إنعاش النمو يتصدر جدول أعمال القمة
لكل قمة سواء كانت اقتصادية أم سياسية جدول أعمال، ولكن ضمن الجدول هناك محور أساسي تتركز حوله القمة، ولكل قمة قادة مشاركون فيها ولكن بينهم زعيم أو اثنين تسلط عليهما الأضواء.
ولم تخرج قمة العشرين التي ستعقد في مدينة برزبن الأسترالية عن مألوف القمم، فلديها جدول أعمال متعدد النقاط، ولكن كلمة السر ستكون "النمو العالمي"، وفي القمة زعماء وقادة ولكن الأضواء ستسلط على اثنين، ففي أفعالهما وأقوالهما الكثير من محددات الاقتصاد العالمي، الأول هو رئيس القوى العظمى الأولى في العالم عسكريا واقتصاديا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والثاني ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي تعد بلاده أكبر منتج للنفط في العالم.
وسيحدد الرئيس الأمريكي للقادة والزعماء المجتمعين رؤية أمريكا لكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية وتعزيز عجلة النمو الاقتصادي، وهذا أمر شديد الأهمية لأوروبا التي تدور في فلك أزمة اقتصادية لم تفلح في الفكاك منها منذ أن اندلعت في عام 2008.
أما ولي العهد السعودي فالجميع سيتلقف كل كلمة يلفظها أو تصريح يدلي به ويخضعهما للتفسير والتحليل، ففيهما مصير أسواق النفط العالمية، وبهما ستتحدد معايير أسواق البترول خلال الفترة المقبلة. وبين الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي تقف أوروبا باحثة عمن يساعدها على إيجاد مخرج من أوضاعها الاقتصادية التي تزداد تعثرا.
واستبق جاكوب ليون وزير المالية الأمريكي القمة بتصريح كشف عن موقف واشنطن من السياسات التقشفية التي تتبناها أوروبا جراء الضغط الألماني المتواصل على بلدان الاتحاد الأوروبي، فقد صرح قائلا: إن الاقتصاد العالمي لا يمكن أن يقبل بعقد أوروبي آخر ضائع أو بسياسات الوضع الراهن التي فشلت في تعزيز النمو، وأن بلاده تحذر من ذلك.
الدكتور جون مارتن أستاذ الاقتصاد الأوروبي في مدرسة لندن للاقتصاد يعتبر أن تصريح الوزير الأمريكي كشف عما سيقوله أوباما خلال اجتماعه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولـ "الاقتصادية" يقول، إنه يعتقد أن أوباما سيبلغ الألمان بأن سياستهم التقشفية لم تجد نفعا، وأن واشنطن منحتها فرصة كافية لتطبيقها، وأن التيسير في السياسات المالية الأوروبية التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي أخيرا إيجابية، ولكنها غير كافية لتجنب الركود الاقتصادي في أوروبا.
ومع هذا فإن أغلب التوقعات تشير إلى أن إنعاش الاقتصاد العالمي سيتطلب خطة جماعية طموحة لضخ نحو تريليوني دولار لدعم الناتج المحلي الإجمالي لبلدان الكرة الأرضية. ويرى البعض أن الخطط التي طرحها وزراء مالية مجموعة العشرين والتي تضمنت 900 مبادرة تهدف إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 2 في المائة عما هو متوقع خلال السنوات الخمس المقبلة، بما يعنيه ذلك من خلق ملايين من فرص العمل، خطط طموحة قد لا يتحملها الواقع الراهن. وأشار الدكتور بويلي جوينر من قسم الاقتصاد من جامعة أكسفورد لـ "الاقتصادية"، إلى أنه ربما كانت هذه الأطروحات ممكنة إذا لم يكن معدل النمو في الصين قد تراجع بعض الشيء في الأشهر الأخيرة، إذ كان يمكن للنمو الصيني والأمريكي معا إنعاش الاقتصاد العالمي، أما أمريكا بمفردها فلا تستطيع القيام بذلك، فعلى الرغم من أن معدلات النمو في الولايات المتحدة قد تجاوزت المتوقع إلا أنها أضعف من أن تصبح قاطرة وحيدة للاقتصاد الكوني. وفي ظل هذا فإن البعض تنتابه نظرة تشاؤمية تجاه ما يمكن أن تخرج به القمة من نتائج واقعية يمكن تطبيقها على الأرض، فالعقوبات الأوروبية والأمريكية على روسيا، ستلقي بكل تأكيد على عاتق الكبار مسؤولية الاتفاق حول تعاون اقتصادي جدي لإنقاذ الاقتصاد العالمي. ويشارك أوباما في القمة وهو في أضعف حالته السياسية بعد الصفعة القوية التي تلقاها من الناخب الأمريكي الذي رفض سياساته الداخلية والخارجية وفضل اختيار أعضاء الحزب الجمهوري لمواقفهم المتشددة تجاه الحرب على الإرهاب وإيران، كما أن حلفاء الولايات المتحدة ينظرون شذرا لمحاولات واشنطن تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين والهند على حسابهم، ولا شك أن طوكيو أكثر القلقين من توجهات أوباما الاقتصادية بمزيد من التقارب التجاري مع بكين.
وتقول الدكتورة جو كرفين الاستشارية السابقة في البنك الدولي لـ "الاقتصادية"، إن العديد من التناقضات تهيمن على العلاقات داخل بلدان قمة العشرين، والمشكلة لا تكمن فقط في انخفاض معدلات النمو العالمي بل إن القواعد المنظمة للاقتصاد والتجارة العالميين في حاجة لإعادة نظر، مضيفة أن هذا ما يجعل لبعض البلدان مثل السعودية دورا بارزا خلال القمة الحالية، فأسعار النفط العالمي في تراجع، ولربما يساعد ذلك على تشجيع النمو الصناعي في أوروبا والصين ولهذا فإن الدور الذي ستلعبه الرياض في تلك القمة شديد الأهمية.
ويعتقد البعض أن مشاركة ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز ستترك بصمات مهمة في القمة عبر إيضاح رؤية المملكة لسبل تعزيز معدلات نمو الاقتصاد العالمي، فيما يراهن البعض على أن الدور السعودي سيتجاوز قضية النفط إلى اعتبار السعودية حجر الزاوية في ضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي في الشرق الأوسط، وخاصة في ظل ضخامة الميزانية العامة السعودية لهذا العام التى بلغت 228 مليار دولار، ولا شك أن الاستقرار المالي والاقتصادي للسعودية سيطرح خلال القمة بوصفه تجربة لابد من الاستفادة منها، وخاصة على ضوء الدعم السعودي للاقتصاد العالمي من خلال السعي الدائم لاستقرار أسواق النفط العالمية، وهو الدور الذي سيبرز خلال الاجتماع رقم 166 لمنظمة البلدان المصدرة للنفط والمقرر انعقاده في فينا في الـ 27 من الشهر الجاري.