مقاطع فيديو الأطفال على الإنترنت تنتهك حقوقهم
توجد على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الفيديوهات لأطفال صغار تثير الإعجاب وتسرق الابتسامة من الأفواه. لكن هل تكون نفسية الطفل هي حطب هذا المرح والإعجاب، ممّا يعود عليه بالكثير من الأضرار على المدى البعيد؟
ووفقا لموقع "دويتش فيله"، أثار مقطع فيديو من ربورتاج للقناة الثانية المغربية، يحتوي على تصريح طفلة صغيرة حول إعجابها بمادة دراسية، جدلاً بين أوساط المغاربة على الشبكات الاجتماعية: فهناك من اعتبر الأمر بمثابة مقطع بريء يبعث على المرح، وهناك من تهكّم على الكلمة التي تلفظت بها الطفلة وهي "الأرنبات" واعتبرها كلمة خاطئة تدّل على ضعف التعليم في المغرب، في وقت انبرى فيه البعض الآخر للدفاع عن هذه الكلمة واعتبارها صحيحة من ناحية المعنى واللغة. مقطع الفيديو، الذي أثار زوبعة من ردود الفعل بين معجب ببراءة الطفلة وساخر منها، يحيل إلى ظاهرة منتشرة بشكل كبير على موقع "اليوتيوب" وهي: نشر آباء لمقاطع فيديو يظهر فيها أطفالهم الصغار وهم يتحدثون بكلمات مضحكة أو يقومون بسلوكيات بريئة تثير الإعجاب والمرح.
الكثير من هذه المقاطع وصلت إلى معدلات مشاهدة عالية للغاية. ونذكر منها مثلاً فيديو لطفل صغير يضحك بطريقة هستيرية على تمزيق والده للورق، حيث حصل هذا الفيديو منذ نشره قبل ثلاث سنوات على 72 مليون مشاهدة.
الجدل الواسع الذي أحدثه فيديو الطفلة المغربية يعود بالأساس إلى انتشار فكرة "الضجة الإلكترونية" منذ سنة 2003، وهي الفكرة التي تتمحور حول إيجاد موضوع أو "أمر يحرّك الإنترنت في فترة معيّنة"، حسب تأكيدات المدون المصري محمد جمال بشير. ويشير بشير إلى أن مستخدمي الإنترنت عبر العالم ينتظرون على الدوام موضوعاً يثير الجدل كي يناقشوه على حساباتهم في المواقع الاجتماعية أو استغلاله تجارياً عبر جلب زيارات إلى مواقعهم الإلكترونية أو فيديوهاتهم. ويرى أن هذه الطريقة "ستحكم الإنترنت لمدة طويلة إلى أن يتمكن المستخدِم من تسويق منتجه الخاص بأفكاره الخاصة".
ويحيل بشير في هذا السياق إلى مجموعة من الرسومات يُطلق عليها بلغة الإنترنت "ميم"، والتي تم خلقها من مواقف بسيطة، وكيف أصبحت مادة دسمة للنقاش وللاستخدام، حتى وإن كان هذا الاستخدام بعيداً عن الموقف الأصلي الذي ظهر فيه هذا "الميم".
من جهته، يقسّم عبد الجبار شكري، باحث مغربي في علم النفس، التأثيرات السلبية للسخرية من طفل يظهر في وسيلة إعلامية إلى ثلاثة محاور: المحور الأول يتعلق بفقدان الطفل القدرة على التعبير مستقبلاً. أما المحور الثاني فيتركز في تراجع ثقته في الآخرين، عندما يجد أن تصريحاته قد تحوّلت إلى مادة لإضحاك الآخرين. والمحور الثالث يتعلق بشعور الطفل بأنه منبوذ من طرف المحيطين به، وبأن هذه السخرية تمسّه كإنسان وليس فقط حديثه أو بعض تصرّفاته.
ويضيف شكري أن "حتى تأويل الفيديو بطريقة إيجابية وتبرير إعادة نشره بكونه يبعث على المرح قد تكون له تداعيات سلبية على الطفلة التي تحوّلت إلى وجه معروف بسبب كلمة عفوية".
"خلق الضجة الإلكترونية من خلال تصرّف طفل أمر بالغ الحساسية، ويجب التعامل معه بكثير من المسؤولية"، على حد تعبير المدون المصري محمد جمال بشير. ويؤكد أنه صادف مجموعة من التعليقات المسيئة على فيديو الطفلة المغربية، تعليقات على غرار السخرية من طريقة كلامها تنتهك بشكل واضح حقوق الطفل.
وممّا ينتهك كذلك حقوق الطفل في الإنترنت، وفق بشير، هو الزج به في صراعات رياضية بين الأندية أو في صراعات سياسية، كما ظهر في كثير من الصور ومقاطع الفيديو. ويشدد على أن "الحل الأمثل يجب أن يتمحور حول المسؤولية الأخلاقية أكثر من التشريعات القانونية التي تبقى غير قادرة على حصر هذه الظاهرة".
المشاهدات الخيالية التي تحظى بها بعض مقاطع الفيديو الغربية على موقع "يوتيوب" لتصرّفات أطفال تؤكد، حسب بشير، "اتجاه بعض الآباء إلى استغلال أطفالهم لأغراض تجارية، حيث يعمدون إلى دفعهم إلى تصرّفات وسلوكيات من أجل تصويرهم في مقاطع فيديو تخلق ضجة إلكترونية." ويقول بشير في هذا الصدد: "إذا كان الفيديو عفوياً ولا ينتهك حقوق الطفل المعنوية والجسدية، فيمكن نشره ومشاهدته. أما إن كان غير ذلك، فالأكيد أنه سيخلق مشاكل للطفل، خاصة على المدى البعيد". أما الباحث المغربي في علم النفس عبد الجبار شكري فينصح بعدم إقحام الأطفال بتاتاً في مواد إعلامية مخصصة لإضحاك الكبار. ويقول:"الأداة الإعلامية في غاية الخطورة بالنسبة لطفل في مراحل نموه الأولى. وأي فعل يجعله شهيراً قد يعرقل نموه، وقد يتسبب له في مضاعفات نفسية خطيرة. لذلك، فالبرامج التي يظهر فيها الأطفال تكون عادة محدودة ومختارة بعناية."