تذبذب الأسواق والاضطرابات يربكان الاستثمارات النفطية
أكد مختصون نفطيون لـ"الاقتصادية"، أن المرحلة الحالية في سوق النفط التي تتسم بالتذبذب والتقلبات السعرية تؤثر سلبا في الاستثمارات النفطية وربما يكون أشد أثرا من المرحلة السابقة، التي اتسمت بالانخفاضات الحادة بسبب تجميد الاستثمارات انتظارا لاستقرار السوق.
وقال لـ"الاقتصادية"، الدكتور يوناثان سترن الباحث بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إن الصراعات السياسية في العالم أثرت بشكل كبير في الاستثمارات في مجال الطاقة التي لم تعد تعتمد على الأسعار والعوامل الاقتصادية فقط بل أصبحت تتأثر على نحو كبير بالظروف السياسية الدولية.
وأضاف سترن أن بعض الدول المنتجة للنفط تواجه أزمات اقتصادية طاحنة مثل إيران التي أعلنت أن موازنة الدولة تواجه أزمة كبيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط، مشيرا إلى أن موازنة العام الإيراني المقبل الذي يبدأ في 21 آذار (مارس) أقرت بناء على احتساب سعر برميل النفط بـ 74 دولارا، في حين أن سعر البرميل أقل من ذلك بكثير .
وأوضح سترن أن شركات نفط الدولية تواجه تحديات كبيرة أيضا وهو ما يمكن إدراكه عندما نطلع على مؤشرات شركة مثل توتال الفرنسية العملاقة حيث تراجعت أرباح الشركة بنسبة 10 في المائة لتصل إلى 12.8 في المائة مليار دولار أي نحو 11.3 مليار يورو، وهذا الأمر قد تكرر تقريبا ولكن بصورة أقل في الشركة الأنجلو – هولندية "شل" والأمريكية "شيفرون" كما انخفضت قيمة المبيعات توتال بنسبة 6 في المائة فبلغت 126.12 مليار دولار.
وذكر سترن أنه في مواجهة انخفاض أسعار البترول اضطرت الشركات إلى تجميد النشاطات في مختلف القطاعات مثل التكرير البتروكيميائي والتسويق في مناطق أوروبا، وتخفيض عدد العاملين وتخفيض طاقة التكرير.
من جهتها، قالت لـ "الاقتصادية"، أمريتا إنج المحللة الاقتصادية السنغافورية، إن الانخفاضات المستمرة في أعداد الحفارات النفطية في الولايات المتحدة هي مؤشر واضح على الضغوط التي وضعها الهبوط الحاد في الأسعار على منتجي الخام.
وأشارت إنج إلى أن السوق شهد خلال الأسابيع الماضية انتعاشات سعرية ملموسة بسبب تقلص الحفارات إلا أن هناك عوامل أخرى تحاول جذب السوق إلى الانخفاض من جديد ولعل أبرزها في الأيام الماضية وصول المخزونات إلى مستويات قياسية حيث نجد مخزونات النفط الأمريكية تقفز إلى 14.3 مليون برميل الأسبوع الماضي ما دفع نحو هبوط أسعار النفط بنهاية الأسبوع .
وأضافت أن الدول التي تعتمد على تصدير النفط الخام بنسب تصل إلى 80 و90 في المائة من ناتجها القومي أصبحت مضطرة بشكل عاجل لإيجاد بدائل من اجل مواجهة تداعيات الأزمة بالاعتماد سريعا على مصادر متنوعة للدخل من أجل إنقاذ اقتصادها والحفاظ على مستوى معيشة مواطنيها.
وأوضح لـ"الاقتصادية"، إيجور ياكوفلف المحلل الروسي أن تكلفة إنتاج النفط ستكون هي العنصر الرئيسي في قدرة المنتج على الاستمرار في الإنتاج خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن النفط عال التكلفة، خاصة النفط الصخري من الصعب أن يستمر في ضوء الظروف الاقتصادية الراهنة وحالة التراجع التي لم يتعاف منها السوق بعد.
وأضاف ياكوفلف أننا لمسنا ذلك بوضوح في تراجع أعداد الحفارات والمرشحة لمزيد من التراجع في الفترة المقبلة بسبب عدم جدوى التشغيل نتيجة انخفاض الأسعار وارتفاع التكلفة.
وأشار ياكوفلف إلى أن الأعباء الاقتصادية تتفاقم على كل المنتجين وأولهم المنتج الأمريكي الذي تسبب في هذه الحالة حيث تشير التقارير الاقتصادية إلى أن أحد الخاسرين الكبار هي شركات النفط الأمريكية العاملة في ولايات مثل تكساس وداكوتا الشمالية حيث تكلفة استخراج النفط فيها مرتفعة مقارنة بالنفط التقليدي المستخرج من دول الخليج.
وأوضح المحلل الروسي أن التنافس المقبل بقوة هو تخفيض تكاليف الإنتاج حيث نجد الشركات الأمريكية تسابق الزمن للتوصل إلى تكنولوجيات رخيصة لإنتاج النفط الصخري لإنقاذ هذه الصناعة التي خطط لها أن تستمر لسنوات طويلة وحصلت على تمويلات كبيرة من الجهاز المصرفي.
وذكر ياكوفلف أن المنتجين قليلي التكلفة سيظلون يتمتعون بالصمود في السوق والقدرة على الاستمرار في الإنتاج لافتاً إلى أن سعر استخراج وضخ النفط يختلف من بئر إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، والبعض قادر على استخراج البرميل بـ 30 دولارا، وآخرين بحاجة إلى 70 أو 80 دولاراً لاستخراج البرميل موضحا أن الأغلى تكلفة هي رمال القطران في كندا وبترول المياه العميقة البرازيلية.
واعتبر ياكوفلف أن قضية إنتاج الطاقة، خاصة النفط ذات أبعاد كثيرة ومتداخلة ولها تأثيرات واسعة على العديد من القضايا ومنها قضية حماية البيئة، حيث إن انخفاض سعر البنزين أدى إلى شراء المستهلكين لسيارات كبيرة ذات استهلاك أعلى للوقود، وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع مبيعات سيارات الدفع الرباعي بنسبة 16 في المائة مقارنة بالعام الماضي، كما أن انخفاض سعر البترول أيضا يقلص الجدوى الاقتصادية في استغلال الطاقات البديلة.
إلى ذلك، أكدت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أن مستقبل الطاقة في العالم مرهون بتعافي الاقتصاد الدولي وتحسن مؤشرات النمو كما أن العكس الصحيح، فالأزمات الاقتصادية الدولية وتباطؤ معدلات النمو ينعكس سلبا على سوق الطاقة.
وأشارت لـ"الاقتصادية"، مصادر في المنظمة الدولية إلى أن سوق النفط يجب أن يتمتع دائما بأقصى درجات المرونة لمواجهة المتغيرات السياسية والاقتصادية الدولية وحسن إدارة الأزمات بما يكفل الحفاظ على استقرار السوق وهو ما يعد من الأهداف الرئيسة لمنظمة أوبك.
وأوضحت المصادر أن وضع الاقتصاد العالمي يتسم حاليا بالتذبذب وضبابية المشهد خاصة في ضوء تصاعد التوترات السياسية في الشرق الأوسط وأزمة أوكرانيا، ما أضاف مزيدا من التحديات للاقتصاد الدولي وأدى إلى تباطؤ في النمو في عدد من الاقتصاديات الناشئة.