النعيمي: لو كنت أتكهن بأسعار النفط لوجدتموني في لاس فيجاس وليس برلين
توقع المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية عودة التوازن إلى سوق النفط وأن تستقر الأسعار التي بلغت أدنى مستوياتها في نحو ست سنوات في كانون الثاني (يناير).
وبحسب "رويترز"، جدد النعيمي في تصريح للصحافيين في برلين أمس أن السعودية ملتزمة بالإسهام في تحقيق التوازن في سوق النفط، لكنه أشار إلى أن الأمر لا يعود إلى السعودية أكبر مصدر للنفط في "أوبك" لدعم منتجي النفط الأعلى تكلفة، لأن الظروف تقتضي تعاون الدول غير الأعضاء في "أوبك."
وقال الوزير إن النمو الاقتصادي العالمي يبدو الآن أكثر قوة، وإن السعودية لن تخفض إنتاجها من النفط ما لم يبلغها زبائنها بأنهم لا يريدون نفطها، لكن النعيمي أضاف أمام مؤتمر في برلين "هذا لن يحدث لأن السعودية أكثر مصدر يمكن الاعتماد عليه في العالم."
وردا على سؤال عما إذا كانت أسعار النفط قد بلغت القاع بعد انتعاشها إلى 60 دولارا للبرميل من مستويات منخفضة عند 45 دولارا في كانون الثاني (يناير) قال النعيمي "لو أنني أحاول التكهن بأسعار النفط مستقبلا لما كنت سأصبح في ألمانيا الآن وإنما في لاس فيجاس".
وبشأن الحديث عن اجتماع طارئ لـ"أوبك" قال النعيمي إنه ليس على علم بأي خطط لعقد اجتماع طارئ لـ"أوبك".
وكانت نيجيريا، الرئيس الحالي لـ"أوبك" قد قالت الشهر الماضي، إنها قد تدعو إلى عقد مثل هذا الاجتماع إذا عاودت أسعار النفط الهبوط.
وكان النعيمي قد أكد في كلمة ألقاها في جمعية الصداقة الألمانية العربية في برلين أن النفط يمثل مكوناً حيوياً من مكونات الحياة الحديثة، فهو يعمل على تسيير عجلة التنمية الاقتصادية وتحسين آفاق ملايين الأشخاص وتطلعاتهم حول العالم، وهو في الوقت ذاته قطاع عالمي معقد وجزء ضروري من مزيج الطاقة في القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك كله، فإن هذا القطاع، بطريقة أو بأخرى، قطاع سهل وواضح للغاية: فهو مجرد عرض وطلب.
وقال النعيمي في ورقة بعنوان (دور المملكة العربية السعودية باعتبارها دولة مصدرة للطاقة في القرن الحادي والعشرين) قدمها أمس، إن الآلية التي تتحكم في تحديد أسعار النفط ليست بهذه السهولة وليست بهذا الوضوح، فعلى الرغم من أن العرض والطلب يُعَدَّان من الجوانب الرئيسة والمهمة في تحديد هذه الأسعار، إلا أن هناك مجموعةً أخرى من العوامل التي تُلقي بظلالها الكثيفة على هذه العملية، وتشمل تلك العوامل كلاًّ من المضاربات، والحدس سواءً كان عن معرفة أو عن غيرِ معرفة، ومدى فهم التطورات المستقبلية واستشرافها في كلِّ ما له علاقةٌ بهذه السلعة الحيوية. كما لا ننسى أيضًا أن النفط يُستخدم على أنه من فئات الأصول، وهو الأمر الذي يؤثر أيضًا في الأسعار.
وأشار النعيمي إلى أنه عندما ترتفع الأسعار، أو عندما تصل إلى مستويات تاريخية، كما كانت عليه خلال الأعوام القليلة الماضية، يميل قطاع النفط العالمي إلى زيادة الاستثمارات، وهو ما جعلنا نشهد مستويات إنتاج أعلى من حقول نفط أكثر تكلفة من ناحية التطوير أو التشغيل مثل الحقول الواقعة في المياه العميقة، وحقول القطب الشمالي، وحقول النفط الخام الثقيل في كل من كندا وفنزويلا، وحقول النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح النعيمي أن هذه الكميات الإضافية من الإنتاج جاءت بصفة أساسية في فترة كان الاقتصاد العالمي خلالها يتعافى من ركود عميق، وفي فترة تأثر فيها نمو الطلب على النفط، خاصة في أوروبا، وقد أدت هذه العوامل مجتمعةً إلى زيادة في ميزان العرض، وإذا أضفتَ إلى ذلك كله المضاربات التي تتحدث عن تخمة نفطية واحتمالات انخفاض الطلب في المستقبل، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض الأسعار، هذه هي الآلية التي تعمل من خلالها السوق النفطية، وقد رأينا هذا النمط يتكرر مرةً بعد أخرى على مرِّ عدة عقود، وهو ما حدث مرةً أخرى خلال الأشهر القليلة الماضية.
وأفاد النعيمي بأنه عندما تشهد السوق النفطية حركة متسارعة في الأسعار، صعودًا أو هبوطًا، فإننا عادةً ما نراها مصحوبة بنوبة من التعليقات التي تؤطر لنظريات عديدة وغريبة بشأن وجود تواطؤ أو مؤامرة من قبل منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" والدول الكبرى المنتجة للنفط، وأبرزها، بطبيعة الحال، السعودية.
وأضاف النعيمي أنه خلال موجة الانخفاض الحالية التي شهدتها السوق النفطية، تعرضت كل من منظمة أوبك والمملكة العربية السعودية أيضاً إلى انتقادات مؤذية – وجائرة – من جراء ما يمكن أن نصفه، في واقع الحال، بردة فعلٍ طبيعيةٍ في السوق، فنرى البعض يتحدث عن حرب تشنها "أوبك" على النفط الصخري، ويزعم آخرون أن "أوبك" قد ماتت وقس على ذلك الكثير من مثل هذه النظريات وكلُّها خاطئة.
ومضى قائلا: لقد دأبت دول "أوبك" على العمل مع بعضها بعضا وبصورة دائمة لتفعل كلَّ ما بوسعها من أجل استقرار الأسعار، وضمان عوائد مجزية للدول المنتجة، وتوفُّر إمدادات ثابتة للدول المستهلكة، وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، وأعتقد أن منظمة "أوبك" اتخذت قراراً تاريخياً بعدم تدخلها في السوق، وقد فهم الكثير من المعلقين مغزى المنظمة من وراء هذا القرار، وأعتقد أن التاريخ سيثبت أن هذا القرار يمثل الاتجاه الصحيح نحو المستقبل.
ثم تحدَّث النعيمي عن المحور الثاني في ورقته، المتعلق بالسياسة النفطية للمملكة العربية السعودية، قائلاً: "باختصار، لم يتغير شيء، فالسعي إلى استقرار الأسواق يظل الركيزة الأساسية للسياسة النفطية في المملكة العربية السعودية، وقد استثمرت المملكة مبالغ طائلة للحفاظ على طاقة إنتاجية احتياطية، وهي تستثمر بصورة مستمرة على المدى البعيد، وإننا لعلى يقينٍ تام بأن سياساتنا النفطية أسهمت إسهامًا كبيرًا في استقرار السوق النفطية، وهو ما يقرُّ به شركاؤنا في جميع أنحاء العالم، فعندما شهدت الأسواق النفطية نقصاً كبيراً في الإمدادات، عملت المملكة وبصفة مستمرة على توفير إمدادات إضافية لتعويض هذا النقص.
وتابع النعيمي، أن ذلك قد ساعد على الحد من بعض التأثيرات السلبية لذلك في الاقتصاد العالمي، والسعودية تأخذ هذا الأمر على محمل الجد وتؤكد التزامها الثابت بأن تكون مورِّداً موثوقًا لعملائها في جميع أنحاء العالم، فنحن في السعودية نمتلك نظرةً بعيدة المدى، وهي التي تجعل المملكة تتجنب ردات الفعل غير المحسوبة على التقلبات القصيرة المدى التي تشهدها الأسواق، فخلال الأشهر الثمانية الماضية، وعندما شهدت السوق فائضاً في العرض، طلب البعض من السعودية إجراء تخفيضات سريعة وكبيرة على إنتاجها، لقد تمت تجربة هذه السياسة في حقبة الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي ولم تحقق أيَّ نجاح يُذكر وإننا لن نكرر الخطأ نفسه مرةً أخرى. واليوم، فإنه ليس من شأن السعودية، أو الدول الأعضاء الأخرى في منظمة أوبك، أن تدعم الدول المنتجة ذات التكلفة الإنتاجية الأعلى من خلال التنازل عن حصتها في السوق. وأردف الوزير قائلا: إنه كما أن الحقائق على الأرض مختلفة على أيِّ حال، فالإمدادات التي تنتجها الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك أكبر بكثير مما كانت عليه في حقبة الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، كما أن الأمر يتطلب القيام بدور أكبر من قبل العديد من دول العالم، وعلى الرغم من أن السعودية تبقى على التزامها الثابت بالمساعدة على استقرار الأسواق، إلا أن الظروف تحتِّم على الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك التعاون معها في هذا الشأن، ولكن هذه الدول، في الفترة الحالية، اختارت ألا تبدي أيَّ تعاون في هذا الشأن، ولهذه الدول أسبابها، ولكنني أودُّ أن أعلم الجميع أن السعودية تسعى دائماً إلى التوصل إلى إجماع في مثل هذه المسائل.
وبين أن هذه الزيادة الجديدة في إمدادات النفط – التي يأتي كثيرٌ منها من الولايات المتحدة الأمريكية – تلقى ترحيباً واسعاً من أسواق النفط العالمية والاقتصاد العالمي على حدٍّ سواء خلال الأعوام القليلة الماضية، فقد ساعدت هذه الزيادة في الإمدادات، جنباً إلى جنب مع الجهود التي تبذلها السعودية، على تعويض النقص الذي تعرضت له إمدادات الدول الأخرى المنتجة للنفط، فبدون هذه الزيادة، كان من الممكن أن يجد الاقتصاد العالمي الذي لم يتعاف بشكل كامل بعد نفسه وجهاً لوجه مع أسعار أكثر بكثير للطاقة، وقد عبرت المملكة العربية السعودية وبصورة مستمرة عن ترحيبها بالإمدادات الجديدة من النفط غير التقليدي، بما في ذلك النفط الصخري. وأكد النعيمي أن السعودية تتحرك وفق نظرة بعيدة المدى، كما أن الزيادة الإضافية في الطلب على الطاقة، على المدى البعيد، ستحتم توفيره من خلال جميع مصادر الطاقة الممكنة، سواءً كانت تلك المصادر هي الوقود الأحفوري أو مصادر الطاقة المتجددة.
وتناول الوزير في المحور الثالث من ورقته واقع الوقود الأحفوري ومستقبله، بالقول: "إن الحقائق على المدى البعيد لا تقبل الجدل، فعدد سكان العالم في ازدياد مطّرد، والطبقة الوسطى تكبر وتتوسع في جميع أنحاء العالم، والطلب على الطاقة سيزداد تبعًا لذلك، وسيساعد توفير إمدادات موثوقة ومستقرة من الطاقة على تحسين معايير الحياة الكريمة والارتقاء بالمستويات التعليمية وتعزيز الاقتصاد في جميع أنحاء العالم، وإنني لعلى يقين بأن جميع الدول والشعوب متفقة على ذلك، فنحن نضطلع بمسؤولية مشتركة تتمثل في تهيئة الظروف التي تساعد على حدوث ذلك كله.
وفيما يتعلق بالنفط، قال النعيمي إن السوق العالمية كبيرة ومتنامية، حتى وإن كان هذا النمو يسير بوتيرة بطيئة في الوقت الراهن، ولكنني أعتقد وجود فرص لجميع الدول المنتجة، وبطبيعة الحال، فإنه خلال الفترات التي تتفوق فيها الزيادة في العرض على الطلب، فإن الدول المنتجة ذات التكلفة الإنتاجية الأقل ستتمتع حتمًا بميزة على الدول المنتجة ذات التكلفة الإنتاجية الأعلى، وإن السعودية، التي حباها الله بقاعدة هائلة من الموارد الهيدروكربونية وعدد من أكبر الحقول النفطية التقليدية في العالم، تتميز بتكلفة إنتاج منخفضة جدًا، كما أننا أكثر كفاءة وفعالية من الدول المنتجة الأخرى، وإنها ميزة سنحرص على استغلالها والاستفادة منها، كما سيفعل أيُّ منتج آخر، في المساعدة على توفير الإمدادات لعملائنا في جميع أنحاء العالم.
وأضاف النعيمي أنه على الرغم من أن فترة الركود تسبب بعضاً من المتاعب في صناعة النفط، إلا أنها تكون مصحوبة بعدد من الفوائد كذلك، فالفترة التي تشهد انخفاضاً في أسعار النفط تحفِّز الشركات على اتخاذ نهج أكثر صرامة والتركيز على تعزيز كفاءتها الإنتاجية وتحسينها، وهذا ينطبق بكلِّ تأكيد على شركة النفط الوطنية في السعودية "أرامكو" والأهم من ذلك، فإن أعظم فائدة لانخفاض أسعار النفط على المدى القصير هي تلك الفائدة التي تجنيها الدول المستهلكة والاقتصاد العالمي على حدٍّ سواء، وقد برزت فوائد انخفاض أسعار الطاقة في الوقت المناسب بالنسبة للدول التي تواجه حالياً أوضاعاً اقتصاديةً صعبة – بما في ذلك عديد من الأسواق الناشئة.
ومضى النعيمي قائلاً: إن تحقيق استقرار السوق يبقى هدفنا الرئيس في السعودية، وعلى الرغم من أننا لن نتمكن أبداً من كبح جماح الدورات الاستثمارية المتقلبة في الأسواق النفطية، إلا أنه بإمكاننا العمل على تذليلها وتطويعها، وإنه لمن الأهمية بمكان أن تستمر جميع الدول المنتجة – سواءً كانت من الدول الأعضاء في منظمة أوبك أو من غيرها في التركيز على الأهداف المشتركة البعيدة المدى التي تتعلق بضمان استقرار السوق وتحقيق تنمية مستقبلية مستدامة لكلٍّ من الدول المنتجة والمستهلكة على حدٍّ سواء، وبالنظر إلى المستقبل، فإنني أرجو بل أتوقع أن يبدأ ميزان العرض والطلب في الاستقرار مرةً أخرى، والأسعار كذلك. وفي ختام ورقته، تناول النعيمي العلاقات التجارية والاستثمارية الثنائية بين السعودية وألمانيا الاتحادية، والفرص التي يحملها المستقبل لكلتا الدولتين، بقوله: "تمرُّ السعودية بمرحلة تاريخية غير مسبوقة بشأن تنويع مصادر اقتصادها الوطني وتعزيز قاعدتها الصناعية، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، فإنه من الأهمية بمكان أن تعمد المملكة إلى الشراكة مع الدول الناجحة، مثل ألمانيا الاتحادية والشركات الألمانية، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 11 مليار يورو، ويسهم عديد من الشركات الألمانية في الوقت الراهن في عملية النمو المتسارعة التي تشهدها السعودية، حيث نرى شركات مثل شركة سيمينز، وشركة لينده، وشركة هيرينكنيت التي تعمل في مجال حفر الأنفاق، تعكف على تنفيذ عدد من المشاريع القائمة حاليًا في السعودية، كما يمثل كلّ من قطاعي الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة فرصتين واضحتين أرى من خلالهما إمكانية عقد شراكة بين الجانبين السعودي والألماني. فألمانيا دولة عالمية رائدة في مجال الطاقة الشمسية – والسعودية لديها كمٌّ هائل من الطاقة الشمسية، ونحن في السعودية نعتزم أن نوفر الكثير من احتياجاتنا المحلية في مجال الطاقة من هذا المصدر المتجدد، وعلى هذا فإن هناك فرصة أكبر لتعاون أكبر بيننا في هذا المجال. وتسعى السعودية أيضاً إلى تأسيس قطاع لصناعة المطاط، وأرجو أن نتمكن من تنفيذ ذلك عبر الشراكة مع الشركات الألمانية، التي تتمتع بخبرات هائلة في هذا المجال، وهناك أيضاً فرصةٌ للشراكة بين الجانبين في قطاع التكرير والمعالجة، وتحديداً قطاع الكيميائيات، وهو القطاع الذي تعكف المملكة حالياً على تطويره، خاصةً في مجال تصنيع البوليمرات من الكربون، وهو الأمر الذي سيساعد أيضاً على معالجة مسألة الحدِّ من الانبعاثات المضرة بالبيئة، وهناك فرصٌ أخرى للتعاون والشراكة في قطاعات الرعاية الصحية، والتدريب، والخدمات المساندة، والنقل، أرجو أن نستغل هذه القطاعات جميعاً وأن نعمل عليها معاً.