إمكانات هائلة لسوق الطاقة الشمسية في السعودية

إمكانات هائلة لسوق الطاقة الشمسية في السعودية

حين يتم تركيب 13 ميجاوات من قدرة توليد الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة، فليس في ذلك الخبر ما يثير، وهذا ليس بالأمر المستغرب. لكن حين يتم تركيب 13 ميجاوات من قدرة توليد الطاقة المتجددة في الخليج العربي، هناك حفلة تدشين بعدة ملايين من الدولارات، بما هو معروف عن الخليج.
في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2013، احتفلت دولة الإمارات بتدشين ثاني مشروع لتوليد الكهرباء على مستوى خدمات المنافع العامة. يقع المشروع في دبي، وهو الطور الأول من مشروع من المقرر أن تبلغ قدرته الإجمالية 100 ميجاوات، وهو يعد تحولاً مهماً، وإن كان تدريجياً، في لعبة الطاقة المتجددة على المستوى العالمي.
وفي الوقت الذي يتطلع فيه العالم بصورة متزايدة إلى الطاقة المتجددة من أجل تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، فإن الشرق الأوسط ليس استثناء من ذلك. عبر المنطقة، أدى تراجع التكاليف وتطور الأسواق إلى إعداد الشرق الأوسط ليكون ثاني جبهة محتملة كبيرة في مجال الطاقة المتجددة.
سواء كانت الدول تعمل على تقليص اعتمادها على الواردات من المواد الهيدروكربونية، أو تسعى لتنويع اقتصاداتها وتعويض الاستهلاك المحلي للنفط، فإن منطقة الشرق الأوسط تشتعل نشاطاً بمشاريع تطوير الطاقة النظيفة. ومع ذلك هناك جائزة يترقبها الجميع بقلق، وهي المملكة العربية السعودية.
تتمتع السعودية بواحد من أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في العالم، حيث تتلقى من الإشعاع الشمسي في المتوسط ما بين 1800 إلى 2200 كيلووات في الساعة لكل متر مربع في السنة. وبالتالي فهي تبرز باعتبارها أكبر سوق محتملة للطاقة الشمسية في المنطقة.
إن مستوى الإشعاع الشمسي في المملكة يجعل من الممكن إنتاج الخلايا الفولطية الضوئية بتكلفة تنافسية. ليس هذا فحسب، ولكن تكلفة الفرصة التي تضطر المملكة لدفعها من استخدام النفط المحلي (بدلاً من تصديره للخارج وتحقيق العوائد) تعتبر حجة قوية للغاية لصالح تحوُّل السعودية إلى الاستخدام البيئي. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة EuPD للأبحاث، فإن تكلفة الفرصة مقابل النفط المستخدم في توليد الكهرباء في المملكة تعادل 139 دولاراً لكل ميجاوات ساعة.
وحيث إن من المتوقع أن يرتفع الطلب المحلي إلى مستوى الذروة ثلاث مرات خلال السنوات العشرين القادمة، من 40 جيجاوات إلى 120 جيجاوات ما بين عامي 2010 و 2028، هناك تكهنات بأن السعودية يمكن أن تصبح مستورداً للنفط في العقد القادم إذا استمرت الاتجاهات الحالية في الاستهلاك دون تغيير.
وفي مسعى للتعويض عن الاستخدام الضخم للوقود الأحفوري، وتطير اقتصادات محلية جديدة قائمة على المعرفة، أنشأت السعودية مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. وقد كلفت هذه المدينة بتطوير ونشر أهداف الطاقة المتجددة للمملكة. وفي عام 2011 أعلنت عن خطط لتحقيق أهداف عالية لإنتاج 54 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2032. من بين هذه الكمية، سيتم توليد 16 جيجاوات عن طريق الخلايا الفولطية الضوئية، و 25 جيجاوات عن طريق الطاقة الشمسية المركزة (حيث يتم توليد الكهرباء بمرايا أو عدسات لتركيز ضوء الشمس على مساحات معينة) و 8 جيجاوات عن طريق الطاقة النووية. وفي أعقاب ذلك الإعلان، بدأ العمل على ورقة بيضاء، والتي لا تزال قيد الإعداد، بالاستفادة من مداخلات من خبراء الصناعة الدوليين، من أجل وضع ملامح استراتيجية التنفيذ المقترحة بخصوص عملية التوليد بهدف تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة.
ورغم الحماس الكبير من الصناعة، لم تقم المملكة بصورة رسمية حتى الآن بإطلاق الجولة الأولى من العطاءات، حسبما جاء في الورقة البيضاء التي أعدتها مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. ربما بدأت الصناعة تشعر بالإجهاد، في الوقت الذي ينتظر فيه اللاعبون الدوليون بقلق على الهامش فرصتهم لتقديم عطاءات حول المشاريع.
وخلال السنتين السابقتين كان أكبر تحد أمام التطوير هو إطارات السياسة. أثناء إحدى جلسات مؤتمر الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، الذي عقد في دبي في شباط (فبراير) الماضي، أشار الخبراء إلى أن المساندة التنظيمية للمشروع لا تزال غير موجودة، وهذا يستمر في كونه العامل المثبط الرئيسي، ليس فقط في السعودية، وإنما في مختلف أنحاء المنطقة كذلك.
إضافة إلى العوائق الخاصة بالسياسة التنظيمية التي تقف في وجه تطوير الطاقة المتجددة، تعتبر التكنولوجيا نقطة أخرى يمكن أن تؤدي إلى النجاح التام أو الفشل التام. ورغم أن الإشعاع الشمسي وفير، إلا أن البيئة الصحراوية القاسية تؤدي إلى نشوء عواصف رملية، وتراكم الرمال، والرؤية غير الواضحة، وهو ما يؤدي إلى تقليص لا يستهان به في كفاءة وحدات تجميع الأشعة. وبالتالي فإن التكنولوجيات التي من قبيل الطاقة الشمسية المركزة أو الخلايا الفولطية الضوئية، والتي تتطلب أن تسقط أشعة الشمس بصورة مباشرة، لا يمكن نشرها على نطاق واسع. وهناك في الوقت الحاضر أبحاث مكثفة تجري على التكنولوجيات التي توفر قابلية التوصيل بالشبكة في البيئات الصحراوية القاسية.
يشار إلى أن مراكز الأبحاث التي أنشئت على أحدث طراز، مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، خصصت ملايين الدولارات لاستكشاف هذه التحديات في مرافق سعودية.
ورغم أن المشاريع ذات النطاق الواسع لا تزال بطيئة من حيث التطوير، إلا أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة حققت تقدماً لا يستهان به في برنامج مراقبة وترسيم المصادر المتجددة. وهذا الأطلس يقدم المعلومات الأولية اللازمة للمشاريع بخصوص الأنماط الشمسية، ومستويات الغبار، ومعلومات أخرى حول الأرصاد الجوية، وهو ما سيساهم في تقديم أفضل المعلومات اللازمة من أجل تخطيط المشاريع وجهود الأبحاث والتطوير.
ومما لا شك فيه أن البرنامج المذكور سيكون مصدراً قيماً لجميع شركات التطوير والاستثمار في المستقبل، حيث إنه سيوفر القدرة على تطوير نماذج دقيقة وموثوقة لإنتاج الطاقة، حين تبدأ عمليات استقبال العطاءات التنافسية.
بالنسبة للوقت الحاضر، تظل روابط الشبكة مع الطاقة المتجددة نادرة في المملكة، وهي موجودة على شكل مواقع اختبار أو منشآت على النطاق السكني.
وقد اضطلعت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بأول مشروع متصل بالشبكة باستخدام الخلايا الفولطية الضوئية في السعودية، وكانت على شكل خلايا فوق الأسطح في الحرم الجامعي بقدرة 2 ميجاوات. ورغم أن هذا المشروع صغير للغاية، إلا أن النظام شكل قيمة تعليمية لا يستهان بها لقطاع الطاقة الشمسية في المملكة.
وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلنت شركة الكهرباء السعودية عن أول دورة مشتركة شمسية متكاملة، لإنشاء معمل بقدرة توليد مقدارها 20 إلى 30 ميجاوات على أساس الطاقة الشمسية المركزة، بطاقة إجمالية مقدارها 550 ميجاوات. وتطلب شركة الكهرباء الآن خطاب التعبير عن النوايا من الشركات من أجل بناء وامتلاك وتشغيل هذا المعمل.
إن برنامج السعودية الطموح للغاية في الطاقة المتجددة يمر بآلام مخاض متوقعة، وإن كانت ربما أبطأ مما تود لها الصناعة أن تستمر.
ويستمر أصحاب المصالح الدوليين في الطاقة الشمسية ببذل الجهود من أجل الحصول على وضوح في مجال السياسة التنظيمية، في الوقت الذي يجادل فيه اللاعبون المحليون الأطر المناسبة والتكنولوجيات المخصصة للمنطقة.
وأثناء القمة العالمية لمستقبل الطاقة التي عقدت في أبو ظبي هذا العام، كان هناك إجماع (قائم على التكهنات) بأن عام 2014 ربما يكون السنة التي تصبح فيها السعودية أخيراً متجهة نحو البيئة. وعلينا أن ننتظر التطورات الملموسة في القطاع.

الأكثر قراءة