اللهجات السعودية
تحقق الدراسة التي وثّقها الدكتور سلمان الدرسوني عن اللهجات الدارجة والمتقادمة في المملكة، إنجازات مهمة.. أولها تأكيد التنوع الثقافي والحضاري والتاريخي للمنطقة، تنوع يمثل عامل قوة ودافعا للوحدة الوطنية.
أخرجت الدراسة اللهجات من المنظور الكوميدي في المجتمع إلى المنظور الأكاديمي، فتعدد اللهجات يؤكد "بانورامية" تاريخ وحضارة المنطقة، والاحتكاك بشعوب مختلفة في فواصل زمنية متعددة. هذا بطبيعة الحال يسمح للجميع بأن يراجعوا دراسة اللهجات ويربطوا بين مفرداتها وأساليب لفظها ومخارج الحروف وعلاقتها بما عاشته من أزمات وحروب وتواصل.
مهم جدا في هذه الدراسة أنها أبرزت العلاقة الوطيدة بين مكونات اللهجات في المملكة واللغة العربية الفصحى. أشار الباحث في غير مكان إلى كلمات وألفاظ وطرق نطق للحروف مربوطة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية واللغة العربية الفصحى.
لعل أغرب ما وجدته في مخرجات الدراسة ــــ وأنا لست متخصصا – أنها حصرت العدد في 23 لهجة محلية. هذا يُبنَى على معايير يعرفها المختصون، أتوقع أن يتجاوز عدد اللهجات ذلك بحكم التنوع الذي نعرفه عن مجتمعنا. يعني ذلك أن يبادر الباحث في التعريف بطريقته في البحث وتفصيل كيف وصل إلى هذا الرقم بالذات.
تمنحني معرفة بعض سكان الربع الخالي ومناطق شمال شرق المملكة ومناطق حدودية في جنوب وشرق المملكة بعض الحق في التساؤل: هل هذه المواقع خارج نطاق الدراسة أم أنها ربطت بمناطق أخرى؟ كل هذا أتوقع أن نقرأه في الدليل الذي يصدر قريبا بنسخته الإلكترونية.
تأتي أهمية أخرى لهذا الإصدار في أنه جاء في مرحلة تاريخية مهمة يميزها التواصل والتداخل بين سكان المملكة، بعد أن انتشر السكان على خريطة الوطن بأكمله، فذابت لهجات القادمين من مناطق معينة في مجموع المدن والحواضر التي انتقلوا إليها. حتى إنك تجد الأسماء مختلفة عند من يعيشون في المدن الكبيرة عن أقاربهم الذين ما زالوا يعيشون في مجتمعاتهم الأصلية.
إن التوثيق التاريخي لكل عناصر المجتمع ومكوناته أمر في غاية الأهمية. قد يكون هذا من الأمور التي لا تحظى باهتمام كبير لدينا، لكنها ــــ وبحكم التنوع الحضاري والاجتماعي في المملكة ــــ أساسية، ويكفي أننا نشاهد تاريخنا وحضارتنا ووثائقنا تجذب الكثيرين في متاحف ومعارض خارج الوطن، نقلت إليها في عصور سابقة بحكم وقوع المنطقة تحت حكم دول وخلافات متعددة.