استيراد البرامج التلفزيونية الغربية وتعربيها .. ثقافة ضعف أم قوة؟
برامج مستوردة تفترش القنوات التلفزيونية اليوم ما بين مستهجن ومرحب، ولا يعد موقف الأول مستغرباً إذا ما عرفنا أن أغلبية الموجود على الساحة اليوم مستورد من الغرب، وكأن النظرة إلى الغرب تطول كل ما يأتي منهم حتى لو كان يقدم بالصبغة العربية الخالصة، وما بين هذا وذاك تغيب بعض القنوات عن السباق البرامجي ما يجعلها في المراتب الأخيرة في قائمة المشاهد العربي، على الرغم من رغبة بعضها وإلحاحه في المحافظة على بصمته فيما تقدم إلا أنها لا ترق للذوق العام بالنظر لمستوى الطرح، التسويق، والإنتاج.
#2#
يبرر أحمد السهيمي – معد برامج في مجموعة MBC - هذا التوجه بقوله إن استيراد صيغ البرامج فكرة لا تعود أبدا إلى الحاجة، وإنما إلى الوفرة، فالعمل على برنامج جديد يتطلب كثيرا من الوقت والتجربة، بينما استيراد نماذج ناجحة يسهل المهمة كثيرا، خاصة إذا تم تطويع النموذج وتطويره ليتناسب مع ثقافة الجمهور العربي.
ويجد السهيمي أن الجمهور متعطش لهذه البرامج، لأنها تؤثر فيه بإنسانيتها، ويؤثر فيها بالتصويت والمشاركة، كما لم تعد برامج المواهب تعتمد على لجنة التحكيم فقط كما في التجارب العربية القديمة، فاليوم هو يستطيع تغيير النتيجة وأحد العوامل المؤثرة على نتيجة المسابقة بتصويته. أما فيما يتعلق بالبرامج الحوارية، فينوه السهيمي "صحيح أن بعضها أصبح رتيبا، لكن هذا لا ينطبق على الجميع، البرامج الحوارية يجب أن تتضمن عناصر أساسية لضمان نجاحها، وهما: المحتوى القيّم، والشخصية المميزة في حضورها على شاشة التلفاز، ذات القبول لدى المشاهدين، ويضاف لذلك الخروج بأسلوب خاص لكل برنامج، بدلا من ضيف يجلس أمام المذيع، وسؤال وإجابة ثم سؤال وإجابة، وهو أمر أصبح سهلا في ظل تطور التقنيات التلفزيونية".
#3#
ويبعد السهيمي تهمة العجز وذلك لأن القنوات تخرج ببرامج جديدة في كل سنة، ولكن الجمهور الطاغي يتوجه إلى برامج المواهب التي تحظى بمعظم درجات المشاهدة في العالم العربي، وهنالك نماذج ناجحة لبرامج مستحدثة تماما، خاصة بنا كإعلاميين عرب، أبرز الأمثلة عليها برنامج الثامنة مع داود، وبرنامج بدرية على mbc1، موضحاً أن الإعلام يعيش على الأفكار، ولا يمكن أن ينجح أصلا إلا إذا اجتذب المفكرين والمبدعين من مختلف المشارب، وهذا ما يفعله الإعلام العربي بدرجات متفاوتة، قنوات تقدم المبدعين أكثر من قنوات أخرى، سواء على مستوى المحتوى الذي نراه على الشاشة، أو في صناعة الإعلام العربي نفسها خلف الكواليس، ومع أن الفرنسيين والبريطانيين مثلا كانوا حاضرين في مرحلة ولادة المنصات الإعلامية العربية، وشاركوا في تأسيسها، إلا أننا اليوم نادراً ما نجد غير العرب في ساحة صناعة الإعلام العربي.
ويذكر السهيمي أن تهمة التغريب التي يلصقها البعض في القنوات التي تنهج هذا النهج من البرامج أنها في أغلب الأحوال انطباعات وليست آراء متوازنة، يعني هل يمكن أن يكون التغريب احتضان موهبة عربية، تقدم المحتوى باللغة العربية؟!، أو هل التغريب في طرح أفكار تقدم للمجتمع خيار التفكير والتعمق، بدلا من التبعية والسطحية. مفهوم التغريب كبير، ويشمل الأفكار والشكل، الأفكار بالتأكيد عربية، أما الشكل ففي رأيي أن العالم كله يتجه إلى صورة واحدة تشمل كل ألوان الناس وأشكالهم وثقافاتهم، اليوم نجد عربيا أصيلا يرتدي بدلة فرنسية، وفرنسيا يضع على رقبته الكوفية الفلسطينية، وليس لهذا تأثير في مواقفهم ومبادئهم، مشيراً إلى أن الحاجة كبيرة إلى البرامج التي تقدم المواهب الشابة إلى المجتمع العربي، معللاً ذلك بأن ثقافة الفرح كانت غائبة عنا لفترة طويلة، خاصة إذا كانت تحمل مضامين مميزة، لننظر مثلا كيف التف الناس حول فلسطين ومشكلة غزة بعد فوز ابنها محمد عساف مثلا؟!
#4#
وتتفق الإعلامية معالي راضي – مذيعة في التلفزيون السعودي - مع فكرة استيراد البرامج التلفزيونية لأنها مطلب جدا مهم للقنوات التلفزيونية حسب رأيها، لانعدام وجود الوسط المتخصص والاحترافية، خصوصا أن البرامج لا تدعم بالشكل المطلوب فالبرامج المستوردة لها تاريخ طويل بالنجاحات المتواصلة وما لدينا هو نسخة عربية خالصة للبرامج التي حقــــقت نجاحات عالمية، لأننا نستطيع أن نقدم برامج تناسب هويتنا العربية بشكل مبتكر وملائم بوسطية وبعيدا عن "التغريب" الذي اقتحم حياتنا في جميع النواحي دون تجاوز حدود العيب أو الذوق العام. ولا تجد راضي أن الإعلام العربي عاجز عن إنتاج أفكار تلفزيونية ولكن الفكرة وحدها لن تنجح في ظل عدم وجود الإمكانات وفريق العمل المحترف والتمويل الضخم، كما أن البرامج الترفيهية مهمة لمساهمتها بشكل كبير في اكتشاف المواهب وتطويرها ليس في مجال الغناء فقط ولكنها تعدت لاكتشاف موهوبين في التمثيل والمسرح ومقدمي البرامج ومصممي الأزياء وسهلت لهم اختصار الطريق للوصول للشهرة.
وترى راضي أن التلفزيون السعودي نجح في فترة من الفترات ولكنه تراجع بسبب هجرة العقول واستقطابها من القنوات الخاصة التي توفر السيولة المادية العالية، التي تتضاعف بنسبة أربعة إلى خمسة أضعاف ما يتقاضاه الموظف أو المتعاون في التلفزيون السعودي.
الإعلامي محمد آل ثويمر – مذيع في التلفزيون السعودي – من جانبه يجد أنه من الضروري استيراد البرامج التلفزيونية التي تهتم بالفكر والمعرفة والثقافة كالبرامج الوثائقية والتعليمية والصحية وبرامج الطفل، وذلك لأن أغلب البرامج المستوردة لا تقدم الثقافة والفكر، كما أنها وسائل سهلة لجذب المشاهدين، خصوصا برامج الأغاني واختيار المواهب ووصل الأمر لبرامج الشعر.
#5#
ويضيف آل ثويمر أن الطابع العام للقنوات العربية هو تقليد القنوات الغربية التي تحاكي المجتمع الغربي دون مراعاة للفارق الثقافي والاجتماعي للمجتمع العربي، وكي تنفي القنوات العربية تهمة التغريب لا بد من إنتاج برامج مناسبة للبيئة العربية وثقافتها، فالجيل الناشئ بحاجة لأن يتعرف على برامج تنشئ سلوكا قويما وثقافة عميقة، مشدداً على أهمية تغذية البيئة الإعلامية بالكفاءات بتدريبهم على أيدي ذوي الخبرة والثقافة الإعلامية الحديثة، وتكثيف الدورات المتعلقة بالتقديم والإعداد والإخراج وغيرها من الدورات المهمة لكواليس التلفزيون سواء كان لتقارير أو لبرامج ستديو مباشرة أو مسجلة، وكذلك التعامل باحترافية ومهنية تحقق له التطوير، وتجعله في مصاف القنوات التي تحقق نسبا عالية من المشاهدة، وذلك لأن البحث عن حاجة المشاهد وما يهتم به من قضايا محلية وعربية وعالمية، والخروج من الكلاسيكية القديمة واستثمار الإعلام الحديث حيث التسويق للبرامج في شتى وسائل الإعلام ومواقف التواصل الاجتماعي.
فيما يتحدث سعيد اليامي مدير تلفزيون الدمام لـ"الاقتصادية" أن الإعلام اليوم لا يقدم الجديد الذي يحرض على معرفة كيفية توظيفه والتعامل معه، فالآلية هي هي، ويقول "ما نحن بحاجة إليه هو المعد المحترف، وهنا يأتي دور الأكاديميات والكليات لتخريجهم، ولدينا اليوم في الرياض مكتب تدريب لاستقطاب الطاقات بخبرات عالمية".
وأشار إلى أن إعلام اليوم أصبح احترافيا في كل جوانبه، من الإعداد، للتقديم، للإخراج، ولعل المسؤولية تقع علينا في آلية التسويق، إلى جانب استقطاب الطاقات المحلية قبل أن تتصيدها القنوات الخاصة، فباب القناة السعودية مفتوح للجميع بحسب قوله، لافتا إلى أن التلفزيون السعودي مقارنة بغيره يملك كثيرا من البرامج الجيدة الجديرة بالمشاهدة، مضـــــيفا "لدينا كفاءات تعمل ليل نهار لإرضاء المشاهد حتى مع يقيننا بأن رضا الناس غاية لا تدرك، فالمشاهد لديه حكـــــم مسبق حتى دون أن يتعب نفسه بالاطلاع والمتابعة"، كاشــــفا عن برامج جديدة سيلاحظها المشاهد شهر رمضان المقبل رغبة في الوصول إلى ذائقة المشاهد.