مخاوف أوروبية من تأثير سياسات «التقشف الانتحاري»

مخاوف أوروبية من تأثير سياسات
«التقشف الانتحاري»

سعت أحزاب تقليدية أوروبية أمس إلى استعادة المبادرة إزاء تنامي اليسار الراديكالي الرافض لسياسات التقشف الأوروبية.
ونددت تلك الأحزاب بسياسة "التقشف الانتحاري" لكنها دافعت في الوقت ذاته عن احترام الالتزامات المالية بما في ذلك من قبل اليونان.
ووفقاً لـ "الفرنسية"، فقد أقر القادة الأوروبيون المجتمعون في مدريد بأن سياسة التقشف لم تنجح في قرارات حول سياسات النمو وسوق العمل حتى وإن دافعوا عن مبدأ المسؤولية.
وتعهد المشاركون في الاجتماع والمقدر عددهم بنحو 40 بينهم مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي، ونظيره السويدي ستيفان لوفن، ومارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي، وفرانز تيمرمانز نائب رئيس المفوضية الأوروبية، بالعمل على تعزيز القدرة التنافسية في أوروبا عبر برنامج طموح للاستثمار والدفاع عن العمالة الموصوفة ومكافحة عمل الصغار لكن ليس بدون مرونة، وأكدوا تأييدهم فرض ضريبة على المعاملات المالية.
وافتتح فيليبي جونزاليس رئيس الحكومة الإسبانية السابق الاشتراكي الاجتماع داعيا إلى وقف سياسة "التقشف الانتحاري"، وقال بأسف إن الاتحاد الأوروبي يبدو أنه أقل اتحادا في كل مرة وأكثر إصابة بمرض النزعة القومية.
وقال مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي للصحافيين على هامش اللقاء إنه يجب إدارة مالياتنا العامة بجدية، ولن نسمح بأن يكون لدينا عجز عام، يجب تخفيضه لأننا مسؤولون أمام الأجيال القادمة، مضيفاً أن التقشف للتقشف وفرض سياسات عقابية على الشعوب يقود إلى تصاعد النزعات الشعبوية، خاصة إضعاف إمكانات استعادة النمو والقدرة التنافسية لبلداننا.
لكن مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي أوضح من جهته أنه لا يمكن تخفيض الدين العام بدون نمو وعمل، وشاطر هذا الموقف معظم المشاركين الذين جاءوا للاتفاق على استراتيجية اقتصادية فيما يواجه اليسار التقليدي الأوروبي تنامي اليمين المتطرف وخيارات اليسار المناهض لليبرالية مثل حزب سيريزا في اليونان وحزب بوديموس في إسبانيا.
وما يميز الاشتراكيين في هذين الحزبين هو "المسؤولية" كما قالت آراتخي جارسيا رئيسة الوفد الاشتراكي الإسباني في البرلمان الأوروبي، مؤكدة أن هناك أهدافا يجب التمسك بها، وللتمكن من الاستثمار يجب التمكن من مواجهة تسديد الديون.
وهكذا كانت اليونان حاضرة بقوة في النقاشات، ورحب مانويل فالس على غرار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بـ"التسوية الجيدة" التي تم التوصل إليها بين أثينا ومجموعة اليورو، مؤكداً أنهم سيعطون اليونان بعض الوقت لتنفيذ التزاماتها، مشددا في الوقت ذاته على وجوب احترام هذه الالتزامات.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، حافظت منطقة اليورو، دون موافقة شعبية واضحة، على تركيزها الصارم على سياسة التقشف المالي والإصلاح رغم التداعيات الاجتماعية الخطيرة ليس فقط على أطراف المنطقة في البلدان الواقعة على البحر الأبيض المتوسط وفي أيرلندا، بل وحتى في دولة من دول القلب في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا.
والمعاناة الناجمة عن التقشف شديدة بشكل خاص في اليونان، ذلك أن خفض معاشات التقاعد بشكل حاد يمنع المسنين من الحياة بشكل كريم، وهناك عبء ضخم مفروض على أولئك الذين يسددون الضرائب المستحقة عليهم بالفعل، في حين يستمر كثيرون وهم عادة الأكثر ثراء الذي أرسلوا أموالهم إلى الخارج قبل فترة طويلة في التهرب من التزاماتهم، كما تراجعت الرعاية الصحية، مع فقدان العديد من مرضى السرطان القدرة على الوصول إلى العلاج، وأصبحت معدلات الانتحار في ارتفاع.
من جهته، أشار مارتن شولتز إلى أن ممثلي اليونان المنتمين إلى حزب سيريزا وافقوا على التفاوض باسم الحكومة وليس كقادة أحزاب، لأنه لا يمكن إطلاق وعود للناخبين تحت شعار" صوتوا لي وغدا كل شيء سيتغير"، لافتاً إلى أن حزب بوديموس الإسباني المعارض للسياسة الليبرالية يحتل الطليعة في استطلاعات الرأي قبل أقل من سنة على موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة نحو نهاية العام، وقد رأينا كيف كان "حلم" حزب سيريزا الذي شكل الحكومة اليونانية الجديدة مع أنه لم يكن حلماً واقعياً.
من جهته، اعتبر يانيس بورنوس أحد قادة حزب سيريزا اليساري اليوناني أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين اليونان ومنطقة اليورو يؤشر إلى انتهاء التقشف في أوروبا، والموت المعلن للترويكا.
وأضاف بورنوس العضو في اللجنة التنفيذية في حزب سيريزا الحاكم في اليونان، أن الوزراء اليونانيين تحرروا من رجال تكنوقراط متعنتين اعتادوا في السنوات الأخيرة إعطاء الأوامر لحكومة منتخبة ديمقراطيا.
والـ "ترويكا" الذي حذفت في المفاوضات بين اليونان ودائنيها، تمثل أبرز الجهات الدائنة لأثينا وهي الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
ويجب أن تقدم الحكومة اليونانية لهذه الجهات الدائنة بحلول مساء اليوم لائحة محددة بالإصلاحات الهادفة إلى تأكيد الاتفاق الذي وقع عليه الجمعة الماضية.
وهذه المؤسسات نفسها تدخلت في البرتغال في 2011 أثناء تطبيق خطة إنقاذ دولية بقية 78 مليار يورو انتهت في أيار (مايو) الماضي.
وفي نهاية كانون الثاني (يناير)، دعا بدرو باسوس كويلو رئيس الوزراء البرتغالي أثينا إلى احترام القواعد الأوروبية، ورفض أي إعادة تفاوض حول ديونها، قبل أن يعيد النظر في موقفه أخيرا ويبدي بعض المرونة.
واعتبر بورنوس أن الحكومة الألمانية اليمينية وحلفاءها، باسوس كويلو ورئيس الوزراء الإسباني، رفعا في الأيام الأخيرة من حدة هجومهما على اليونان في محاولة لعرقلة أي مبادرة تساهل تجاه المطالب اليونانية.

الأكثر قراءة