مرض الفكر

على الرغم من أن العلم يفتح لك الآفاق ويوسع مداركك، ولكنه في الوقت نفسه قد يحملك إلى حافة الجنون، فبين العبقرية والجنون شعرة!
وأحد هؤلاء العقلاء المجانين أفلاطون وفلسفته العجيبة القائمة على عقيدة الأشكــال.. فما تراه حولك ليس موجودا أصلا، بل هو انعكاس "ظـلال" لموجــودات أخرى في عالم المثـاليـات.. أي أن الحــائط الذي أمامك الآن ليس موجودا، هو فقــط انعكاس لحائط موجود في عالم آخر!
ويرى أن المــرء لا يرتكــب جريمة عامدا أبدا، وأن خطـايانا ليست باختيارنا.. وأن المخطئ يجــب أن يطهّـر نفسه بالفلسفة والرياضيــات، وإلا سيعود إلى الحيــاة على شكل "حيــوان" بعــد أن يموت!
ألم تسمع يوما عن نظرتهم لذلك الكائن الصغير "البرغوث" فهم مرة يرونه تارة كائنا مفيدا، لأنه يزيل الدم الزائد من الجسم ويرغمك على الاستحمام، وبفضله يضطر الناس لتغيير ملابسهم، وبالتالي نشــأ مصطلح نظــافة.. وتارة يقولون: "طيب" لو لم توجد براغيــث، لما وجد مصطلح "قذارة".. ولو لم تكن هناك قذارة، لما صارت هنــاك ضرورة للنظافة أصلا! وبالتالي، البراغيث لا أهمية لها أصلا، ومن دونها الحيــاة أفضــل! هؤلاء هم السفسطائيون الذين اشتق اسمهم من السفسطة التي تعني في الأصل المهارة، ولكن بسبب استخدامهم مهارتهم في تحويل الفلسفة إلى استعراض عضــلات عقلي.. بإثبــات النفي، ونفي الإثبــات باستخدام حجج عقليــة مقنعة، أصبحت تطلق على المنظرين الذين يقولون كلاما ملتويا غير مفهوم بمعنى "ما تأخذ منهم حقا ولا باطلا"! ومجموعة أخرى من هؤلاء الفلاسفة تعرف بـ"الأبيقــوريــة" تقول، إن الهدف الوحيد للحيــاة هو الحصــول على أكبر قدر من "اللذة"! فكل شهــوة لدى الإنســان يجب أن تطــاع ولا تقــاوم.. ويدعون إلى الانغماس في الملذات إلى أقصى درجة، وهذا ما يمارسه شريحة من البشر اليوم معتقدين أن هذا هو الطريق الأمثل للسعادة!
ومن الانغماس في اللذة إلى أقصى درجات اللامبالاة التي يراها جماعة "المشاؤون" أو "الرواقيون" وهم مجموعة من فلاسفة اليونان تتلمذوا على يد معلمهم "زينو" هي الحل.. لا حزن ولا فرح ولا حتى رغبة، ما عليك إلا أن تعيش غير مبال بأي شيء بتاتا، يمضون أوقاتهم في المشي ذهابا وإيابا في الأروقة وهم يتحاورون في نظرياتهم عن الحياة والوجود، وتجد اليوم الكثيرين ممن تقمصوا هذه الفلسفة واختاروا أن يعيشوا ككومبارس على مسرح الحياة!
وأكثر هؤلاء الفلاسفة والمفكرين جنونا هم الكلبيــون الذين جعلوا من الكلب مثلهم الأعلى في الحياة! فـ"الكلبية" هي الكمال فلا أكــل جاهز، لا ثــروة، لا زواج بنيــة تأسيس أســرة.. الكلب سعيد وراض بحاله جدا في ظل هذه الظــروف، لذلك يجــب أن يتبع الإنسان هذه الخطوات ليصــل إلى السمــو والسعادة!
قدوتهم في ذلك الفيلســوف اليوناني "ديـوجين" الذي عاش جل حياته يرتدي ما يشبه البرميــل الخشبـي، تظهر يداه وقدماه من ثقوب في البرميــل بدلا من الملابس العادية، ويعد النــاس بالوصول إلى السمــو الذي يمكّنهم من الحيــاة مثل الكلاب!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي