يا بخت من نفّع واستنفع

طالب الكتاب والمختصون أن تصدر الأرقام التي نهتدي بها في تقويم العمل العام من جهات محايدة. شكونا كثيرا من عدم التوافق، والإفراط في التفاؤل، ونقل معلومات مغلوطة، وغيرها من المؤثرات التي تؤدي إلى الخروج بخطط غير واقعية والتعامي عما يحدث من المشكلات وبالتالي تفاقمها.
أكثر جزئية مقلقة في عمليات الإحصاء ونشر المعلومات هي قضية تضارب المصالح، إذ تقوم الجهة التي تنفذ الخدمة بنشر معلومات عن مستوى أدائها لتلك الخدمة. ومع يقيني بصلاح العاملين في القطاع العام، وولائهم لوطنهم، فإنني أعتقد كذلك أن أي إنسان يحبذ أن يكون ذكره طيبا. هذا الذكر الطيب يتوافق مع فرصه المستقبلية.
يؤدي الأمر إلى "تلميع" الأرقام، أو تسييرها في مسار لا يحرج المسؤول، والتركيز على الإيجابيات، والدفاع عن السلبيات أو تناسيها، إضافة إلى البحث عن المخارج للإخفاقات.
قفزت مراكز الجامعات السعودية بعد سنة واحدة فقط من ظهورها في قاع التقييم العالمي، كما اكتشفنا أن أغلب أبنائنا يبحثون عن الوظائف ولا يجدونها، رغم أن أرقام البطالة لا تتجاوز 11 في المائة، فيستغلهم التجار كوسيلة لإطفاء نار "السعودة". يستطيع القارئ أن يعطي كثيرا من الأمثلة من خبرته الخاصة.
عارض كثيرون تلك الأرقام، بل إن مسؤولين في القطاع الخاص، ومسؤولين في الجامعات كتبوا بحوثا تثبت أن الأرقام المنشورة غير صحيحة، لكن أحدا لم يستجب، واستمر التعاطي مع الأرقام المغلوطة أو إخفاء الحقائق بما يشكل تهديدا لكل الخطط التي تتعامل مع معلومات غير صحيحة.
أدى ترك الجهات على حالها، وعدم مساءلتها من الجهات الرقابية، وعدم تدخل الجهات المسؤولة عن تمحيص واستخدام المعلومات كوزارة التخطيط إلى تفاقم الوضع لكن الجديد كان مختلفا. إذ أعلنت محافظة جدة أنها حصلت على جائزة عالمية على مخططاتها لعام 2033. ذكر الإعلان أن الأمانة نافست 200 مشروع من مختلف دول العالم، لتحصل على "جائزة الاستدامة وتطوير البيئة العمرانية".
الإشكالية الوحيدة في الجائزة هي أنها مقدمة من شركة استشارية تعمل مع الأمانة وتنفذ عقودا لها، وهذا من قبيل التعارض الصارخ للمصالح، وكأن الأمانة تقول "يا بخت من نفّع واستنفع".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي