أمريكا تحرم الصومال من تحويلات مالية للمغتربين بـ 1.1 مليار يورو سنويا
أدى تشديد القوانين المصرفية الأمريكية الهادفة إلى وقف تمويل الإرهاب إلى زيادة معاناة الصوماليين وبينهم الأطفال الأربعة لمحمد آدن المقيم في مقديشو الذين باتوا محرومين من المدرسة.
ويرسل المغتربون الصوماليون كل عام نحو 1.1 مليار يورو إلى بلادهم عبر نظام "الحوالة" التقليدي، أي أكثر مما يتلقاه البلد كمساعدة دولية سنوية.
وبحسب "الفرنسية"، فإن المال الذي يرسله شقيق محمد آدن من الولايات المتحدة حيث يدير متجرا صغيرا يسدد أقساط مدرستهم، لكن تم تعليق تحويلات المال من الولايات المتحدة التي يعتمد عليها العديد من الصوماليين لتأمين معيشتهم في بلد يسوده الخراب وغارق في حالة من الفوضى منذ أكثر من 20 عاما.
وتساءل آدن الذي خرج خاوي اليدين من مكتب لتحويل المال يعرف بـ"الحوالة" في الصومال، لماذا يمنع أحد شقيقي من مساعدة أسرتي؟، مضيفاً أنهم يستخدمون هذا المال لتأمين لقمة العيش وتوفير مستقبل لأولادهم، متسائلا "ماذا عسانا أن نفعل الآن؟".
ويسمح نظام الحوالة للمرسل بإيداع مبلغ من المال لدى مكتب شركة ما في مكان ما في العالم ليرسل في غضون ثوان إلى المرسل إليه على بعد آلاف الكيلومترات، في الصومال على سبيل المثال.
وهذا النظام الذي يعتمد إلى حد كبير على الثقة بين مختلف المتعاملين في الشبكة، يعود إلى القرون الوسطى ويستخدم في الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية ومنطقة القرن الإفريقي أو في جنوب آسيا، وهو بكلفة أقل وأسرع وأكثر فعالية من الخدمات التي توفرها المصارف كما يسمح خصوصا بالوصول إلى مناطق محرومة من النظام المصرفي المتعارف عليه.
صحيح أن نظام الحوالة الذي يترك القليل من الأثر المكتوب يستخدم لتمويل أنشطة إرهابية خصوصا اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) لكنه مستخدم أيضا من قبل ملايين الصوماليين الذين يعتمدون فقط على مساعدة أقاربهم الموجودين في بلاد الغربة.
وفي البلدان الغربية يتعين على الشركات التي تمارس تحويل الأموال أن تكون مستندة إلى مصرف تقليدي أي أن يكون لها حسابات في هذه المصارف، لكن في الصومال لا يوجد نظام مصرفي فعلي. وفي مطلع شباط (فبراير)، قرر كاليفورنيا مرشانتس بنك الذي يضم في الولايات المتحدة إغلاق حسابات أغلبية شركات التحويل المالي إلى الصومال، وأوضح المصرف الأمريكي لزبائنه أنه عاجز بسبب تعقيدات أنشطتهم عن الامتثال لمطالب الحكومة الأمريكية التي تطلب منه تحسين إجراءاته لرصد أي انتهاكات محتملة للقانون.
واعتبر ديجان علي مدير منظمة أديسو غير الحكومية أن القرار "الكارثي" للبنك سيحرم الصوماليين من 80 في المائة من الأموال المرسلة كل عام والمقدرة بـ 200 مليون دولار إلى أقاربهم من الولايات المتحدة.
وقدرت أديسو وأوكسفام في تقرير مشترك أن الصوماليين خسروا القناة الوحيدة الواضحة أو الشفافة لتلقي المال، فيما يعيش نحو 750 ألف صومالي في حالة انعدام أمن غذائي شديد، وهو عدد مرشح للارتفاع إن لم تستطع شركات التحويل إرسال الأموال.
وتبدي المصارف الأمريكية والبريطانية أو الأسترالية تحفظها إزاء إبقاء المتعاملين بنظام الحوالات بين زبائنها، تخوفا من الملاحقة القضائية بتهمة التواطؤ في تمويل الإرهاب أو تبييض الأموال.
وأعلن مصرف استرالي أنه سيغلق هذه الحسابات في آذار(مارس) المقبل، وكان مصرف باركليز البريطاني قد اتخذ العام الماضي قرارا مماثلا لكن لندن أقامت نظاما مؤقتا يسمح باستمرار التحويلات.
وتعتبر أديسو وأوكسفام أن تجميد التحويلات يأتي بنتائج عكسية من شأنها أن تشجع التحويلات السرية الخارجة عن أي رقابة، وهذا ما ستستفيد منه الشبكات الإجرامية وحركة الشباب الإسلامية الصومالية.
وحذرت المنظمتان غير الحكومتين من أن شبكات غير شفافة ستحل بالتأكيد مكان النظام الحالي الذي يعتبر فيه المتعاملون مسؤولين تجاه السلطات والمجموعات التي يخدمونها، مضيفين أن العائلات التي تعتمد على هذه التحويلات ستعاني في وقت تسعى فيه الشبكات الإجرامية إلى استغلال النظام وستجني منه الفائدة.
وأكد عمر عبدالرشيد رئيس الوزراء الصومالي أن حكومته تسعى إلى منع إغلاق خدمات التحويل من الولايات المتحدة الذي سيكون له وقع هائل على الاقتصاد المدمر أصلا في بلاده.
والصومال الغارقة في حالة من الفوضى أسيرة الميلشيات المسلحة لزعماء الحرب والعصابات الإجرامية والجماعات الإسلامية منذ سقوط الرئيس سياد بري في 1991، تسعى بصعوبة إلى النهوض وإعادة بناء مؤسساتها في ضوء التراجع العسكري لحركة الشباب التي طرد مقاتلوها منذ سنتين من كامل معاقلهم تقريبا بما في ذلك مقديشو.
لكن العنف مستمر والوضع الإنساني ما زال صعبا، وصفية حسن الأم لستة أطفال لا تستطيع سد رمق أسرتها سوى بفضل المال الذي يرسله لها شقيق زوجها اللاجئ إلى الولايات المتحدة منذ 1993.
وأضافت وصفية حسن أنهم كانوا يتلقون المال كل شهر من الولايات المتحدة ليدفعوا الأقساط المدرسية للأولاد وشراء ما يأكلونه، مؤكدة أنها وزوجها العاطلان عن العمل لم يتوجها رغم ذلك مطلقا إلى المنظمات غير الحكومية لطلب المساعدة، ولن نتلقى أي مال بعد الآن، قائلة "ليكن الله في عوننا".