منظمة التجارة بحاجة إلى «هزة عاجلة» بعد فشل تحقيق الإصلاحات
دعا روبرتو آزفيدو المدير العام لمنظمة التجارة العالمية"، إلى تحقيق "هزة عاجلة" لمؤسسته. وكلمة "هزة" في حد ذاتها جلبت له العديد من الانتقادات بعد أن اعتبرتها بعض الوفود أنها تقع خارج سياق المصطلحات المستخدمة في تحقيق الإصلاحات داخل المنظمات الدولية الحكومية.
ففي الأسبوع الماضي، أعلن آزفيدو خلال ترؤسه اجتماعا للجنة المفاوضات التجارية أن منظمة التجارة لم تجد حلا لمأزق تواجهه منذ شهرين بعد انقضاء الوقت النهائي المحدد للوصول إلى اتفاق على معاهدة تيسير التجارة. وقال إن المنظمة الآن هي في "أكثر الأوضاع خطورة من أي وقت مضى".
والآن، أنشأ، آزفيدو، بين البلدان الأعضاء ما يسمى بـ "محادثات أزمة"، وهي واحدة من المصطلحات العديدة التي تشتهر بها منظمة التجارة.
أحد مقترحات الإصلاح الرئيسة، التي أفيد، حسب معلومات "الاقتصادية"، أنه يلقى دعما من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، يقضي بالابتعاد عن نظام اتخاذ القرارات على أساس "الإجماع المطلق"، أي تخطي نظام "حق النقض" الذي تتمتع به الدول الأعضاء في المنظمة لمنع أي دولة من إعاقة ما يمكن أن تتفق عليه الدول الأخرى كافة، مثلما حصل مع رفض الهند، لوحدها تقريبا، معاهدة "تيسير التجارة".
مبدأ الإجماع المطلق هو أحد المبادئ المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية، والقسم الأعظم من الدول الأعضاء يرفض تغيير هذا النظام. تقول هذه الدول إن الابتعاد عن مبدأ الإجماع قد يعزز كفاءة المنظمة ويسرع من تشريعها للقوانين، ولكن يمكن أن يهدد أيضا أحد أعظم الأركان التي تقف عليها منظمة التجارة، وهي: شرعيتها بمساواتها المطلقة بين الدول الأعضاء.
الزخم الحالي للإصلاح مدفوع، حسب الدول الغربية، في الرغبة في إعادة المفاوضات التجارية العالمية إلى منظمة التجارة العالمية نفسها.
التخبط الحالي في المحادثات متعددة الأطراف داخل إطار المنظمة، وتوقف جولة الدوحة مرة أخرى هذا الصيف بعد إعاقة الهند تنفيذ "صفقة بالي" (تم التوصل إليها في المؤتمر الوزاري في كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي)، رغم أنها مجرد اتفاقية متواضعة مقارنة بطموح جولة الدوحة، دفع بعض أكبر القوى التجارية الأعضاء في المنظمة، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى السعي لإبرام اتفاقات تجارية ثنائية أو إقليمية.
وتشمل هذه الجهود "اتفاق الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار" بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. و"اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ". وتقود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا مفاوضات "اتفاقية التجارة في الخدمات" بتجميعهما ائتلافا من أعضاء في المنظمة ذات تفكير مماثل في مفاوضات تجري خلف أبواب مغلقة داخل المنظمة وفي أغلب الأحيان داخل الممثليات التجارية للدول المشاركة فيها، وهو أمرٌ لا تخفيه هذه الدول نفسها.
تهدف هذه المفاوضات إلى تحقيق المزيد من تحرير التجارة، ووضع قواعد جديدة للتجارة المتبادلة في مجال الخدمات بين الدول المشاركة فيها. وحتى الآن، لم تشمل أي من هذه المحادثات قوى فاعلة رئيسة أخرى في التجارة العالمية، كالصين، والهند، والبرازيل.
سبب عقد معظم المفاوضات الكبيرة "متعددة الأطراف" خاصة "مفاوضات اتفاقية الخدمات" خارج إطار المنظمة "بسيط جدا"، طبقا لعضو الوفد التجاري الأوروبي، سيرفاتيوس فان تييل، الذي أوضح لـ "الاقتصادية" أن الاتفاقات داخل المنظمة في حاجة إلى موافقة جميع الأعضاء كي تمضي قدما. والموافقة الجماعية مرجحة فقط عندما لا يكون مضمون الاتفاق مثيرا للخلاف، وهكذا يأتي الاقتراح بالتخلي عن القاعدة، والالتقاء جانبا في واحدة من الممثليات التجارية.
وقال لـ "الاقتصادية" عضو وفد دولة غربية، شدد على أنه يتحدث بصفة غير رسمية، إن هذا الإصلاح، أي إلغاء الإجماع المطلق، سيقضي على سلطة حق النقض للدول الفرادى، ويسمح للاتفاقات التقدم بيسر داخل المنظمة حتى لو كانت هناك معارضة من بعض الدول الأعضاء.
في المقابل، قال الممثل التجاري للهند، السفير أنجالي براساد، إن الاقتراح يغير قواعد اللعبة. النتيجة، أن المفاوضات التي تضم بعض البلدان فقط بدلا من الدول الأعضاء كافة، ستصبح الطريقة الرئيسة لقيام المنظمة بنشاطاتها.
ومن الواضح، أن منظمة التجارة، مثل سابقتها، الاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (جات)"، سمحت لمجموعات من البلدان في لعب دور رئيس في إبرام الاتفاقات متعددة الأطراف، بما في ذلك مبادرات التكامل الإقليمية، وقد أفاد عديد من هذه الاتفاقات الدول الأعضاء وغير الأعضاء على حد سواء.
يقول براساد لـ "الاقتصادية" إنه على الرغم من أن إسقاط قاعدة الإجماع المطلق قد يساعد في إنجاز الاتفاقات، ويجعل من منظمة التجارة أكثر "كفاءة وفعالية"، إلا أنه يشكل مخاطر حقيقية لشرعية المنظمة. ويوضح أن الانتقال من "الإجماع" إلى "التصويت"، مثلما يدعو البعض، سيؤدي إلى حرمان أصغر وأفقر الدول الأعضاء في المنظمة من مصدر قوتها الوحيد في الدفاع عن مصالحها. وأضاف: هذه البلدان تفتقر إلى حجم السوق الكبيرة، ما سيحول دون دعوتها إلى النوادي الخاصة في المفاوضات متعددة الأطراف، سبيلها الرئيس للتأثير في المفاوضات هو "التهديد باستخدام حق النقض".