الصندوق الصناعي.. ومستقبل الصناعة الوطنية

الصندوق الصناعي.. ومستقبل الصناعة الوطنية
الصندوق الصناعي.. ومستقبل الصناعة الوطنية
الصندوق الصناعي.. ومستقبل الصناعة الوطنية

شهد النشاط الصناعي في المملكة تطورا ملحوظا في العقدين الأخيرين، وأصبح من أهم القطاعات الإنتاجية مساهمة في رفع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي وتنويع مصادر الدخل وتحسين ميزان المدفوعات، إضافة إلى تغطيته جزءا رئيسا من الطلب المحلي وزيادة صادرات المملكة للأسواق الخارجية. فقد توسعت القاعدة الصناعية وتزايدت أعداد المصانع المنتجة بصورة كبيرة لتصل إلى (6793) مصنعا، بإجمالي تمويل يصل إلى أكثر من تريليون ريال، وتوفر نحو 916 ألف فرصة عمل، وذلك بنهاية الربع الثالث لعام 2014م. كما ارتفع إسهام النشاط الصناعي في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بشكل ملحوظ ليصل إلى نحو 13.5 في المائة خلال عام 2013م. وتضاعف حجم الصادرات الصناعية بصورة كبيرة لتصل إلى نحو 171 مليار ريال عام 2013م، وهو ما يعادل 12 في المائة تقريبا من إجمالي الصادرات السعودية. والأمر الأهم هو استدامة النمو في القطاع الصناعي من بين القطاعات الاقتصادية الأخرى، وهذه النتيجة تشير إلى نجاح توجه الدولة نحو ترسيخ دور القطاع الصناعي ليصبح من أهم ركائز الاقتصاد الوطني.
ويمكن استشراف آفاق الصناعة الوطنية في المملكة من خلال التعرف على التوجهات الصناعية التي تمثلها خطط واستراتيجيات الدولة، أبرزها الإستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد الوطني، وخطط التنمية الخمسية، والاستراتيجية الوطنية للصناعة. فقد حظي القطاع الصناعي باهتمام خاص في هذه الاستراتيجيات والخطط، بدليل أن الصناعة اعتبرت الخيار الأمثل لتنويع مصادر الدخل في المملكة، وهذا بحد ذاته مؤشر قوي على أن القطاع الصناعي سيشهد قفزات تنموية كبيرة مدعوما بإصرار وعزيمة الدولة لتعزيز دوره في دعم النمو والتنمية في المملكة. وتستهدف المملكة بحلول عام 2020م رفع مساهمة النشاط الصناعي في إجمالي الناتج المحلي ليصل إلى 20 في المائة، وزيادة المنتجات الصناعية ذات القاعدة التقنية في إجمالي الإنتاج الصناعي إلى 60 في المائة، وتعزيز حصة الصادرات الصناعية من إجمالي الإنتاج الصناعي إلى 35 في المائة.
وعلى صعيد النمط التنموي الصناعي، فهناك عدة توجهات من أهمها الاستمرار في توسيع القاعدة الصناعية في المملكة، وتشجيع الصادرات الصناعية، ودعم الصناعات المحتوية على مكون معرفي مرتفع وذلك لتسريع عملية الانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، وكذلك إنشاء التجمعات الصناعية والتوسع فيها، ودعم المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز التنمية الصناعية المتوازنة بين المناطق.
أما على صعيد الصناعات، فسيستمر التوسع في الصناعات القائمة على الميز النسبية للمملكة مثل الصناعات البتروكيماوية، وصناعات الطاقة، والصناعات المعدنية. وستستفيد المملكة من التوسع في هذه الصناعات بفضل تراكم الخبرات لديها ولوجود طلب متنام لمنتجاتها محليا وعالميا.

#2#

في المقابل، سيشهد القطاع الصناعي تطورا نوعياً وذلك من خلال التوسع في صناعات جديدة نوعا ما مثل صناعات أجهزة تحلية المياه ومعالجتها وما يرافقها من تجهيزات كهربائية وميكانيكية، وصناعات النانو، وصناعة السيارات، وصناعات الإلكترونيات، وصناعات التقنيات الحيوية، وأجهزة الطاقة الشمسية والمواد اللازمة لها، والأدوية والخدمات الطبية، وبناء السفن، والصناعات العسكرية. ويلاحظ أن هذه الصناعات تعتمد على الميز التنافسية للمملكة مقارنة بالصناعات القائمة على الميز النسبية، كما يلاحظ أنها تخدم أهداف النمط الصناعي المستهدف للمملكة في الأعوام القادمة، خاصة ما يتعلق برفع المحتوى التقني للمنتجات الصناعية.
وعلى الرغم من أن معظم المعطيات تؤكد أن فرص نجاح خطط التنمية الصناعية في المملكة واعدة جدا، إلا أن هناك بطبيعة الحال بعض التحديات التي تحيط بمسار التنمية الصناعية. فعلى سبيل المثال، هناك تحد يتعلق بالقدرة على رفع مستوى توظيف الكفاءات الوطنية في القطاع الصناعي، حيث يعد منخفضا مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى. كما يعاني القطاع الصناعي محدودية أنشطة البحث والتطوير وانخفاض مستوى القدرات التقنية، وبالذات لدى الصناعات الصغيرة والمتوسطة. إضافة إلى أن عدم توفر قاعدة بيانات مفصلة وحديثة للقطاع الصناعي على غرار المعمول به في الاقتصادات الصناعية والناشئة سيضيف تحديا آخر عند التعاطي مستقبلا مع التطورات الاقتصادية الداخلية والخارجية ذات الصلة بالنشاط الصناعي في المملكة. أخيرا، هناك ضرورة ملحة لتحسين الإنتاجية والكفاءة في الصناعة، خاصة ما يتعلق بكفاءة استخدام الطاقة والمياه.
وتأكيدا لاهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بدعم التنمية الاقتصادية وتلبية احتياجات المواطنين في جميع المجالات، فقد بدأت منذ وقت مبكر بإنشاء صناديق الإقراض المتخصصة ومن بينها صندوق التنمية الصناعية السعودي، الذي أنشئ في عام 1394هـ ليقوم بدور رئيس في تحقيق أهداف خطط التنمية الخمسية المتعاقبة في مجال التنمية الصناعية، وذلك من خلال دعم مشاريع القطاع الصناعي، وخلق الوعي الاستثماري الصناعي بالمملكة. وقد ارتفع رأسمال الصندوق من 500 مليون ريال عند إنشائه حتى بلغ الآن 40 مليار ريال.

#3#

ويتلخص الدور الذي يقوم به الصندوق في دعم القطاع الصناعي من خلال تقديم القروض الصناعية المتوسطة وطويلة الأجل للقطاع الخاص، إضافة إلى تقديم خدماته الاستشارية في المجالات الفنية والإدارية والمالية والتسويقية للمصانع المقترضة. ومن واقع خبرة الصندوق فقد ساعدت هذه الاستشارات على تهيئة سبل النجاح للمشاريع المستفيدة عن طريق تحسين أداء هذه المشاريع وزيادة ربحيتها والارتقاء بمستوى المنتجات الوطنية.
واهتماما من الدولة بتعزيز التنمية المتوازنة بين المناطق ، فقد قامت برفع جاهزية البنية التحتية بجميع أشكالها في المناطق والمدن ذات النشاط الاقتصادي الأقل والتخطيط لجعلها مناطق واعدة اقتصاديا، وذلك بتوفير عديد من الميز مثل الإعفاء الضريبي، وتوفير أراضٍ صناعية متكاملة الخدمات بأسعار مناسبة، وتقديم الإعفاءات الجمركية للمواد الخام والآلات، وبرامج دعم الصادرات، وبرامج دعم تدريب السعوديين وتوطين الوظائف.
ولا شك أن هناك آثارا إيجابية عديدة على الصعيد الاقتصادي فيما يخص تعزيز التنمية المتوازنة بين المناطق. فالموقع الجغرافي للمملكة بين عدة دول وكملتقى بين أكبر قارتين في العالم يمنح المملكة ميزات لا يمكن أن تستغل إلا بوجود مدن نشطة اقتصاديا على أطراف المملكة وقرب المنافذ البحرية والبرية، إضافة إلى أن المملكة تتمتع بمساحة جغرافية كبيرة ما يعني انتشار الموارد الطبيعية والبشرية في مناطق متعددة من المملكة لم تستغل اقتصاديا على النحو الأمثل. وسيسهم تعزيز التنمية في المناطق والمدن الواعدة في رفع تنافسيتها في جذب الاستثمارات واستغلال ميزاتها النسبية والتنافسية وإيجاد فرص عمل أكبر للمواطنين، إضافة إلى ما سينتج عن ذلك من تهدئة الهجرة المتنامية إلى المدن الرئيسة وتخفيف الضغط السكاني والخدمي فيها.
وقد نجحت الحوافز التي اعتمدها الصندوق في هذا المجال في رفع نصيب قروض الصندوق لمشاريع تقع في المناطق والمدن الواعدة خلال العام المالي 1434/1435هـ ليصل إلى 50 في المائة من إجمالي عدد القروض و66 في المائة من إجمالي قيمة قروض الصندوق المعتمدة خلال العام، علما بأن هذه النسبة كانت قبل تطبيق الحوافز الجديدة لا تتعدى 14 في المائة من حيث عدد القروض و15 في المائة من قيمتها.
واستشعارا من الصندوق للأهمية البالغة لدعم وتشجيع التنمية الصناعية في المناطق الواعدة، فقد بادر الصندوق بتنظيم الملتقى الأول من نوعه «ملتقى التنمية الصناعية في المناطق الواعدة» الذي سيعقد يومي 22-23 ربيع الأول 1436هـ الموافق 13-14 يناير 2015م برعاية وزير المالية الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز العساف ووزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة. وسيناقش الملتقى عديدا من القضايا أبرزها: سياسات وأهداف التنمية الصناعية بالمناطق الواعدة، متطلبات التنمية الصناعية في المناطق الواعدة، ودور القطاع الخاص في التنمية المناطقية. وكذلك سيسلط الملتقى الضوء على المزايا الاستثمارية الصناعية في المناطق الواعدة، إضافة إلى استعراض عدد من التجارب الدولية الرائدة في التنمية المناطقية.
وقد أدى الصندوق، بوصفه أحد مؤسسات التنمية الرئيسة بالمملكة، دورا كبيرا وفعالا في دعم وتطوير هذا القطاع الحيوي المهم، حيث بلغ إجمالي عدد القروض الصناعية التي اعتمدها الصندوق منذ إنشائه وحتى نهاية شهر صفر 1436هـ (3754) قرضا قدمت للمساهمة في إقامة (2707) مشاريع صناعية في مختلف أنحاء المملكة. وقد بلغت قيمة القروض التي تم اعتمادها لهذه المشاريع (117) مليار ريال، صرف منها (80) مليار ريال وسدد منها للصندوق (50) مليار ريال، ما يعد مؤشرا على نجاح هذه المشاريع، ويعكس مدى التجاوب الكبير الذي يبديه المستثمرون الصناعيون وتفهمهم للدور الذي يقوم به الصندوق في دفع عجلة التنمية الصناعية بالمملكة إلى الأمام.
واستشعارا من الصندوق بالدور المأمول منه في دعم المشاريع الصناعية الصغيرة ومواكبةً للاهتمام الحكومي المتنامي لرعايتها، فقد شرع الصندوق باتخاذ عدد من الإجراءات الكفيلة بزيادة فرص هذه المشاريع في الحصول على قروض صناعية وذلك بما يتوافق مع نظامه الأساسي، حيث تم إنشاء قسم مختص بتقديم طلبات قروض المشاريع الصناعية الصغيرة (15 مليون ريال فأقل) هدفه تسهيل المتطلبات اللازمة للتقييم وتسريع إجراءات دراسة الطلبات بمهنية تتناسب مع حاجة هذا القطاع مع المحافظة على الأسس الرئيسة اللازمة لاعتماد التمويل مثل الجدوى الاقتصادية للمشاريع وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الصندوق.
ويدير الصندوق حاليا برنامج كفالة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتمكينها من القيام بدورها الفاعل في الاقتصاد الوطني من خلال التكامل مع الأنشطة الاقتصادية الأخرى وإيجاد عديد من فرص العمل، وزيادة الطاقة الإنتاجية، وتعزيز وتنويع مصادر الدخل، إضافة إلى تحقيق التوازن التنموي بين المناطق. وقد اعتمد البرنامج منذ إنشائه وحتى نهاية شهر صفر 1436هـ (10821) كفالة بقيمة إجمالية قدرها خمسة مليارات ريال، مقابل اعتمادات تمويل قدمتها المصارف المشاركة في هذا البرنامج بمبلغ يربو على عشرة مليارات ريال لمصلحة (5540) منشأة صغيرة ومتوسطة في مختلف القطاعات وفي كل مناطق المملكة الإدارية.
ولا شك أن توافر الميز التي تقدمها الدولة ومنها: توافر البنية الأساسية والحصول على الأراضي في المدن الصناعية بتكلفة مناسبة، وإعفاء واردات المواد الخام والآلات والمعدات الصناعية من الرسوم الجمركية، ووجود عدة برامج لضمان التجارة الخارجية والاستثمار والتصدير، والموقع الجغرافي المتميز للمملكة، سيمكن الصناعة الوطنية من تحقيق مستويات نمو جيدة في المستقبل وإنجاز أهداف التنمية الصناعية بشكل عام. وفي هذا السياق، لن يدخر الصندوق أي جهد للاستمرار في تقديم دعمه الذي بدأه منذ ما يربو على أربعة عقود لتنمية الصناعة الوطنية وتشجيعها. 

* مدير عام صندوق التنمية الصناعية

الأكثر قراءة