الأزمة العالمية مستمرة .. الاقتصاد الياباني يتوغل في دائرة الركود
ما أن اختتمت قمة مجموعة العشرين أعمالها، وتعهد القادة والزعماء المشاركين فيها بدعم نمو الاقتصاد العالمي، إلا وكانت أنباء سلبية غير متوقعة ترد من طوكيو، فالاقتصاد الياباني دخل رسميا مرحلة الركود.
هذا الخبر أثار ردود فعل عصيبة في البورصات العالمية، فاليابان هي ثالث أكبر اقتصاد عالمي، ودخولها في دوامة الركود بعد معدلات النمو المنخفضة في منطقة اليورو، يكشف بوضوح أن الاقتصاد العالمي لا يزال يدور في دائرة الأزمة الاقتصادية وغير قادر على الخروج منها، ورغم بعض المؤشرات الإيجابية هنا وهناك، إلا أن الصورة الإجمالية لا تزال غير طيبة.
وإذ تراجعت مؤشرات البورصات الأوروبية والأمريكية مع إعلان الركود الياباني، فإن المزاج العام في البورصات الآسيوية كان أكثر سوءا، فمؤشر نيكاي 225 تراجع بـ 3 في المائة.
ويشير معظم الخبراء إلى أن الاقتصاد الياباني يعاني ضغوطا منذ أن قامت الحكومة برفع ضريبة الاستهلاك في أبريل الماضي من 5 في المائة إلى 8 في المائة، وقد مثلت تلك الزيادة أول زيادة من نوعها خلال عقدين، وكان من المقرر أن تقوم الحكومة برفع ضريبة الاستهلاك بنحو 10 في المائة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إلا أنه من المستبعد قيامها بتلك الخطوة في الوقت الراهن.
وحول أسباب الأزمة الاقتصادية في اليابان يعلق لـ "الاقتصادية" الدكتور جورج بوير الخبير في الاقتصادات الآسيوية قائلا: "الأزمة في جوهرها لا تعود إلى قصور في قدرات الاقتصاد الياباني، إنما تعود إلى السياسات المغامرة للحكومة، فخلال الـ 20 عاما الماضية واجه الاقتصاد الياباني ظاهرة الركود، وسعى رئيس الوزراء تشينزو آبي إلى الخلاص من ذلك عبر سياسة تحفيز كمي مماثلة لسياسة الإدارة الأمريكية، وتطلب ذلك طبع مليارات من الين الياباني لشراء السندات الحكومية، وبالطبع هذا أدى إلى تراجع قيمة الين في مواجهة الدولار، وشجع ذلك الصادرات اليابانية على الانتعاش.
ورغم أن مجموعة الثمانية سابقا، السبع حاليا اعتبرت أن ذلك حرب عملات، إلا أن طوكيو أقنعتهم بأن هذه إجراءات مؤقتة للنهوض الاقتصادي. الجانب الآخر لهذه السياسة هو انتعاش البورصة اليابانية، ومن ثم بدأت بوادر عودة اليابان إلى الانتعاش الاقتصادي".
ويضيف "المشكلة أن الحكومة اليابانية أصبح لديها فجوة في الميزانية العامة نتيجة الإفراط في طبع العملة المحلية، وكان لابد من سدادها عبر زيادة الضرائب على الاستهلاك، وهنا برزت المشكلة، إذ أدى ذلك إلى تراجع الطلب المحلي، خاصة أن كبار المصدرين الذين حققوا أرباحا ضخمة جراء زيادة الصادرات لم يقوموا برفع الرواتب ولهذا يمكننا القول إن الفقاعة التي حدثت جراء الانتعاش المفتعل قد انفجرت".
وبالفعل فإن الاستهلاك الخاص الذي نما بمعدل 1.5 في المائة خلال الربع الثالث لم يفلح في تعويض التراجع الذي حدث خلال الربع الثاني والذي بلغ 18.6 في المائة.
ويلاحظ أن الضعف الشديد في الطلب على السلع الاستهلاكية المعمرة مثل السيارات والأجهزة المنزلية، إضافة إلى هبوط الاستثمار العقاري الخاص بـ 24 في المائة سنويا تعد أسبابا رئيسة وراء ضعف الطلب المحلي، وهو ما يدل على عدم قبول المستهلكين الضريبة الاستهلاكية.
وعلى الرغم من ذلك فإن عددا من الاقتصاديين يعتقدون أن هناك فرصة إيجابية مستقبلية للاقتصاد الياباني.
ولـ "الاقتصادية" يعلق دوجلاس هاورد الخبير الاقتصادي في بورصة لندن قائلا: "العامل الرئيس وراء تراجع الناتج المحلي الإجمالي الياباني، لم يكن فقط تراجع الطلب الاستهلاكي من قبل المستهلكين، وإنما أيضا تراجع في المخزونات الخاصة بالشركات، ومن ثم فإنه في حالة عودة الطلب الاستهلاكي للارتفاع مجددا، فإن نمو طلب الشركات سيؤدي حتما إلى نمو سريع في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي".
ويرشح بعض الخبراء أن يساعد الانخفاض الراهن في أسعار النفط، في استعادة الاقتصاد الياباني حيويته المفقوده. اليابان تحتل المرتبة الرابعة عالميا في استيراد النفط، ويقدر حجم وارداتها البترولية خلال الفترة من أغسطس 2013 إلى أغسطس الماضي بنحو 160 مليار دولار، وهذه الفاتورة الضخمة تعد أحد أسباب تواصل العجز التجاري الياباني لمدة ثلاثة أعوام ونصف العام.
ولـ "الاقتصادية" يعلق الدكتور جورج بوير قائلا: "قيمة الين تراجعت بنحو 30 في المائة خلال العامين الماضيين، وهذا أدى إلى زيادة فاتورة واردات النفط والغاز بنحو 22 في المائة، ومن ثم فإنه يمكن القول بأن تأثير تراجع أسعار النفط في الاقتصاد الياباني لا يمكن أخذه في الاعتبار بمفرده، فلا بد من الأخذ في الحسبان أيضا قيمة الين في مواجهة العملات الدولية وتحديدا الدولار".
وتشير بعض الدراسات إلى أن انخفاض أسعار النفط عالميا بـ 20 في المائة سيعزز الدخل التجاري لليابان بنحو أربعة ترليونات ين، إضافة إلى زيادة في الأرباح الجارية للشركات بنحو 11 في المائة.