مبادرة شعبية في سويسرا لإلغاء نظام «الضريبة المقطوعة» للأثرياء الأجانب

مبادرة شعبية في سويسرا لإلغاء نظام
«الضريبة المقطوعة» للأثرياء الأجانب

لاعب التنس الفرنسي، جو ويلفريد تسونجا، وبطل سباق سيارات فورميولا، الألماني، مايكل شوماخر، والمغنية الأمريكية، تينا تيرنر، هذه الدجاجات، وآلاف مثلها، التي تبيض ذهباً في سويسرا، ستفقد مزايا ضريبية تتمتع بها، إذا ما وافق السويسريون على مبادرة شعبية تُلغي نظام "مبلغ الضريبة المقطوع" الممنوح للأثرياء من الأجانب المقيمين في البلاد.
ومن حيث المبدأ، فإن كل شخص يقيم في سويسرا مُلزم بدفع ضريبة على الدخل وعلى الثروة، لكن الأجانب الذين يقيمون في البلاد ولا يُمارسون نشاطاً مربحاً فلتوا من "جحيم الأرض"، وذلك بدفعهم ضريبة مقطوعة يتم حسابها، وفقاً لنفقاتهم وطريقتهم في العيش.
وكلما كانت حياتهم أكثر رفاهية، كلما كانت فاتورة الضريبة عالية، لكن في كل الأحوال لا يصل مبلغ فاتورة الأثرياء الأجانب إلى مبلغ الضريبة التي يدفعها المواطن السويسري، بحساب النسبة والتناسب بين الدخل والضريبة المدفوعة.
وأعلن سويسريون في العام الماضي، أنه لا يوجد سبب يقضي بفرض ضريبة على أجنبي غني يعيش في سويسرا بشكل مختلف عن الغني السويسري، وعلى هذا الأساس تقدموا بمبادرة أطلقوا عليها مسمى "أوقفوا المزايا الضريبية لأصحاب الملايين"، سيتم التصويت عليها في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.
وبموجب الدستور السويسري، يحق لأي مواطن التقدم بمبادرة شعبية يتم طرحها للتصويت العام لإقرار قانون جديد أو تعديل قانون قائم، بشرط أن يجمع 100 ألف توقيع تؤيِّد مبادرته، ولن تأخذ المبادرة قوة القانون إلا إذا نالت موافقة أكثر مِن نصف المصوتين في البلاد على أن يكونوا متوزعين على أكثر مِن نصف عدد المقاطعات السويسرية الـ 26.
وتحقق المجتمعات المحلية في المقاطعات السويسرية مزايا عديدة من الأثرياء الأجانب المستفيدين من هذا الاستثناء الضريبي، فيما تؤكد الإحصاءات الرسمية أن 5634 ثرياً أجنبياً يستفيد من الضريبة المقطوعة دفعوا في أواخر عام 2012 أكثر من 695 مليون فرنك (772 مليون دولار) إلى هيئة الضرائب، ذهب نصفها تقريباً، أو 325 مليون فرنك (361 مليون دولار) إلى ميزانيات المقاطعات، و192 مليون فرنك (213 مليون دولار) إلى هيئة الضريبة الاتحادية، في حين تلقت ميزانيات الأقضية والنواحي "الكوميونات" 178 مليون فرنك (197 مليون دولار).
ولا يدخل في هذا المبلغ الملايين من الفرنكات التي ينفقها هؤلاء الأثرياء خلال معيشتهم في البلاد (ارتياد المطاعم، والمسارح، وتشغيل الأيدي العاملة...).
وأخذت المقاطعات الناطقة بالفرنسية مقداراً وافياً من هذا المنّ والسلوى، إذ يعيش ثلاثة أرباع الأثرياء المستفيدين من حزمة الضريبة المقطوعة في مقاطعات فو، فاليه، جنيف، الناطقة بالفرنسية (1396، و1300، و710 على التوالي)، وتجينو الناطقة بالإيطالية (877)، والبقية في مقاطعتي جراوبوندن، وبيرن، الناطقتين بالألمانية (268 و211 على التوالي).
ودفع الذين يقيمون في المقاطعتين الواقعتين على بحيرة جنيف نحو 208 ملايين فرنك (231 مليون دولار) لمقاطعة، فو، و156 مليون فرنك (173 مليون دولار) لمقاطعة جنيف، في عام 2012.
وتقول أحزاب اليسار، التي تقف وراء المبادرة، أن نظام الضريبة المقطوعة ينتهك الركن الأساس في قانون الضرائب وهو "العدالة والمساواة في فرض الضرائب" بين الناس، وأنه لا يوجد نص في الدستور يتحدث عن ضريبة مقطوعة، بل إخضاع جميع المواطنين للضريبة، وفقا لمدخولاتها الاقتصادية، ولا يوجد نص يفضِّل الثري الأجنبي على حساب السويسري في دفع الضرائب، والدستور لا يشجع المقاطعات على كسب الأموال بطريقة غير صحية.
ويرد المعارضون أنه لا يوجد هناك عدم مساواة، ولا تفاوت في دفع الضرائب، فالأجانب المقيمون في سويسرا يحققون دخلهم في الخارج، وهم خاضعون للضريبة في بلدهم الأصلي، وأن مبلغ الضريبة المقطوع منصوص عليه في القانون السويسري منذ عام 1935، وهو يهدف في الأساس إلى تجنب الازدواج الضريبي، وأن بلداناً مثل النمسا وبريطانيا، والبرتغال ومالطا، تُطبِّق أنظمة مماثلة للنظام السويسري.
ويقول أنصار المبادرة أيضاً أنه لا توجد هناك تقريبا آلية فعالة لمعرفة عدم ممارسة المستفيدين من نظام المبلغ المقطوع للضريبة نشاطاً مربحاً في سويسرا، فمجرد إدارة أموالهم واستثماراتهم بوسائل الاتصال الحديثة يعتبر نشاطاً مربحاً.
ويعتقد هؤلاء أن عدداً كبيراً منهم لا يقيم فعلا في سويسرا، كحالة المغني الفرنسي، جوني هاليداي، محذرين من أن حصول الأجانب على تصاريح إقامة في سويسرا دون أن يقيموا فيها إنما هو شكل من أشكال التهرب الضريبي.
وتقول الحكومة إن الضريبة المقطوعة تسمح لبعض المقاطعات لأن تكون قادرة على المنافسة على الصعيد الدولي في جذب الأثرياء، وقبولها يحد من الاستقلال المالي الكانتونات، ويخفض الإيرادات الضريبية للدولة، وأن سويسرا تعمل مثل الآخرين، إذ إن العديد من الدول تضع لوائح خاصة لجذب الأغنياء، وبعضها تحاول تشجيع دافعي الضرائب للإقامة على أراضيها.
وتسمح الضرائب المقطوعة للبلاد بتعزيز موقفها في المنافسة الضريبية الدولية، وتعتبر الحكومة هذا النموذج من الضرائب يمثل أداة سياسة ذات أهمية كبيرة للاقتصاد، وأنه يجب الإبقاء عليه.
وتشير الحكومة إلى أن قبول المبادرة يمكن أن يؤدي إلى هروب ما يصل إلى 80 في المائة من دافعي الضرائب من الأجانب، وأن ما يقرب من نصف الأجانب الذين يتمتعون بنظام الضريبة المقطوعة تركوا زيوريخ عندما ألغت حكومة المقاطعة هذا النظام.
وفيما يتعلق بعدم المساواة في المعاملة، تقول الحكومة إنها سنت قانوناً لتشديد شروط منح الإعفاءات الضريبية سيتم تطبيقه بدءا من كانون الثاني (يناير) عام 2016، وكذلك زيادة الضرائب على لأغنياء الأجانب بتقليص علو عتبة الدخل الخاضع للضريبة الاتحادية إلى 400 ألف فرنك (445 ألف دولار)، ومن شأن هذا أن يقلل من فارق الإجحاف الضريبي.
وتشير كل استطلاعات الرأي العام إلى أن أغلبية السويسريين سيرفضون نحر الدجاجة التي تبيض ذهباً، خاصة أن حكومتهم قد أوصت بذلك، كما صوت البرلمان، بغرفتيه النواب والشيوخ، ضدها في أيلول (سبتمبر) الماضي بأغلبية 119 صوتا ضد 59، لكن هذا الرفض لم يمنع طرحها للتصويت الشعبي.

الأكثر قراءة