رحيل عبد الله ومبايعة سلمان .. ثورة إبداع سعودية في التعبير والولاء
كثير هو الغياب الذي يأتي محملا بالخسائر دون أن يأبه لمروره أحد. ولكن غياب عبدالله بن عبدالعزيز ورحيله لم يكن كذلك. كان رحيلا فارقا في ذاكرة الوطن والعالم وسيظل كذلك بغياب ملك لطالما كان حضور الوطن في بسمة أطفاله، وهِمة شبابه، وعطاء نسائه، ووقار شيوخه، هو شغله الشاغل - رحمه الله -، فيما كان العزاء الأمثل بحضور ملك آخر هو سلمان بن عبدالعزيز.
###وداع ومبايعة
امتلأت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حزنا ووداعا بكل أساليب التعبير شعرا ورسما وفنا. ليتشارك الجميع الحزن وألم الفقد على مواقع التواصل الاجتماعي فتنوعت أساليب التعبير كتابة ورسما ما يعد سابقة ثقافية وفنية. ولم يقف التعبير عند سِن معينة أو شريحة دون غيرها. فبكى الراحل الأطفال ورثاه الشباب والشيوخ والنساء، الشعراء والمثقفون والبسطاء، في مقاطع مكتوبة ومصورة على الطرقات أو عن طريق "اليوتيوب" و"تويتر" وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، في ثورة ثقافية تعبيرية فريدة من نوعها تمزج أصالة العاطفة الصادقة التي لا عمر لها بحداثة أدوات التواصل وكيفياته.
هذه الثورة الجديدة في التعبير عن الحزن لم تقف عند الوداع، بل امتدت وفورا لـ "المبايعة" أي مبايعة الملك سلمان بن عبدالعزيز. ليأخذ تقليد المبايعة هو أيضا شكلا جديدا في طريقة التعبير وإن احتفظ بعمقه ومرجعيته اللذين لا تزال تحافظ عليهما المملكة، حيث بايع الآلاف من السعوديين، الشباب منهم خصوصا، الملك الجديد سلمان عبر تويتر مدخلين، بحسب وكالات أنباء عالمية تناقلت الخبر، تقاليد انتقال الحكم في المملكة إلى عصر الإعلام الحديث. فغرد عشرات الآلاف في المملكة مستخدمين الوسم (هاشتاق) "#أنا_أبايع_الملك_سلمان" مؤكدين ولاءهم للملك الجديد منذ اللحظات الأولى لوفاة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.
###أرقام قياسية
الملك المثقف كما يُعرف سلمان بن عبدالعزيز لديه حساب على تويتر، وغرد غداة تسلمه سدة الحكم نعيا لوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتعزية الشعب السعودي في وفاته، "رحم الله عبدالله بن عبدالعزيز وجزاه عن شعبه خير الجزاء وأحسن عزاء الشعب السعودي في فراقه". ثم تبعها بتغريدة يخاطب فيها الشعب السعودي ويسأل الله فيها التوفيق في مهمته الجديدة قائلا: "أسأل الله أن يوفقني لخدمة شعبنا العزيز وتحقيق آماله، وأن يحفظ لبلادنا وأمتنا الأمن والاستقرار، وأن يحميها من كل سوء ومكروه". وسجلت هذه التغريدة أرقاما قياسية حينها تعتبر الأكبر على مستوى الشرق الأوسط، محققة أكثر من 230 ألف إعادة تغريد، فيما سجلت في المفضلة للكثير من المتابعين أكثر من 64 ألفا. ويبلغ عدد التغريدات المنشورة على الحساب منذ إنشائه 284 تغريدة. حيث كانت آخر تغريدة حينما كان وليا للعهد خبر استقباله للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وكان الحساب الشخصي على "تويتر" لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، دُشن في كانون الثاني (يناير) من عام 2013، حينما كان وليا للعهد في خطوة عدّها رغبة في التواصل مع المواطنين.
#2#
وبالأرقام أيضا ووفقا للإحصائيات فإن ملايين التغريدات عبر موقع "تويتر"، عبّرت عن المشاعر تجاه الفقيد. فيما استبشرت ملايين التغريدات بقدوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكا للبلاد، ففي وسم "نبايع الملك سلمان" كتبت أكثر من 8831 تغريدة، وجرى تداول كلمة "سلمان بن عبدالعزيز" في 347695 تغريدة، أما "الملك سلمان" فوردت في 458245 تغريدة.
وفي ذات الدراسة الإحصائية، كان للأوامر الملكية الجديدة التي أقرها الملك سلمان نصيبها من المتابعة والتعليق لترد كلمة "الأمير مقرن" في 92346 تغريدة، و"الأمير محمد بن نايف" في أكثر من 96296 تغريدة، وكذلك "محمد بن سلمان" في أكثر من 122224 تغريدة، أما "أوامر ملكية" فقد كانت ضمن 10324 تغريدة. وعلى ذات الصعيد، أكد إحصاء أنه ورد في وسم "وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله" أكثر من 913034 تغريدة، أما في وسم "اللهم ارحم الملك عبدالله" ما يقارب 432940 تغريدة، كما نشر في وسم "وفاة الملك" 110738 تغريدة، ونشر في وسم "وداعا أبو متعب" قرابة 44580 تغريدة، كما نشر في وسم "اللهم ارحم الملك عبدالله" أكثر من 423940 تغريدة، أما في وسم "وفاة الملك" فنشرت 110645 تغريدة.
كما قالت آخر الإحصاءات، التي قامت بها "تاكت"، الشركة المتخصصة في مجال التسويق الإلكتروني والحلول الإبداعية للإعلام الاجتماعي وشبكاته، إنه جرى تداول كلمة "وفاة الملك" في أكثر من 228377 تغريدة، كما ذكر "عبدالله بن عبدالعزيز" في 1206193 تغريدة، أما "حبيب الشعب" فقد وردت فيما يقارب 767759 تغريدة، و"أبو متعب" في 256469 تغريدة، أما "الملك عبدالله" فكانت متضمنة في 1297139 تغريدة.
###في ذاكرة العالم
#3#
العالم الدولي أيضا ممثلا في كثير من الجهات الرسمية وغير الرسمية اختار طرقه للتعبير عن حزنه لهذا الفقد؛ فلم يغفل عن المساهمة الفعلية في تخليد ذكرى الراحل - رحمه الله -، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن إقامة مسابقة بحثية دورية ترعاها وزارة الدفاع الأمريكية في جامعة "الدفاع الوطني". وتحمل المسابقة اسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله.
ووفقا لقناة "دويتشه" الألمانية فقد قال بيان رسمي للوزارة نشر في صفحتها الرسمية إن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي سيرعى هذه المسابقة البحثية تكريما للملك عبدالله الذي أسهم في تطوير الجيش السعودي منذ كان رئيسا للحرس الوطني السعودي في عام 1963 وحتى أصبح ملكا في عام 2005. واعتبر ديمبسي المسابقة "فرصة مهمة لتكريم ذكرى الملك عبدالله وفي الوقت نفسه دعم للبحث العلمي والأكاديمي للعالم الإسلامي والعربي".
والمسابقة الجديدة ستبدأ في العام الأكاديمي القادم في جامعة "الدفاع الوطني" وتهدف إلى "التركيز على ما له علاقة بالمنطقة ومصممة لتشجيع التفكير الاستراتيجي والبحث الجاد في منطقة مهمة بالعالم"، حسب الجنرال ديمبسي.
وأشار البيان إلى أن الجنرال ديمبسي قابل الملك عبدالله أول مرة في سنة 2001، عندما كانت رتبة ديمبسي عميدا في الجيش الأمريكي وعمل كمستشار أمريكي للحرس الوطني السعودي. ووصف ديمبسي الملك الراحل بأنه "كان رجلا ذا شخصية وشجاعة بارزة".
أما رئيس جامعة "الدفاع الوطني"، العقيد فريدريك باديلا، فقد رحب من جانبه "بهذه الفرصة والتحدي للطلبة وفي الوقت نفسه تكريم ذكرى الملك الراحل" مؤكدا أن هذه المسابقة "تتيح فرصة مميزة للطلبة لتركيز بحثهم على مواضيع لها علاقة باهتمامات الولايات المتحدة الأمنية وبالعالم الإسلامي والعربي".
تبقى أساليب التعبير وأدواته منذ قديم الأزمان ليست إلا متغيرات تذهب وتتغير، فالجوائز والأرقام ومواقع التواصل الاجتماعي ليست إلا نتائج، بينما المحبة الخالصة والعطاء الصادق هو الأمر الثابت والمحرك الأصدق لجميع أنواع الفنون والتعبير والإبداع.