هالوين أطفال سوريا في بلدهم والمهجر
لست مولعاً بأعياد الآخرين التي ليست من ثقافتنا، لكن ليس من الخطأ أن يطّلع الإنسان على ثقافاتهم، وقد عاش بينهم، فربما تزيد من إيمانه ويزداد رسوخاً بما حبانا الله به.
في آخر يوم من تشرين الأول/أكتوبر الذي مضى لتوه احتفل الناس في بعض الدول بعيد الهالوين Halloween. والكلمة ليست محرّفة من كلمة الحلوين كما يحلو لبعضنا أن يقول، لأن الاحتفال به يشمل الخدع، وارتداء الملابس الغريبة، والأقنعة، فيما يُسمونه حفلة تنكرية. وتروى الأساطير عن جولات الأشباح في الليل، وتعرض التليفزيونات ودور السينما بعض أفلام الرعب، ويتم فيه تزيين البيوت والشوارع باليقطين، ويقومون فيه بالألعاب المرعبة والساخرة. ويتنقل الأطفال، وهم في ألبسة تنكرية وقد وضعوا وجوهاً مرعبة، من بيت لآخر وبحوزتهم أكياس وسلال طالبين ملأها بالشكولاته وحلوى الكراميل. ومن لا يعطي الأولاد المتنكرين ما يطلبون تغضب منه الأرواح الشريرة. وفي الحقيقة فهم يتنكرون ويرتدون الملابس المخيفة والوجوه المرعبة كي لا تعرفهم الأرواح الشريرة... وقد أنتجت هوليوود عشرات الأفلام عن الهالوين، منها أفلام رعب، وكوميديا سوداء، وأفلام كرتون للأطفال. كما تنشط مصانع الألعاب والحلويات والمحال التجارية لتحقق نشاطا تجاريا ملحوظاً.
وعندما يقرأ الإنسان عن هذه المناسبة ثم يتذكر أطفال سوريا، المحاصرين في مدنهم، أو اللاجئين في مخيمات الدول المجاورة، يجدهم ليسوا أمام أشباح نُسجت في الخيال، وليسوا أمام فيلم رعب لا يلبث أن ينتهي ويخرج مشاهده إلى العالم الحقيقي، ولكنهم أمام واقع مخيف مرعب لا يمكنهم أن يتنكروا للهرب منه. فالبراميل المتفجرة التي تلقيها عليهم الطائرات لا يمكن مقارنتها بأفلام الرعب، والدماء التي تكسوهم ربما تجعلهم في مناظر تنكرية حقيقية ليس كمثل الألبسة التنكرية المستخدمة في الهالوين. وهم لا يستطيعون التنقل من بيت إلى بيت ليجمعوا الحلوى، فهذه من الترف الذي لن يجدوه في أي بيت، فيضطرون إلى التقاط بقايا الطعام من هنا وهناك. وتكاد تقرأ في أعينهم معنى الخوف الحقيقي، ليس من الأرواح الشريرة بل من البشر الأشرار الذين فقدوا كل معاني الإنسانية والأخلاق فراحوا يزرعون الرعب في كل مكان، فيسقط من قذائفهم كل يوم مئات القتلى والجرحى، وكثير منهم من الأطفال. ومن لم يمت فبقاؤه تحت الأنقاض ساعات كفيلة بأن توزع الرعب على آلاف الناس، لاسيما من رأى من أولئك الأطفال مقتل أمه أو أبيه أمام عينيه. بل ربما القتل أهون من باقي الأهوال التي يرى فيها الطفل تعذيب والده أو اغتصاب أمه أو يفقد فيها طرفاً من أطرافه. فأي رعب من الأرواح الشريرة يضاهي رعبه؟ وأي حلوى تعوضه عما فقد؟ ليت المخرجون في هوليوود يزورون هؤلاء الأطفال ليوفروا على أنفسهم عناء البحث عن أفكار لأفلامهم المرعبة، فهنا الواقع أغرب من الخيال!
وهناك رعب ومعاناة من نوع آخر كتب عنها مؤخراً الكاتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة الإندبندنت البريطانية، حيث ذكر أن مائتي ألف طفل سوري لاجئين في لبنان يتم تشغيلهم كالعبيد، وبعضهم عمره خمس سنوات فقط، يعملون في الحقول في سهل البقاع، وكثير منهم يُضربون. فهل يحتاج هؤلاء إلى أساطير الأرواح الشريرة وهم يرون الأهوال رأي العين؟