«داعش» و«القاعدة» .. الشراكة الإخوانية الإيرانية
نستكمل معاً ما سبق أن بدأناه سوياً في هذه السلسلة من المقالات، التي تسرد "الوقائع" كما هي، أي أنها سلسلة من مقالات "الحقائق" المؤكدة، والمثبتة بالدليل، ودون أن تخالطها الشوائب أو الاستنتاجات أو التصورات المسبقة، إذ يقتصر دوري على مجرد استخراج هذه الأحداث من الأرشيف، ووضعها على الطاولة أمامك عزيزي القارئ الكريم، فالدور الأساس عليك، لتقم أنت، بتحليل هذه "المعلومات الخام" وتربطها معاً، لتستخلص منها الإجابة عن السؤالين اللذين شغلا الكثير: "من أين أتت داعش؟ وماذا يجري في اليمن؟!".
وكنا قد سردنا معاً ستة حقائق مثبتة ومؤكدة حول "داعش" و"القاعدة" وعلاقتهما بتنظيم "الإخوان المسلمين"، و"إيران"، وأستكمل السرد بذات الترقيم كالتالي:
الحقيقة (7): في مايو 2003 رصدت أجهزتنا الأمنية السعودية إشارة صادرة من الداخل الإيراني إلى شخص في الرياض، حملت تعليمات البدء بتنفيذ سلسلة تفجيرات إرهابية وقعت في الرياض ذلك الحين، وتبنتها القاعدة، وقد كان مصدر إشارة (ساعة الصفر) هذه: الإخواني "سيف العدل" القيادي المصري البارز في "القاعدة" والمقيم معززا مكرما في إيران.
الحقيقة (8): قررت إيران، وتابعتها سورية الأسد، استنزاف القوات الأمريكية في العراق، فعمدتا لدعم "الإرهاب السني" في الداخل العراقي، تحت غطاء "دعم المقاومة العراقية"، وذلك لتحقيق عدة أهداف استراتيجية لهما في المنطقة، سأوردها في مقالة مستقلة، لكن أذكر منها: طرد القوات الأمريكية من العراق، خاصة بعد أن أنهت هذه القوات – بغباء- مهمتها التي استدرجتها لها (إيران) من خلال عملائها، حيث قدمت أمريكا للنظامين السوري والإيراني خدمة جليلة، بأن أزاحت لهما حكم النظام البعثي العراقي السابق، العدو اللدود لإيران، وللبعث السوري، وذلك في خطوة تمهيدية لتحقيق الهدف الذي يسعى له النظامان الإيراني والسوري في العراق: تمكين "المليشيات الشيعية" الموالية لإيران من الحكم.
وانفاذاً لهذا المخطط بدأ النظام السوري في حينه بتبني خطاباً يريد إقناع العالم بأنه يساند العراقيين من أجل تحرير أراضيهم من الاحتلال الأمريكي، وعمد إلى القيام بـ "تحركات شعبية"، فسير مظاهرات عارمة في عدة مدن سورية، تندد بـ "الاحتلال الأمريكي" وترفع شعارات تدعو إلى "دعم المقاومة"، وهو النظام القمعي المعروف بأنه لو تظاهر بضعة أشخاص في الشارع دون توجيه منه، فإنهم سيصبحون أثراً بعد عين، ما يؤكد أن النظام السوري هو الذي أخرج ودعم هذه المظاهرات. كما بدأ هذا النظام برفع شعارات ضد "مشروع تقسيم العراق" الذي تبناه "حلفاؤه" في مرحلة العداوة مع نظام صدام. هؤلاء الحلفاء هم أكراد وشيعة اتخذوا من دمشق قاعدة لهم لعقود للعمل ضد نظام صدام، والبعث في بغداد. ومن المفارقات التي توضح أبعاد المخطط الإيراني السوري، أن "هؤلاء الذين استضافهم نظام الأسد بكرم بالغ، وفتح لهم المكاتب الإعلامية والعسكرية، ودربهم وزودهم بالأسلحة وجوازات السفر، كانوا أول من هلل، وساند، وساهم في الغزو الأمريكي للعراق، وقفزوا على ظهر الدبابة الأمريكية التي دخلت بغداد" ومنها إلى حكم العراق.
لم يسبق لنظام الأسد أن سمح لحركة سياسية أو غير سياسية بحرية العمل والنشاط كما الحال مع الهيئات التي تسمي نفسها "لجان نصرة العراق"؛ إذ تحت ستارها عمل النظامان السوري والإيراني على جمع "المتطوعين" من كل دول العالم وإرسالهم إلى العراق. وبحسب التقارير المؤكدة، فقد "عمل (دعاة) النظام ومنهم المفتي الحالي "حسون"، على تجنيد وإرسال آلاف الانتحاريين واستجلابهم من كل مكان، وبرعاية وإشراف من العميل السوري (أبو القعقاع)، "يقول النائب السابق المنشق عن النظام (محمد حبش)": سورية التي تعيش حالة فريدة من الضبط القمعي الصارم - والمفرطة في حساسيتها تجاه كل ما هو إسلامي - يظهر فيها فجأة رجل كأبي القعقاع، في حي من أحياء حلب الشعبية المكتظة، حيث كان الرجل يقوم في مسجده بالصاخور ليس بإلقاء الخطب الحماسية في الجهاد فحسب بل يقوم بالتدريب اللوجستي على القتال داخل المسجد! والتدريب على استخدام أنواع من السلاح، ويؤكد علناً أننا ذاهبون للقتال في فلسطين والعراق مع إخوتنا المجاهدين من القاعدة وذلك لمواجهة الاحتلال الأمريكي الصليبي الكافر"!
يقول المعارض السوري كمال اللبواني (أبو القعقاع) اغتاله النظام فيما بعد وأداً للسر، أمام مسجده وأتباعه، لقد كان ومن معه يسهلون نقل السلاح، وقسم منه من مخازن حزب الله في لبنان عبر الأراضي السورية وبحافلات نقل عامة وعلى الطرق العامة نحو العراق وبتنسيق كامل مع أجهزة الأمن السورية وبعلمها، وعندما عدت من زيارتي للولايات المتحدة واعتقلت في المطار يوم 2005/11/7. كانت أول كلمات علي مخلوف - رئيس فرع تحقيق الفيحاء - لي هي: هل تعلم أن كل ما يريده منا أصدقاؤك الأمريكان، هو أن نتوقف عن إرسال المجاهدين إلى العراق، ونحن لن نفعل. وهذا ما نقلته حرفيا بعد أيام عندما التقيت ممثلة السفارة الأمريكية كاري، أمام مكتب قاضي التحقيق في نيابة مدينة دمشق، وخطيا عبر ورقة سلمتها للمحامي أثناء جلسة الاستجواب وطلبت منه تسليمها للسفارة الأمريكية، وعليه فإن العميد مخلوف الذي كان على تواصل مباشر مع بشار أثناء التحقيق معي، هو من أقر بعظمة لسانه ولي شخصيا بدعم وإرسال الدواعش للعراق، وعندما فجرت هذه الدواعش مباني الحكومة العراقية. أربع وزارات أساسية بيوم واحد، وانكشفت أصابع من يقف خلف ذلك، صرح المالكي أن نظام الأسد يريد تدمير الدولة العراقية، وطالب العراق بتدخل مجلس الأمن وتقدم بشكوى رسمية يتهم فيها سورية وبشار بالذات بتدمير العراق عبر دعمه للإرهابيين الذين يقودهم رجال من مخابراته".
الحقيقة (9): في أواخر 2006م، ألقت القوات الأمريكية في العراق القبض على مجموعة من الإيرانيين تبين لاحقاً أنهم ضباط وبعضهم يحمل جوازات سفر دبلوماسية، ووجد بحوزتهم وثائق خطيرة تثبت بالدليل القاطع ضلوع إيران في نشاطات أمنية تخريبية داخل العراق، وارتباطها بميليشيات مسلحة عراقية شيعية، وجهادية سنية، وأن "فيلق القدس"على صلة بـ"فرق الموت" الشيعية، وقيادات في تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" وميليشيات "أنصار السنة".
وقد رشح في هذا الشأن من جهات أمريكية باشرت التحقيق، ودرست الوثائق بأنه "في حين كان الدعم الإيراني للميليشيات الشيعية يتصف بطابع العلنية، فإن دعمها لـ "الجهاديين والمتمردين السنة" في العراق، يتم بشكل أكثر قتامة". وقد سبق لقوات التحالف في 2003م أن وجدت "مخطط قواعد استرشادية" أوPlaybook يكشف استراتيجيات إيرانية لدعم الطرفين الإرهابيين "الشيعي" و"السني" داخل العراق، كما أشارت تقارير استخباراتية أمريكية إلى أن الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" في "الفلوجة" قد تلقت في 2004م دعماً على هيئة بضائع من الحرس الثوري الإيراني. وهنا قد يتساءل المرء، كيف للقاعدة ولإيران اللذين يحملان أيديولوجيتين متطرفتين متضادتين أن يتعاونا؟! الإجابة تكشفها الحقيقة رقم (10) التي تتمحور حول العلاقات البنيوية الأصيلة والوطيدة بين جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية (أم القاعدة وداعش)، ونظام الملالي في طهران، والتي تمتد أصولها لما قبل الثورة الخمينية ذاتها، وحتى اليوم، وهو جزء من موضوع مقالة الأسبوع المقبل، والتي سأعرج من خلالها على تاريخ هذه العلاقة التي هي أقرب ما تكون إلى (التكامل) منها إلى (الاعتماد المتبادل).