الحياة شعور..

ذات ظهيرة دافئة اصطحبني والدي لدائرة حكومية لبعض الإجراءات الروتينية.
وانتهت ببعض التعقيدات التي غالبًا ما تواجهك في بعض الدوائر الحكومية والنسائية تحديدًا..
حين عودتي للبيت كنت صامتة وممتعضة، وكان مزاجي منخفضًا بطريقة جعلت والدي يحاول مستجديًا أن يخرجني من هذا الجو.
كنت أجيبه ببرود بأني لا أريد الحديث فلستُ في مزاج جيد.
لكنه ظلّ يتحدث دون أن يكترث لكلامي..
قال بكل هدوء وحكمة بالغة:
"الحياة ما هي إلا عدة خيارات، أشبه بالبرامج التي لديك في جهازك فأنت تختار أين تتواجد في أي برنامج، فمثلا أنت تتنقل من "الواتساب" إلى "تويتر" ومن "تويتر" إلى "انستقرام" ومنه إلى "سكايب" وغيرها من البرامج التي أنت وحدك من يحدد أين يضغط بلمسة واحدة على إحداها ليكتب أو يعلق أو يتابع أو يضع صورًا أو يشارك شعورًا..
تمامًا مثل حياتك، أنتَ من يختار الشعور والدائرة التي تريد أن تبقى بها..
كنا قبل قليل في تلك الدائرة الحكومية يا ابنتي وعدنا منها ونحن الآن في السيارة ولكنك لازلت مقيدة بها وشعورك منخفض لأنها لم تقدم الخدمة كما يجب، حين خرجنا كان من المفترض أن تتجاوزي ذلك الشعور وتلك الدائرة بشعور آخر مبتهج ناسية ذلك الشعور الذي لا يستحق التوقف عنده..
لماذا أنا مستمتع ومسترخٍ، بينما أنتِ منزعجة وكأن الدنيا توقفت وستنهار إن لم تتم تلك الإجراءات التي يمكنها أن تأتي بشكل أفضل في وقت مناسب لها تمامًا..
الحياة يا "ماما" شعور، والشعور يتدفق من الداخل وهو ما يغذي الروح، فلا ترهقي روحكِ بكثرة المشاعر الغير طيبة..
غذي روحكِ بكل جميل، بالمشاعر العالية والحبّ..
إن الحياة يا بنيتي مدرسة كبيرة، إن لم نستمع لها ولكل درس منها لن نعيش..
الحياة أوسع بكثير من ضيقك هذا، وأرحب من شعوركِ الذي لا يتوافق مع حجم الموقف!
وأريد إخباركِ بشيء لطيفٍ جميل وهو من الهندسة النفسية للنفس البشرية، بإمكانك صنع جرس خاص وسري ينقلكِ سريعًا من أي شعور لا تودين أن يطول كثيرًا..
هذا الجرس مثلا كأن تضغطين على الأصبع الإبهام ضغطة صغيرة تنبهين بها عقلك بأن يتجاوز هذا الشعور، ومن ثم فلتكن عادتك حتى يتبرمج عليها العقل اللاوعي بصورة فورية، وليس شرطًا أن يكون الاصبع هو المنبه والجرس، بالإمكان أن يكون صوتٌ معين تقومين بسماعه، أو حركة معينة تقومين بفعلها لتجاوز هذا الشعور لتكون جرسًا دائما لك..
واستخدمي هذا الجرس للاشياء الجميلة كاسترجاع صورة شخص محبب، أو شعور طيب وممتع وغيرها من الاشياء السرية والتي لها جرس لديك يعيدك إليها إن كانت رائعة ويطلبك التوقف عنها إن كانت عكس ذلك.."
كان كفيلاً بكل هذا الكلام والطريق الطويل الذي نسيت به تمامًا كل تلك المشاعر المنخفضة أن يعيد لي الاتزان وأن آخذ نفسا عميقا لأقول: شكرًا لعينيك يا أبي، شكرًا لكلامك الذي أعاد لمزاجي مكانه وأنعش روحي التي تغذت بعمق رائع..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي