السوق يتساءل: جروس ثعلب أم قنفذ؟

السوق يتساءل: جروس ثعلب أم قنفذ؟

إياك أن تخلط بين العبقرية والسوق الصاعدة. هذه نصيحة قديمة، وهي مفيدة حين نتأمل في الخبر الصاعق الذي أفاد بأن بيل جروس، أشهر مدير لصناديق السندات في العالم، سيغادر بيمكو، الشركة التي أنشأها، لينضم إلى شركة جانوس كابيتال.
يستحق جروس السمعة التي حصل عليها بأنه عبقري. فنجاحه في إنشاء بيمكو، وتفوقه على السوق أثناء الطريق، لا يفتح المجال للجدال حول هذا الموضوع.
ضربة العبقرية الحقيقية لدى جروس هي أنه رأى في أوائل الثمانينيات السوق الصاعدة لسندات الخزانة الأمريكية التي استمرت ثلاثة عقود. وأدرك أن الاحتياطي الفيدرالي، في ظل بول فولكر، أقنع الأسواق بأن التضخم كان تحت السيطرة، واستمر في المراهنة على السندات في الوقت الذي أخذت فيه السوق الصاعدة تتكشف للأنظار.
هل يستطيع الآن أن يتفوق في الأداء، ويبني الأصول، في بيئة جديدة في شركة جديدة؟ تراهن السوق على أنه يستطيع ذلك. ارتفع سعر سهم جانوس بنسبة 37 في المائة كرد فعل فوري على الأخبار، في حين إن أليانتز، شركة التأمين الألمانية المالكة لبيمكو، تراجعت بنسبة 4.5 في المائة. وهذا قلص القيمة السوقية لأليانتز 3.75 مليار دولار، في حين ازدادت القيمة السوقية لجانوس 750 مليون دولار، وهي أرقام لا معنى لها إلا إذا أدى رحيل جروس إلى إشعال فتيل هجرة جماعية من صناديق بيمكو، على أن يكون معظمها إلى جانوس.
لكن ربما تكون السوق على خطأ. ليست هناك سوابق عن شخص بهذه المكانة يغير شركته. نجاح جيف جوندلاك، حين انتقل من TCW لينشئ شركة Doubleline، يشير إلى أن الانتقال يمكن أن ينجح. لكن يشير التاريخ إلى أن السوق تبالغ في ذلك.
أولاً، وباستخدام التمييز الذي وضعه إشعيا برلين، يغلب على نجوم إدارة الصناديق أن يكونوا من "القنافذ"، أي من النوع الذي يستوعب نقطة واحدة كبيرة ويستغلها، بدلاً من أن يكونوا من "الثعالب"، أي من النوع الذي يفهم عدة نقاط مختلفة ويتصرف بناء على الظروف. كثيرون أنشأوا سمعتهم الرائعة في الاستثمار على قيامهم بأمر مهم على الوجه الصحيح.
لا خلاف على أن جروس كان على حق في موقفه من السوق الصاعدة للسندات. لكن الظروف تتغير الآن. مع تدني عوائد السندات بالقدر الذي هي عليه الآن، فمن المؤكد أن هناك نهاية للسوق الصاعدة. والسؤال ما الذي سيأتي بعدها، وكيف يَحسُن التعامل معها؟ الذين فازوا في السوق الصاعدة لا يمتلكون بالضرورة الأدوات التي تؤهلهم للتفوق في الأداء مع تحول السوق.
ثانياً، الحجم هو عدو الأداء بالنسبة للمديرين النشطين، وهو أمر دفع ثمنه بقسوة عمالقة الصناعة الآخرين مثل فيديليتي ماجلان، الذي كان في الماضي أكبر الصناديق. وقد ازداد حجم بيمكو وحجم صندوق توتال رتيرن، صندوق جروس الأبرز، إلى درجة كبيرة للغاية بحيث أصبح من الصعب تماماً التفوق على السوق. وحين يكون الصندوق صغيراً، فإن الدخول في رهانات صغيرة في إصدارات صغيرة، يمكن أن يحقق أثراً كبيراً متناسباً مع حجمه على أداء الصندوق. وحين تصل الصناديق إلى حجم توتال رتيرن، فإن الرهانات الهائلة فقط هي التي تستطيع تحويل إبرة المؤشر بخصوص الأداء.
وهذا أدى في 2011 إلى أن يقيم جروس رهاناً كبيراً على حلول نهاية السوق الصاعدة للسندات. لكن عوائد السندات واصلت تراجعها وهبط صندوق توتال رتيرن إلى أدنى 10 في المائة من صناديق السندات، استناداً إلى أدائها عن العام، وقام بسرعة بعكس رهانه.
هذه الواقعة عمقت من الشعور بالارتياب بأن جروس قنفذ استثماري، وأثارت حركات خارجة متواصلة من بيمكو. وكلما ازدادت المبالغ التي تلحقه إلى جانوس، سيكون من الصعب عليها أن تتفوق في الأداء.
ثالثاً، حرَّاس بوابات تدفقات الأموال الداخلة إلى صناديق السندات يغلب عليهم أن يكونوا من المؤسسات. وهؤلاء لديهم عقلية محافظة، وسيشعرون بالإعجاب من الفريق وطريقة العمل في بيمكو.
رابعاً، مستثمرو التجزئة متقلبون. إذا أردنا مثالاً فعلينا أن ننظر إلى جانوس نفسها، التي دخلت في رهان كبير وناجح على شركات التكنولوجيا ذات الرسملة الكبيرة في أواخر التسعينيات، وامتصت مبالغ تزيد كثيراً على ما حصل عليه أي صندوق آخر من الصناديق المشتركة، لكن الذي حدث هو أن الشركة شهدت هذه الأموال وهي تخرج من صناديقها حين انفجرت فقاعة الـ "دوت كوم". وحتى بعد الحركة المفاجئة التي وقعت نتيجة وصول جروس، لا تزال أسهم جانوس تساوي أقل من 70 في المائة، أي نحو ثمانية مليارات دولار من حيث الرسملة السوقية، من مستوى الذروة الذي سجلته في عام 2000. إذا فقدَ أسلوب استثماري حظوته لدى المستثمرين، من الممكن أن تكون العقوبة قاسية بالنسبة لمديري الصناديق.
أخيراً، سيكون من الصعب التفوق على سوق السندات على مدى السنوات القليلة المقبلة. فالقوى الهيكلية تضغط على عوائد السندات إلى الأدنى، ومسؤولو البنوك المركزية منقسمون بخصوص رفع أسعار الفائدة، ولا يزال من الصعب، مثلما كان الحال دائماً، أن نتنبأ بصحة الاقتصاد. من الناحية العملية لا أحد من متداولي السندات اليوم يستطيع أن يتذكر فترة سابقة على السوق الصاعدة، وهو ما يزيد من مخاطر التقلب.
في بيئة من هذا القبيل سيكون من الجيد أن تكون مديراً نشطاً تتمتع بصلاحيات بدون قيود، وبصندوق صغير بما يكفي ليكون خفيف الحركة. وهذا يشير إلى أن جروس يقوم الآن بالشيء الصحيح بالانتقال إلى صندوق أصغر.
لكن من أجل النجاح في هذه البيئة، أنت بحاجة إلى ثعالب ماكرة، وليس قنافذ. استطاع جروس التعامل مع السوق الصاعدة مثل الشخص العبقري. لكن أصبح المستثمرون مرتابين ويغلب على ظنهم أنه قنفذ وليس ثعلباً. وبالتالي هو بحاجة إلى أن يثبت أنهم مخطئون.

الأكثر قراءة