مدرسة النجيب الحياتية ..

تأمل :
"إن الجمال وكلّ الجمال يكمن في البساطة، وفي عدم فهمك التام لكل شيء، في وصولك الذي تظن به أنك قد وصلت للقمة لتتمردَ أمامك رؤية جديدة تريدُ منك المواصلة في أن تبني بيوتا من الخبرة والتجارب وتضيف إلى دائرتك الخاصة عمقًا وبعدًا".

ربما حين تمسك بالقلم راغبًا في كتابة العظماء
تنهارُ قوة القلم، تقف أنت محاولاً في أن تقاوم هذا الضعف الذي أصاب قلمك على غير العادة.
تمامًا كما حدثَ معي حين أردتُ كتابة نجيب الزامل، وأقولها بدونِ الدالِ التي يرفضها في كل لقاء وحوار لبساطة روحهِ التي يستعجبُ منها كل عقل يرى أن تلك الألقاب تمنح احترامًا وسيطرة مُنحت للنجيبِ بدونِ أن تُقال له، احترامًا يفرضهُ لتعامله اللطيف والعفوي،
وسيطرة على القلوبِ فلا تكادُ تجد قلبًا إلا ويحبّه ويراه مدرسة عظيمة.
نجيب الزامل ذلك الأعجوبة حين يكتب، وحين يتحدث، وحين يتعاطف، وحين يمنح الحبّ بلا حدود.
لطالما تمنيت أنْ تُجمع مقالاته في مجلداتٍ يتم تدريسها في مدرسة ُتسمى "مدرسة النجيب الحياتية".
شعار تلكَ المدرسة يكون هو الحبّ، فجسر الحبّ الذي ينادي ببناءه دائما ويؤمن بأن أعظم ما يمكنه أن يذيب جليد قلوب الناس وتقبلهم لأفكارك هو أن يحبوك أولاً، العفوية والبساطة في التعامل وعدم الكلفة هي ما تمنح شعور الراحة، عندها ينفتح قلب الآخر، ومهما كان الذي تقوله فليسَ من الضروري أن يقبلَ منك، إنما أن تترك أثرًا لطيفا ودافئًا لدى كل من تقابله.
كثيرًا ما أقول بأن الناس مدنٌ ونجيب قارة، لأن نجيب الطبيب يختلف عن نجيب الكاتب والمؤلف والروائي والمفكر والشاعر والقارئ النهم، ونجيب الرسام، يختلف عن نجيب الحكواتي الذي لا يُمل حديثه، ونجيب المساند، ونجيب الداعم، ونجيب المعطي ولا تنتهي تلك السلالة النجيبية المتجددة والتي تدهشكَ في كلّ مرة تظن بأنك قد عرفت هذا الانسان تمام المعرفة لتُدهشَ بمدينة أخرى وبحر آخر ينسف كل ظنونكَ تلك في ثانية واحدة.
هذا الانسان الذي يكتب بمرونة عجيبة وتدفق جبار، ومتعة لامنتهة، وجمالٍ في الحرف ودقة في الوصف، وسريان يأخذك ناحية التجدد فلا تكاد تقارن مقالة بأخرى لأنها مختلفة عن أختها، فستجد في كل مرة تقرأ بها مقالة له عشرات الأفكار التي أشعر بها تتعارك في رأسه لكثرتها ولتنوعها.
فدائما ما أركز على ما يكتبه لأني أقتبس من مقالاته كثيرًا، وأحتفظ بأغلبها في مفضلتي التي أعود إليها كلما شعرت أن دائرة بعض الأحرف الاخرى تضيق إما للتقليدية أو الابتذال أو الروتينية والرتابة.
إن مقالاته أشبه بالكبسولة الثقافية التي تطعمنا
ما لا يمكن لكاتب آخر أن يطعمنا إياه.
إنه كمن يكتب لك وحدك، وكأنه يقصدك لشدة البساطة والعمق والبعد الجمالي والتّنور الذي يجعلني اتأمل طويلا: "يا الله.. عظيم ما كتب!"
إنه يكتب بانسيابية وسيولة أفكار عميقة وعظيمة. وتناغم في اللغة التي أظن أنه يتحالف معها حتى تخرج ببهاء لا ينسى.
فلا أكاد أنسى حين ينطفئ لدي شعور الحماسة ناحية استكمال طريقي في الحياة،
تلك الكلمات التي وضعتها في مكان تقع عليه عيني لتقرأ:
"عندما تقف على مشهد عال، فإنّ الله اختارك لهذا الموقف ليس لتطل على المشهد، وإنما لتثبت لنفسك أنك تستحق أن تكون هناك، ولماذا أنت هناك؟ وما الرسالة وراء وقفتك على المشهد البانورامي الكبير؟ المعنى: لتؤدي شيئا بحجم مهابة الموقف وعلوّه، وإلا فانزلْ!"
أعيد قراءتها عدة مرات، فيرتجف شعوري لأن الموقف عظيم بصدق، ولأنه كتبه بصدق أكبر.
هذا الانسان الذي ينكر دائما أنه قد أتم الدكتوراة لأكثر من مرة في أكثر من علم، كذلك يتقن الكثير من اللغات ومطّلعٌ عليها فهو مهتم بعلم اللسانيات من الدرجة الأولى لأنه يرى أن القوة العظمى هي أن تتحدث باللغة الأم لكل من تحادثه لأنك ستصل لقلبه أولا وستؤثر به في كل الأحوال.
ويخفي أيضًا إجادته للطب والتطبيب، وفهمه أيضا بأسرار النفس سيكولوجيا، والانسان لأنه مهتم بالأنثروبولوجيا تمام الإهتمام.
إن ذكاءه الإنساني صنع رسالة عظيمة مفادها أن التواضع هو ما يتيح للإنسان أن يتعلم أكثر، فمن يحصر ذاته في دائرة الذكاء الأكاديمي ويتفاخر ويتباهى بأنه قد وصل بعلمه لمراحل قد لا يكون طريق الوصول إليها سهلاً بالفعل ولكنك حين تناقشه في مناقشة بسيطة يُفضح لديك ستار عقله الصغير والذي لا يتجاوز حبة البندق لأن وعيه ضيق وغروره بنفسه وكبريائه جعل من الأنا لديه عالية لدرجة أنك تُشفق عليه، لأن الكِبر منعهُ من رؤية غيره، وجعل من وعيه منخفضًا.
الذكاء الأكاديمي مهم للغاية، ولكن الذكاء الإنساني أهم بعدة مراحل لأنه سيجعلك تتعلم بتواضع مهما بلغ عمرك، وسيصنع منك شخصًا مرنًا يحمل عقلاً واعيًا ومهما حصلت على شهادات عندها لن تتعالى على غيرك ببساطة.
وسيكون ايمانك أكبر بأنك كلما تعلمت أكثر كلما اتسعت لديك الرغبة الداخلية في أن تتعلم أيضًا وأن لا تتوقف عند نقطة معينة، وبأنك في رحلة تعليمية مدى الحياة، لستَ مجبرًا عليها ولكنك راغبًا ومقبلاً عليها بكامل الرضا والحب.
إن المدرسة التي أطالب وبصدق أن يتم تأسيسها وبناءها وأدعو لها والتي اؤمن تمامًا بأنها
ستبني الكون من جديد بحلة رائعة يتجلى من خلالها كل ما صنعه خلال سنين طويلة بقوة حرفه المؤثر.
تلك المدرسة ستضم كل أفكار هذا المفكّر العظيم وموادها العلمية ومقرراتها ستكون بترتيب مقالاته بمجلدات ومراجع خاصة تحت اسم
"مدرسة النجيب الحياتية" والتي تعلمت منها شخصيًا وتعلم منها غيري كثيرًا.
وإني لأثق تمام الثقة وأقف الآن لأقول:
إن نجيب ليس مدرسة فقط، إنما قارة منحت الكثيرين ممن أعرفهم ولا أعرفهم أعظم ما يمكن أن يمنحه المرء في حياته لأحد، ألا وهو التحفيز الصادق، والإيمان بما لدى الغير مهما كان صغيرًا.
وأعظم ما بناه هذا الانسان هو رسالته التطوعية التي عمل عليها، ففي كل مجلس نراه ينادي بأن التطوع هو أسمى ما يهذب الانسان بعمق.
وعمله التطوعي يشهد على ذلك.
إن عقلاً كعقل نجيب يحتاجُ إلى عدة مجلدات وكتب كي أكتب عنه، وكي أشرح للناس ببساطة عن عقل ليس معقدًا إنما هو أعجوبة عصره الذي نادى به البعض بأنه "أنيس منصور المملكة".
ولكني أختلف معهم، فأنيس منصور قد برع في دائرة واحدة في الفلسفة والرواية والكتابة الأدبية أما نجيب فقد برع بعدة دوائر مبهرة أكثرها سحرًا هي دائرة الكتابة التي لا تجعل من حرفه يمر مرور الكرام لدى القارئ.
لكل من يسأل عن سر النجيب أقولها بحبّ:
بأن القراءة يمكنها أن تصنع عقلاً بهذا البهاء الذي يُشعرك بأنه متنزه ثري، وبأن السفر يجعل من مرونتك في قبول الناس وفهمهم أكبر، وأيضاً للإطلاع على ثقافتهم.
وبأن تعلم اللغات هو الطريق الأول لإتساع الوعي والفهم والثقافة، وللوصول الأسرع لقلوب الآخرين
من خلال حديثك بلغتهم الأصلية.
وبأن التواضع إذا مزج القراءة بالسفر بتعلمك للغات سيصنع منك إنسانا يعي رسالته الكونية التي هي في أصلها السلام والحبّ والتقبل.
وأخيرًا أختم باقتباس رائع كتبهُ في أحد مقالاته:
"أؤمن بأن الله وضع لنا طرقا للشفاء من أكثر الأمراض شراسة داخل عقولنا ومن تيارات أرواحنا. عندما تتَّجدل الأفكار والإيمان معاً يمكن شفاء أبداننا. بل شفاء حياتنا".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي