ارتفاع الدولار وتراجع الطلب يهويان بأسعار النفط

ارتفاع الدولار وتراجع الطلب يهويان بأسعار النفط

توقع مختص في القطاع النفطي أن تطالب فنزولا وإيران ونيجيريا والجزائر والعراق خلال مؤتمر أوبك في الشهر المقبل بتخفيض إنتاج الخام عن 30 مليون برميل، مرشحا في الوقت نفسه احتمالية رفض الطلب، معتمدا في توقعه على تصريحات صدرت من وزراء بترول المنظمة من أن دول "أوبك" لم تصل أصلا في إنتاجها للسقف المحدد وتصريح وزير البترول السعودي بأن انخفاض الأسعار لحد 80 دولارا للبرميل لن يعتبر مؤثرا على السعودية، إضافة إلى عدم مطالبة أي من الدول الأعضاء للمنظمة باجتماع عاجل.
وأوضح لـ "الاقتصادية" الدكتور راشد أبانمي، رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية، أن انقسام دول أوبك ليس سياسيا إنما انقسام يعتمد على التفاوت بين كميات الإنتاج وبين عدد السكان، مشيرا إلى أن عدد سكان دول الخليج قليل وإنتاجهم كبير كالسعودية التي عدد سكانها 30 مليونا، وإنتاجها تسعة ملايين برميل، وليبيا سابقا كان إنتاجها مليونا و800 ألف برميل في اليوم وتراجع ليصل اليوم إلى 500 ألف برميل، لكنه يعد جيدا مقارنة بعدد السكان، على عكس إيران التي تنتج مليونا ونصف المليون برميل يوميا وعدد سكانها 70 مليون نسمة.
وأضاف أن الوضع نفسه في الجزائر والعراق وفنزويلا، فأي انخفاض يؤثر على اقتصادهم، مشيرا إلى أن الميزانية الإيرانية مبنية على أساس بيع برميل النفط بـ100 دولار، وأقل من هذا السعر يعد مضرا بالاقتصاد الإيراني، على عكس السعودية التي بنت ميزانيتها على أساس بيع برميل البترول بـ 75 دولارا، ولذلك فإن نزول الأسعار إلى 88 دولارا لم يؤثر في اقتصادها.
واستبعد أبانمي أن يتم تخفيض إنتاج البترول للدول المنظمة لـ"أوبك" مستندا إلى المؤشرات التي تظهر من المسؤولين من الدول الأعضاء، وقال إن روسيا والمكسيك ومصر والسودان على الرغم من أنها دول منتجة للبترول لكن رأيها وكميات إنتاجها وأسعارها لن تكون مؤثرة لا على السوق ولا على الدول الأعضاء في "أوبك" باعتبار أنها ليست عضوا في المنظمة.
وقال أبانمي إن التفاوت بين العرض والطلب هو الطاغي خلال هذا الفترة، وهو ناتج عن زيادة الدول المنتجة للبترول للعرض حتى تفوق على الطلب الذي يعد تراجعه عاديا ويتكرر في الفترات التي يتراجع فيها النمو الاقتصادي لدى الدول المستهلكة للبترول.
وأوضح أبانمي أن أسعار النفط وصلت إلى 88 دولارا للبرميل الواحد، وستتراجع أكثر خاصة أن الدول المنتجة لم تصرح أو تلمح بنيتها لتخفيض الإنتاج، رغم تراجع الأسعار، مشيرا إلى أن البترول كسلعة أساسية يخضع لاعتبارات سياسية واقتصادية ولا يخضع لحروب الأسعار التي قامت بها شركات الألبان لإخراج الصغار من السوق ومحاولة الاستحواذ على الحصة الكبيرة، وهذا لا يمكن أن يتم في أسعار البترول التي تختلف اعتباراتها ومؤثراتها التي تتأثر بها.
وأضاف أن الحلف العالمي المكون من 40 دولة الذي أعلن أنه سيمتد حتى 2036 بدأت تأثيراته الاقتصادية بالظهور، حيث ضغطت أمريكا على روسيا وعلى إيران ومنعت الرفاهية الاقتصادية وضغطت على مواردها، حيث إن تلك الدول كانت تستغل الفائض لدعم أيدلوجياتها المذهبية.
من جهته أوضح لـ "الاقتصادية" تركي فدعق مدير الأبحاث في شركة الأبحاث المالية أن ضعف النمو الاقتصادي العالمي الذي حل على الدول المستهلكة للنفط وعلى رأسها أمريكا والصين وأوروبا أدى إلى تراجع الطلب على البترول وبالتالي انعكس على أسعار البترول التي تراجعت بشكل كبير لتتماشى مع المستجدات.
وأشار إلى أنه يصعب خلال الفترة المقبلة التكهن بمدى استمرار التراجع في النمو الاقتصادي للدول المستهلكة للنفط من عدمه. منوها إلى أن ضعف النمو الاقتصادي خلال الفترة الحالية أصبح على مستوى عالمي.
وقال محلل اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه إن الطلب على النفط جاء على عكس توقعات تقرير وكالة الطاقة الدولية خلال الربع الرابع من العام الجاري، حيث توقعت أن يرتفع الطلب على النفط بمقدار 1.2 مليون برميل ولكن الاستهلاك لم يرتفع إلا بمقدار 995 ألف برميل، وذلك لتراجع طلب الدول المستهلكة للنفط نتيجة انخفاض النمو الاقتصادي.
وأشار المصدر إلى أن وراء تخفيض الأسعار محاولة الدول المنتجة للنفط المحافظة على عملائها وكسب عملاء جدد في السوق، مستبعدا أن يكون السبب غير اقتصادي، فليس من مصلحة الدول المنتجة للنفط تراجع أسعاره, موضحا أنه لا توجد سياسات دولية تمنع الدول المنتجة للنفط من رفع أو خفض أسعار البترول حتى منظمة أوبك التي يعد دورها إرشاديا للدول الأعضاء وغير ملزم لهم.
وفي السياق نفسه، قال إبراهيم السبيعي المحلل الاقتصادي إن العديد من المؤشرات بدأت تلوح في الأفق بتراجع أسعار البترول ويأتي على رأسها سعر صرف الدولار بالنسبة للعملات الرئيسة، حيث يعتبر ارتفاع سعر صرف الدولار أحد أهم العوامل التي لها تأثير على أسعار النفط، لأن العلاقة بين سعر صرف الدولار وأسعار البترول علاقة عكسية، لذلك فإن ارتفاع سعر صرف الدولار الذي بدأ العام الجاري نتيجة تعافي الاقتصاد الأمريكي والتحول التدريجي عن سياسة التيسير الكمي رفع من احتمالية المزيد من التراجع أسعار الخام، خاصة أن أسعاره شهدت خلال الفترة الماضية تراجعا لأقل من 100 دولار للبرميل.
وأكد المصدر أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من الارتفاع في أسعار النفط، خاصة أن الاقتصاد الأمريكي مرشح لمزيد من النمو خلال الفترة المقبلة، وبتالي فإن سعر صرف الدولار سيرتفع أكثر، مضيفا أن المؤشر الثاني يتمثل فيما قامت به الدول المنتجة للبترول التابعة لمنظمة أوبك، حيث زاد بعضها من إنتاج البترول سعيا لتعويض انخفاض الطلب، ما أدى إلى حدوث فائض في السوق وزاد من انخفاض السعر حتى وصل إلى 97.11 دولار للبرميل.
ورجح المصدر احتمالية اتخاذ البلدان المصدرة للنفط في مؤتمر أوبك المقبل الذي سينعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل قرارا بتخفيض سقف إنتاجها إلى 29.5 مليون برميل في اليوم أو أكثر سعيا منها لإعادة التوازن بين العرض والطلب المتراجع على النفط.
والمؤشر الثالث بحسب المصدر هو الضغط الذي تمارسه أمريكا على روسيا لأغراض سياسية، حيث إن موسكو تعتمد بشكل كبير على النفط وانخفاض الأسعار سينعكس على اقتصادها وعلى عائداتها بشكل كبير وسيؤدي إلى انخفاض في سعر صرف العملة الروسية.
وتوقع أن تبدأ الولايات المتحدة في الحد من ارتفاع الدولار، لأن استمرار ارتفاعه ليس من صالحها إذ سيؤدي إلى انخفاض صادراتها وزيادة وارداتها مما ينتج عنه عجز ميزانها التجاري، وما أن ينتهي غرض أمريكا السياسي وهو الضغط على موسكو لإحداث عجز في ميزانيتها ستبدأ واشنطن فورا بالحد من ارتفاعه.
وقال إن التأثير على سعر البترول ليس من صالح الاقتصاد العالمي لأنه سيؤدي إلى انخفاض كبير في العرض بسبب ارتفاع تكاليف الاستخراج المتصاعدة. متوقعا أن يقفز سعر البترول من أقل 90 دولارا إلى ما فوق 115 دولارا للبرميل.
ووفقا لما ذكرتة صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في عددها الصادر أمس الخميس ، فإنة في الوقت الذي أصبحت فيه أسعار النفط العالمية تتهاوى بوتيرة لم تحدث منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
حيث يقول بعض المحللين إن السعودية لا تواجه سوى مخاطر قليلة بإبقاء الأسعار منخفضة بسبب الاحتياطات المالية الهائلة للحكومة والديون المنخفضة، الأمر الذي يمكن أن يساعد في تحمل العجز في الميزانية، ولكن هناك من يختلف في ذلك، مثل بدر جعفر، وهو مسؤول تنفيذي كبير في شؤون النفط في الإمارات، حيث يعتقد أن السعودية ستحتاج إلى أسعار نفط أعلى لكي تدعم في النهاية المستويات العالية من النفقات الاجتماعية.
وأضاف أن الاستراتيجية التي على السعوديين اتباعها فورا هي ثني الذين ينتجون النفط بكلفة عالية في الولايات المتحدة وكندا عن الإنتاج وأن تعتبر ما حدث تحذيرا أساسيا لمنتجين آخرين في مقدمة اجتماع دول أوبك الذي سيعقد في الشهر المقبل بأن عليهم جميعا عمل اقتطاعات في الإنتاج إذا كان عليهم الحد من هذا الاتجاه الهابط للأسعار.
ويقول آخرون إن السعودية ستواجه الأسعار الأقل مهما فعلت لأنها لا تستطيع السيطرة على أسباب هبوط الأسعار التي منها حفر الآبار الجنوني في أمريكا الشمالية وانخفاض الطلب في أوروبا واليابان والكثير من الدول النامية، وبحسب «رويترز» يرى هؤلاء الخبراء أنه من المنطقي أن تقوم السعودية بالدفاع عن حصتها في الأسواق العالمية. ويقول فيليب كى فيرليجر، رئيس الشركة المتخصصة في استشارات الطاقة، بي كى فيرليجر، إن هذه حرب ناتجة عن ضرورة اقتصادية، وقد نتجت هذه الضرورة من زيادة الولايات المتحدة لإنتاجها بنسبة 70 في المائة مقارنة بإنتاجها من النفط في عام 2008 وهو الذي أدى إلى تخفيض وارداتها من دول أوبك بمقدار النصف، والذي حدث أن النفط الخام السعودي والنيجيري الذي يتدفق يوما بحرية إلى الولايات المتحدة أصبح فجأة ينافس على حصة في الأسواق الآسيوية، حيث أصبح المشترون يطلبون أسعارا أقل، ومما زاد الطين بلة هو استعداد الولايات المتحدة لتصبح مصدرا رئيسا للنفط في العقد المقبل، وبالتالي اقتطاع المزيد من الأسواق السعودية. وأشار غاري ن. روس، الرئيس التنفيذي لمجموعة بيرا للطاقة، وهي شركة استشارات في نيويورك، إلى أنه فيما يبدو فإن السعودية أصبحت تطبق الدروس التي تعلمتها من أوائل الثمانينيات، عندما استجابت لفائض مماثل في السوق بتقليص إنتاجها لإبقاء الأسعار مرتفعة، حيث كلفها ذلك حصة مهمة من السوق، وهي الحصة التي اضطرتها فيما بعد إلى الكفاح لاستعادتها.
وأضاف أن الرياض تعمل هذه المرة عكس ذلك، فهي تقبل بالأسعار الأقل للحفاظ على حصتها في السوق، وإذا صادف أن أضرت هذه السياسة بمنافسيها، فسيكون ذلك بالنسبة لها أفضل. وقال روس، إن هذا ملائم للسعودية في وقت أصبحت فيه إيران تزداد قوة يوما بعد يوم، وأصبحت روسيا، وهي مصدر هائل للنفط، شوكة في الجانب بسبب دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، مضيفا أن أسعار النفط المنخفضة من شأنها أن تزيد من الإجهاد الاقتصادي لطهران، التي تعاني أصلا متاعب جمة نتيجة العقوبات الدولية الهادفة إلى إقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي. ومن المرجح أن يؤذي انخفاض الأسعار روسيا أيضا، التي تشعر هي أيضا بالألم من العقوبات الاقتصادية المفروضة من الغرب عليها بسبب سياساتها في أوكرانيا.
والاعتبارات التي من هذا القبيل لا يمكن أن تكون بعيدة عن أذهان صناع القرار في السعودية، كما قال جان فرانسوا سيزنيك، وهو أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة جورج تاون.

الأكثر قراءة