لُعبة

.. في نصف نهائي مونديال 1982، إيطاليا تطرد البرازيل بثلاثية لا تنسى، آنذاك، نصبت البرازيل سيركا لكل الفرق التي قابلتها بقيادة زيكو ورفاقه، أسرف البرازيليون في تعذيب خصومهم وصدقوا أنهم روضوا الكرة، حتى جاء روسي ورفاقه الطليان لمواجهتهم, بعد المعركة العجيبة قال الأسطورة البيضاء زيكو: لا أعرف كيف انتصروا، لو أعيدت ألف مرة، لن يفوزوا”.
عام 2004, البرتغال تنظم النهائيات الأوروبية، تعبر إلى النهائي بعروض ماتعة، والخصم المغمور اليونان، لويس فيجو أضاع فرصا من كل مكان في الملعب، إحداها والمرمى فاغر الفاه مشدوها وكرته تتهادى للخارج, بعد المباراة فيجو يصرخ: “لا أصدق ما حدث, لن يفوزوا لو لعبوا معنا ألف مباراة أخرى”.
يمكن أن تفعل كل شيء على البساط الأخضر، وتتمنع الكرة عن الشباك المقابلة، وتتحول إلى شباكك..! الاستحواذ والتسديدات والتمريرات والسيطرة، كل ذلك هباء، ينساه الآخرون بعد هنيهات.
كرة القدم عجيبة غريبة، حسناء فاتنة، يغرها الثناء، تستمتع أحيانا بالتمنع وهي راغبة، وتستلذ بالعصيان وهي خاضعة، لا يمكن اختصار ما تفعله بالآخرين إلا بكلمة واحدة، إنها “لعبة”.
الأمثلة على غدر كرة القدم، أكثر من أن تحصى, وتعد, والثقة بكرة القدم أشبه بمن يضع ثقته في قاتل أخيه.
في ألعاب القوى يقول خبراؤها: لا مجال للمفاجآت، لأن اللعبة تعتمد على الأرقام. لا يمكن لمتسابق يتخلف بنصف دقيقة مثلا في كل سباقاته في العام أن يكسر نصف الدقيقة في النهائي، في كرة القدم لا شيء تعنيه الأرقام وبالذات في لقاءات مباريات الكؤوس”.
..إن قرأنا أرقام النصر والهلال هذا الموسم, يتفوق الأصفر في كل شيء، المواجهات الثنائية، ظفر بالبطولة الكبرى, هدافه تجاوز حاجز 20 هدفا، خسر في الموسم المحلي ثلاث مرات فقط، مقابل خمس للهلال، فاز أكثر، وتعادل أقل، هل يمكن أن تقتنع مباريات الكؤوس بكل هذا؟ لا والأمثلة كثيرة، حتى بين الغريمين ذاتهما.
في المواجهة الأخيرة لحساب الدوري، أدار الهلاليون المباراة بأسوأ قرارات ممكنة، كانت ليلة استعراضية بالنسبة لهم، وحولوها إلى مفصلية فخسروا كل شيء، حملوا أنفسهم أحمال غيرهم فسقطوا بالحملين.
..اليوم تتبدل الأحوال، الضغوط على الهلال أكثر من غريمه الأصفر المتوج باللقب الكبير، والاتعاظ باللقاء الأخير بين الفريقين تصرف حكيم من الجانبين. فهل يفعلان؟
إن لعب الهلال كما لعب النصر في مباراة الدور الثاني، فسيكسب، إن لعب بهدوء وتجرد من الروح الانتقامية، وتعامل مع الموقف مباراة كرة قدم فقط, فسيكسب، إن دلف النصراويون إلى المسرح برداء الخيلاء والإعجاب بالذات كبطل للبطولة الكبرى في الموسم، فسيخسر، وإن صدق أنه الأفضل في الموسم بناء على أرقامه فسيخسر.
كرة القدم لا تعترف بشيء، لا أسماء ولا أرقام ولا أمير أو غفير، كرة القدم لعبة تبدأ بالسيطرة على الذات قبل السيطرة عليها من أجل اتقاء مكرها، وتنتهي بدحرجتها بين الخشاب الثلاث، وما بين البداية والنهاية كثير من الكلام.. والكلام فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي