حركة تصحيحية تنتظر أسعار النفط مع خفض فائض المعروض
رغم انتعاش أسعار النفط خلال الأيام الماضية، إلا أن السوق ما زال تعاني فورة المعروض الذي بات في أعلى مستوياته.
ويراهن بعض المحللين النفطيين على تراجع أعداد أبراج الحفر، في الولايات المتحدة، ما يعني تراجع الإنتاج وعودة الاستقرار للسوق. إلا أن هذا التطور بحسب محللين ليس كافياً لإعادة الاستقرار للأسعار إذا لم يتم سحب الفائض من السوق، وضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع النفطي.
وتوقع مختصون أن تمر السوق بحركة تصحيحية بسبب بعض العوامل الداعمة للسوق، وأوضح لـ "الاقتصادية"، أحمد الصادي وهو أحد رجال الأعمال المقيمين في النمسا، أن السوق تشهد تقلبات سعرية قوية بسبب تعافيها من فترة انخفاض حادة وطويلة لذا عادت الأسعار للارتفاع بعد يومين من الانخفاضات.
وأشار الصادي إلى أن اتجاه الخام للارتفاع سيغلب على وضع السوق في الفترة القادمة لتصحيح الانخفاضات الحادة السابقة موضحا أن الأيام الماضية شهدت ظهور عدد من المؤشرات الإيجابية التي دفعت السوق إلى الارتفاع وأبرزها إعادة هيكلة صناعة النفط وتراجع أعداد الحفارات العاملة مما دفع الأسعار للصعود ولكن تبقى الإشكالية في استمرار حالة وفرة المعروض على حساب الطلب لافتاً إلى أن التراجع في حجم الإنتاج ما زال محدودا.
وقال الصادي إن التحسن الواسع والمنشود من قبل المنتجين للأسعار لم يبدأ بعد لأن هذا الأمر مرهون بتقليص واسع في المعروض وتقليل الفجوة بين العرض والطلب والتي تصل لنحو مليوني برميل يوميا.
وشدد الصادي على أهمية خفض بناء المخزون الذي بات يشكل أحد عوامل مسار السوق للوصول إلى مرحلة تصحيح الأسعار وضمان ارتفاع متنام بشكل مستمر، لافتاً إلى ضرورة تعاون المنتجين والمستهلكين على سحب الفائض من السوق وضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع النفطي.
ومن جانبه، يقول لـ "الاقتصادية"، كريستيان شنبور خبير الطاقة النمساوي، إن هناك تحركات واتصالات جيدة على مستوى المنتجين من أجل تنسيق المواقف للحفاظ على استقرار السوق وتنميتها مشيرا إلى أن علي النعيمي وزير البترول السعودي ناقش أخيرا التعاون بين المنتجين في أوبك وخارجها وأوضاع سوق النفط مع مسؤولين من روسيا والجزائر.
وشدد شنبور على أهمية زيادة التعاون الدولي خاصة بين المنتجين في مجالات الطاقة وفرص الاستثمارات المشتركة في مجالات النفط والغاز والتصنيع والخدمات المرافقة موضحا أن العديد من المبادرات الجيدة تمت في هذا الشأن سواء التي قادتها فنزويلا أو على مستوى مجلس التعاون الخليجي.
وذكر شنبور أن منظمة أوبك بقيادة السعودية تركز خلال الفترة الحالية على زيادة التعاون بين الدول المنتجة للبترول في المنظمة وخارجها من أجل استقرار السوق وتحسنها النسبي من حيث زيادة الطلب واستقرار الأسعار في الفترة الحالية باعتبار أن هذا الأمر مهم لتنمية السوق والاقتصاد العالمي وليس لصالح المنتجين فقط.
وأشار شنبور إلى أن الاستثمارات النفطية تواجه صعوبات كبيرة حاليا بسبب تدني الأسعار لفترة طويلة ثم تحسنها ببطء وبتقلب، وهو سمة الفترة الحالية لافتاً إلى أن أحدث التقارير الاقتصادية تشير إلى اعتزام شركة توتال النفطية الفرنسية العملاقة بإلغاء 6.5 مليار دولار في الربع الرابع من أصول الرمال النفطية في كندا والغاز الصخري في الولايات المتحدة وأنشطة تكرير أوروبية بعدما أدى انهيار أسعار النفط إلى خفض صافي الأرباح المعدلة بنسبة 10 في المائة.
وأضاف أن العملاق الروسي "روس نفط " يواجه صعوبات أكبر هو الآخر نظرا للخسائر الحادة التي تعرض لها الاقتصاد الروسي بسبب اعتماده على تصدير النفط بشكل كبير وأساسي، إلا أن العملاق الروسي يحاول أن يطور من استثماراته لتفادي الأزمة وما زالت "روس نفط " قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية أمام الأسواق في الوقت المحدد، على الرغم من العقوبات الغربية التي قيدت وصولها إلى أسواق المال الأجنبية، وانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية في النصف الثاني من العام الماضي وبداية العام الحالي إلى مستويات قياسية منخفضة.
ومن جهتها، تؤكد لـ "الاقتصادية"، ين بيتش المحللة الفيتنامية، أن تراجع إنتاج الصخري في الولايات المتحدة وتقليص الكثير من الشركات لبرامجها وتوسعاتها الاستثمارية مفيد للسوق ولكن التأثير ما زال محدودا وهو ما أكد عليه أحدث تقرير لبنك جولدمان ساكس الذي أوضح أن المستجدات الحالية في سوق النفط غير كافية لسحب المخزون وتعافي الأسعار وإعادة التوازن للسوق.
وأشارت إلى أن دخول السوق في مرحلة التقلبات السعرية يؤكد أن الانخفاضات وصلت إلى أقصى مستوى ممكن وأن القاع السعري قد تحقق وأن السوق الآن دخلت في مرحلة التصحيح والتعافي وتعويض الخسائر الحادة السابقة.
وشددت المحللة الفيتنامية، على أهمية تهيئة المناخ أمام السوق للتعافي بتحفيز الطلب وتحجيم فائض الإنتاج والمعروض وتخفيف حدة الصراع على الحصص السوقية وتقليل تنافس المنتجين الشديد خاصة في الأسواق الآسيوية. على صعيد الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أكثر من دولار إلى 56 دولارا للبرميل اليوم الخميس أمس بعد تراجعها على مدى يومين مدعومة بهبوط الدولار وخفض إنفاق القطاع بما طغى على المخاوف من تخمة المعروض. وأشار محللون لدى سوكدن فاينانشيال في مذكرة للعملاء إلى أن تراجع الدولار يعزز الشراء، ويؤدي نزول العملة الأمريكية إلى انخفاض تكلفة السلع المقومة بالدولار مثل النفط بالنسبة لحائزي العملات الأخرى.
وارتفع سعر برنت 1.34 دولار في العقود الآجلة تسليم آذار (مارس) إلى 56 دولارا للبرميل بعد تراجعه 3 في المائة في الجلسة السابقة التي شهدت نزول الأسعار عن 54 دولارا.
وصعد سعر الخام الأمريكي في عقود آذار (مارس) 1.34 دولار إلى 50.18 دولار للبرميل بعد تراجعه أكثر من 2 في المائة في الجلسة السابقة.
وبلغت التقلبات في سوق النفط أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية وتأرجحت الأسعار تأرجحا واسعا هذا الشهر عقب هبوطها نحو 60 في المائة منذ الصيف الماضي.
وتزامن ارتفاع سعر مزيج برنت مع بيانات أظهرت مستوى قياسيا لمخزونات الخام الأمريكية للأسبوع الخامس على التوالي ما جدد المخاوف من أن المعروض ما زال أعلى من الطلب بكثير. وكانت بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قد أظهرت أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة ارتفعت إلى مستوى قياسي جديد في الأسبوع الماضي كما زادت مخزونات البنزين في حين تراجعت مخزونات المقطرات.
وأشارت البيانات إلى أن مخزونات الخام الأمريكية زادت 4.9 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في السادس من الشهر الجاري مقارنة بتوقعات المحللين لزيادة قدرها 3.7 مليون برميل. وقالت الإدارة إن مخزونات الخام في مستودع تسليم عقود نايمكس في كوشينج في ولاية أوكلاهوما ارتفعت 1.214 مليون برميل، مضيفة أن كميات النفط التي قامت المصافي بتكريرها زادت 20 ألف برميل يوميا وأن معدلات تشغيل المصافي ارتفعت 0.1 نقطة مئوية لتصل إلى 90 في المائة وهو أعلى مستوى في مثل هذا الأسبوع منذ 2005. وأضاف التقرير أن مخزونات البنزين زادت مليوني برميل لتصل إلى 242.6 مليون برميل وهو أعلى مستوى منذ 1990 ومقارنة بتوقعات محللين بزيادة قدرها 200 ألف برميل.
وتوقع دانييل آنج من فيليبس فيوتشرز في سنغافورة في مذكرة بعض التعافي نظرا لأن الأسعار كانت تتراجع مضيفا أن الأنباء عن إعادة هيكلة في الصناعة وتراجع أعداد الحفارات العاملة تدفع الأسعار للصعود بشكل مؤقت لكن إنتاج الخام لم يتراجع فعليا بعد.
وارتفعت أسعار برنت 30 في المائة مقارنة بمستوى منتصف الشهر الماضي البالغ 45.19 دولار للبرميل لكن الخام القياسي يتراجع هذا الأسبوع مع تنامي الدلائل على استمرار تخمة المعروض، وقال محللو نومورا في مذكرة بتاريخ 11 شباط (فبراير) إنه من الصعب أن نعلن باقتناع أن النفط يعاود الاتجاه الصعودي.