانت النتيجة 54 في المائة لـ "نعم" للاستقلال مقابل 46 في المائة لـ "لا".
وفي تناقض تام لتلك النتيجة كشف استطلاع آخر للرأي عن تقدم تيار البقاء ضمن المملكة المتحدة في مواجهة القوميين الاسكتلنديين الراغبين في الانفصال. أما الاستطلاعان الآخران فقد توصلا لنتائج مشابهة.
أما استطلاعات الرأي التي قامت بها الصحف ووسائل الإعلام الاسكتلندية فقد أظهرت بالطبع رجاحة كفة قوى الاستقلال.
تباين نتائج الاستطلاعات دفع بالبارونة بوثرويد الرئيسة السابقة لمجلس العموم البريطاني إلى المطالبة بتبني النموذج الفرنسي، ومنع الإعلان عن نتائج استطلاعات الرأي قبل الاستفتاء نظراً لتناقضها وتأثيرها في الناخب بدلاً من أن يكون للحجج والمبررات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل تيار القول الفصل في صياغة قناعات الناخبين.