اتجاه أسعار النفط للصعود مرهون باستفادة الاقتصادات الصناعية من هبوطها
استقر خام برنت فوق 51 دولارا للبرميل أمس بدعم من انخفاض مفاجئ في المخزونات الأمريكية، فيما يقول محللون اقتصاديون إن عودة الأسعار للصعود مرهون باستفادة الاقتصادات الصناعية الكبرى خاصة في آسيا من انخفاض أسعار الطاقة.
وواصلت سلة خام "أوبك" تراجعها أمس الأول لتسجل 44.85 دولار للبرميل مقابل 46.62 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول إن سعر سلة "أوبك" التي تضم 12 خاما للدول الأعضاء تعاني منذ بداية العام الجديد من انخفاضات حادة يومية تقارب دولارين.
وكانت السلة بلغت في آخر أيام عام 2014 قيمة 52 دولارا للبرميل لتصل خسائرها في الأسبوع الأول للعام الجديد قرابة ثمانية دولارات في سعر البرميل.
واستقر خام برنت فوق 51 دولارا للبرميل أمس بدعم من انخفاض مفاجئ في المخزونات الأمريكية وسط سجال بين المراهنين على الصعود والهبوط بحثا عن الحد الأدنى للسعر في ثاني أكبر موجة خسائر على الإطلاق.
وأنهى النفط خسائر استمرت لأربع جلسات أمس الأول بعد أن تراجعت مخزونات الخام الأمريكية على غير المتوقع الأسبوع الماضي، حيث أظهرت البيانات أن الاقتصاد الأمريكي ما زال متينا في خضم تباطؤ النمو العالمي.
ونزل برنت ثلاثة سنتات إلى 51.12 دولار للبرميل. وكان قد انخفض إلى 49.66 دولار أمس الأول في أدنى مستوى منذ 29 نيسان (أبريل) 2009.
وسجل الخام الأمريكي 48.78 دولار بزيادة 13 سنتا.
ونقلت وكالة رويترز عن دانييل أنج المحلل لدى فيليبس فيوتشرز في مذكرة يومية "نعتقد أن السوق تتحسس قاع أسعار النفط الخام ويبدو حاليا أن 50 دولارا هو ذلك الحد بالنسبة لبرنت".
وبحسب بورصة نيويورك التجارية، تمت تجارة العقود الآجلة للنفط الخام في شباط (فبراير) على 49.19 دولار للبرميل وارتفع بنسبة 1.11 في المائة.
و تمت المتاجرة مسبقا على جلسة ارتفاع 49.64 دولار للبرميل، علما بأن النفط الخام قد يجد الدعم عند 49.83 دولار والمقاومة عند 52.73 دولار.
وفي الوقت نفسه على بورصة نايمكس، ارتفع سعر نفط برنت لشهر شباط (فبراير) بنسبة 0.78 في المائة لتتم المتاجرة به على 51.49 دولار للبرميل بينما فرق النقاط بين عقود برنت والخام الأمريكي يقف عند 2.3 دولار للبرميل.
وارتفع الخام الأمريكي في السوق الآسيوية أمس مواصلا الارتداد لليوم الثاني على التوالي من أدنى مستوياته في خمس سنوات ونصف. وتم تداول خام برنت حول 51.25 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 51.05 دولار وسجل أعلى مستوى 51.76 دولار وأدنى مستوى 50.86 دولار.
وأنهى النفط الخام "خام تكساس" تعاملات أمس الأول مرتفعا بنسبة 1.5 في المائة بعد تقرير وكالة الطاقة الأمريكية بالتزامن مع بيانات قوية زادت علامات نمو أكبر اقتصاد مستهلك للنفط في العالم.
وسجل الخام في وقت سابق من التعاملات أدنى مستوى في خمس سنوات ونصف 46.82 دولار للبرميل وصعدت عقود برنت بنسبة 0.1 في المائة مرتدا من مستوى 49.67 دولار للبرميل الأدنى منذ أيار (مايو) 2009.
المحلل الروسي فالنتين بومينوف قال لـ "الاقتصادية" إن تطور برامج تحسين كفاءة استخدام الطاقة قلل كثيرا من الطلب على النفط بعدما تم التوسع في الاستعانة بها، سواء في الاقتصادات المتقدمة أو الناشئة.
وأضاف "ساهمت البرامج بدور ليس هينا في تقليل الطلب، مقارنة بتخمة العرض التي تسببت فيها عوامل كثيرة على رأسها طفرة إنتاج النفط الصخري".
وذكر أن "أسعار النفط ستواصل هبوطها مع ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب وقوة الدولار، ولن تتجه الأسواق للصعود إلا عندما تستفيد الاقتصادات الصناعية الكبرى خاصة في آسيا من انخفاض أسعار الطاقة".
وتابع بومينوف "السوق لن يسير على وتيرة واحدة خاصة موجة الانخفاض الحالية لأن منتجي النفط الصخري الأمريكيين سيبدأون في الشعور بوطأة الأزمة الاقتصادية بعد ستة أشهر من بداية هذا العام".
وقال "سيواجهون مشكلة كبيرة وهي ارتفاع تكلفة الإنتاج في مقابل التراجع الحاد لأسعار البيع لأدنى من مستوى التكلفة، ما سيجعل الكثيرين منهم يدركون انه لا جدوى اقتصادية من الاستمرار".
وقد يفرض مزيدا من الضغوط على الأسعار ما تذكره تقارير اقتصادية من وجود احتمال بزيادات أخرى في المعروض من أعضاء في "أوبك" مثل ليبيا ونيجيريا وفنزويلا.
وقال المحلل الروسي "يجب إدراك أن استمرار حالة الركود الاقتصادي في العديد من اقتصادات الدول الكبرى المستهلكة يمثل عقبة أمام انتعاش أسعار النفط الخام". وتواجه اليابان ركودا بينما يتباطأ الطلب في الصين التي قادت انتعاش السلع الأولية أخيرا.
من جهته، يقول رجل الأعمال الدكتور إبراهيم عزت لـ "الاقتصادية" إن تحسنا نسبيا حدث في أسعار النفط أمس بسبب أنباء عن تحسن في الطلب الآسيوى وتراجع في المخزون الأمريكي، لكن الأمر لا يعني الوصول إلى القاع السعري.
وأضاف "ربما تستمر موجة الانخفاضات إلى مستويات قياسية خلال الشهور المقبلة وعلى كل من المنتجين والمستهلكين حسن التعامل مع ظروف سوق النفط في المرحلة الراهنة".
وقال "في هذا الإطار صدر تقرير حديث للبنك الدولي يطالب فيه الاقتصادات الناشئة بمراجعة سياسات دعم الطاقة ويدعو الدول المستهلكة إلى تحفيز الطلب وتسريع برامج النمو للاستفادة من الأسعار المتراجعة".
وأضاف عزت "أن الانخفاضات الحادة في أسعار النفط لا بد أن تترجم بشكل عاجل في تنمية صناعية ومعدلات نمو أفضل لكثير من الدول خلال العام الجاري".
وذكر البنك الدولي في توقعاته للاقتصاد الدولي خلال 2015 أن تراجع أسعار البترول قد يعزز الناتج العالمي بنحو 0.5 في المائة على المدى المتوسط، في حين سيخفض معدلات التضخم العالمية بنسبة تتراوح بين 0.4 و0.9 في المائة.
وتابع عزت "البنك الدولي أكد أن الدول الناشئة المستوردة للبترول حققت مكاسب ضخمة من انخفاض أسعار البترول، لأنها دول كثيفة الاستهلاك للطاقة أكثر من البلدان ذات الدخل المرتفع".
من جهة، قال خبير الطاقة النمسا كريستيان شونبور لـ "الاقتصادية" إن هناك حاجة عاجلة للتنسيق والتفاهم بين الدول المنتجة، سواء داخل "أوبك" أو خارجها، من أجل الوصول إلى استقرار السوق وحماية مصالح كل الأطراف.
وأضاف أن السعودية وإيران منتجان كبيران وعضوان مؤثران في "أوبك" ويمكن أن تسهم مباحثات مشتركة في تحسين ظروف السوق وتقليل حدة التراجعات السعرية.
كما شدد على ضرورة التنسيق مع روسيا والولايات المتحدة، لأنه بدون تحقيق تفاهمات بين كبار المنتجين سيزداد الصراع الحاد الحالي في السوق حول الحصص السوقية، وسينعكس ذلك على أسعار، كما قال.