القديح .. إرهاب «يائس» يستبيح حرمة المساجد ودماء المصلين
يطل الإرهاب بوجهه القبيح البائس، وبفعله اليائس، مرة أخرى، مستهدفا جامعا يؤمه مصلون آمنون من أبناء الوطن. فلا حرمة للمكان ولا للزمان عند هؤلاء الإرهابيين، المفخخين بالكراهية والضلال، نفسا وفكرا، قبل أن يُفخخوا جسدا بالأحزمة الناسفة. وكعادة هذا الشعب انتفض بمواطنيه وعلمائه ومسؤوليه، مستنكرا هذه الجريمة، ومتبرعا بدمائه لمن طالت دماءهم يد الغدر والخيانة، ليقف صفا واحدا مع نخبه وقيادته ضد كل ما من شأنه أن يهدد أمن ووحدة هذا الوطن.
وحدة الصف
بلدة القديح الوادعة، التابعة لمحافظة القطيف، شرق المملكة، الشهيرة بنخيلها وآبارها والعيون، تعود لها الأنظار والقلوب بعد فاجعة الحريق التي وقعت عام 1999 في خيمة أفراح مكتظة بالنساء والأطفال، التي أتت حينها على أغلب من فيها، لتخلف ما يقرب من 76 حالة وفاة. الجدير ذكره أن هذه الحادثة شهدت حينها تكاتفا ملموسا وتطبيبا لجراح المنطقة تجلى في توجيه الملك عبدالله ـ يرحمه الله ـ بإنشاء صالة أفراح مجهزة بكافة مستلزمات الأمان والسلامة حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة.
إلا أن تنظيم "داعش" الإرهابي يأبى كعادته الإجرامية أن ينعم أحد بالفرح والأمان. إذ تبنّى عن طريق مواقعه على شبكات التواصل هذه الحادثة الأخيرة، مفاخرا باستهدافه الطائفة الشيعية في المملكة، ظنا منه أن هذا الأمر يجعله يحظى بإشادة الغالبية السنية في المملكة. ولكن العكس تماما هو ما حصل وما يحصل دائما. فرغم كل الاختلافات المذهبية التي يحاول البعض إظهارها بوصفها مشكلة عميقة، تأتي مثل هذه الأحداث بكل ما تحمله من بشاعة وألم، لتضيف إلى خيبة هذا التنظيم وأمثاله مزيدا من الخيبات، مؤكدة أن الصف السعودي ووحدته أقوى، حاضرا وتاريخا، من أي محاولات إرهابية أو حتى جدالات مذهبية تثار هنا أو هناك.
يأس التنظيم
يختلط الأمر على تنظيم داعش الإرهابي، وعلى غيره من المغرضين، حين يظنون أن الوضع في المملكة شبيه بالوضع في العراق أو سورية أو غيرهما من البلدان المتداعية أمنيا. من حيث سهولة الإخلال بالوضع الأمني أو من حيث القدرة على الاستفزاز والتحريض بين السنة والشيعة. فالمملكة محصنة بقدرات جهاتها الأمنية من جهة، وبترابطها الشعبي الذي يدرك تماما أن وحدة الصف وسلامته هي الأبقى. مهما حاولت بعض الأصوات الشاذة، الادعاء بخلاف ذلك.العمليات الإرهابية، على مر تاريخ الوطن، اتخذت كيفيات متغيرة وأهدافا متباينة. ففي حين كان تنظيم القاعدة يركز على استهداف المنشآت السكنية للأجانب أو المنشآت الحكومية. مكرسا لمزيد من الفشل عملياتيا وفكريا. يأتي تنظيم داعش ليستهدف المساجد بغرض إثارة الفتنة الطائفية ولكنه أيضا لا يحصد سوى مزيد من الفشل، الذي اتضح جليا في تحوله النوعي من خلال هذه العملية الأخيرة. ففي حين اعتمد القتل ومن ثم الفرار في عملية الدالوة يعتمد التنظيم الإرهابي اليوم التفجير الانتحاري في دلالة مباشرة وأكيدة على اليأس الذي يتملك قياداته وأفراده تجاه أي محاولة للنجاة بمثل هذه الأفعال وهو ما أثبته بالفعل كثير من المواجهات السابقة التي لم تأخذ الكثير من الوقت، لكشف الجناة وكل من له علاقة بهم، من قريب أو من بعيد. وكان اللواء التركي قد لفت في وقت سابق "إلى أن النسبة الكبرى من النشاطات والجرائم ذات العلاقة بالتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تم التعامل معها خلال العام الماضي وحتى الآن ذات ارتباط بتنظيم داعش الإرهابي". مؤكدا تمكن الجهات الأمنية من الإطاحة في أوقات مختلفة بعناصر من الفئة الضالة "القاعدة وداعش" يبلغ عددهم 93 شخصاً من بينهم امرأة، وإحباط مخططاتهم الإجرامية قبل تمكنهم من تنفيذها.
خلف الكواليس
وبحسب كثير من التقارير الأمنية والصحفية لم يعد يخفى على كثيرين أن قيادات "داعش" الحقيقية التي تعمل من خلف الكواليس عبارة عن خليط من بقايا استخبارات أنظمة بائدة إضافة إلى أنظمة أخرى وعصابات فاسدة تصارع من أجل البقاء، اتخذوا من الطائفية وادعاء التدين وسيلة وستارة للتغرير بالسذج وتجنيد الأحداث، في حين الدين والأخلاق منهم براء. وفي سبيل ذلك تعمل شبكة إعلامية لا يستهان بها اليوم من أجل بث خطابات الكراهية بين المذاهب ومن أجل تمجيد مقولات وأعمال المتطرفين من الجانبين. شبكات إعلامية ضخمة وجدت في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الأخص "تويتر"، أداة يعول عليها بشكل لحظي ومستمر من أجل الاستقطاب والتجنيد، ليغيب عن المشهد الوسيط المستفيد، سواء كان من دول راعية للإرهاب أو ميليشيات مسلحة مدعومة من هذه الدول، فيما يظهر للعلن وتساق للموت شعوب تُستهدَف في شبابها ومواطنيها مرتين؛ مرة بالتحريض وأخرى بالقتل والتفجير.
خطوات استباقية
وفي إطار مواجهة مثل هذه الخطابات، والأفعال الإجرامية، في مهدها، وتفعيلا للأمر الملكي الذي يقضي بتجريم الانضمام إلى الجماعات المتطرفة والإرهابية وتجريم القتال في الخارج دعت المحكمة الجزائية السعودية المتخصصة، في وقت قريب سابق، لسجن متهم بعد إدانته بالسعي فقط للخروج إلى العراق والانضمام لتنظيم "داعش" وعزمه مبايعة أمير التنظيم، أربعة أعوام وستة أشهر. وقالت المحكمة إن "القاضي أدان المدعى عليه، بالسعي للخروج إلى العراق للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي وتواصله مع أشخاص خارج المملكة لهذا الغرض وعزمه على مبايعة أمير هذا التنظيم وشروعه في التنسيق لخروج الشباب إلى مناطق الصراع". إذ أدين هذا الشخص بحسب حكم المحكمة بـ "تخزينه وإرساله عن طريق جهاز الجوال الخاص به ما من شأنه المساس بالنظام العام، وتضليل الجهات الأمنية من خلال استخراج شريحة هاتف جوال بدون اسم للتواصل مع أشخاص خارج البلاد من أجل ترتيب أمر خروجه وآخرين معه".
جهود قانونية حكومية، وأخرى شعبية محلية، تعبر عن التضامن المطلوب، للحد من هذه الظواهر، قبل وقوعها وأخرى للتضامن بعد وقوعها، كما تسعى لمزيد، في مواجهة إرهاب عالمي لم يسلم من شره القريب والبعيد. إرهاب يسعى إلى نشر الفوضى والفتنة التي لا يمكن لمثل هذه التنظيمات أن تعيش بمعزل عنها. ولكن هذا ما يبقى تحقيقه بعيد المنال بالنسبة لبلاد ومواطنين يدركون نعمة الأمن والأمان التي يعيشونها وسط محيط مضطرب وحدود لا تزال لهذه اللحظة تتداعى بفعل القتل والصراع والتهجير.