خطيب الحرم: إرهابيون يغتالون المسلمين المتعبدين .. والمجتمع يزداد تماسكا

خطيب الحرم: إرهابيون يغتالون المسلمين المتعبدين .. والمجتمع يزداد تماسكا

تناولت خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي عديدا من الموضوعات، في مقدمتها شهر رمضان الذي لاح بريقه وقرب هلاله، وكيفية الاستعداد له واغتنام أيامه في طاعة الله، وأيضا الحديث عن الإرهاب والجماعات المتطرفة.
وأوضح الشيخ ابن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام أن شهر رمضان كنز المتقين، وبهجة السالكين وراحة المتعبدين، مؤكدا أن طاعة الله شرف، والوقوف بين يدي الله نعمة، واغتنام مواسم الخيرات منّة، وإن من لطف الله ورحمته أن عوّض بقصر الأعمار ما تدرك به أعمار المعمرين بمئات السنين، وذلك بمضاعفة الأجور لشرف الزمان، وشرف المكان، ومواسم الطاعات.
وقال ابن حميد "ومن الاستعداد لرمضان أيضا التوبة الصادقة النصوح، إقلاعا عن المعاصي، وندماً على فعلها، وعزما على عدم العودة إليها، وتوجها إلى فعل الخير، واستغلالُ مواسم الطاعات، والاستكثارُ من الأعمال الصالحات، من صيام، وصلاة، وصدقات، وقيام ليل، وقراءة قرآن، وذكر، ودعاء، وصلة رحم، وتفقد الأهل والذرية، وحفظ للوقت وبعد عن المشغلات والملهيات.
وإن من حسن الاستقبال تصفية القلب، وذلك بالصدق مع النفس ومع الناس، وحب الخير للجميع، والبعد عن أمراض القلوب، من الغل، والحقد، والحسد، والكبر، والغش، والغيبة، والنميمة.
وعبر ابن حميد عن أسفه لما تعيشه الأمة في بعض أقطارها ومواقعها من اضطراب وفتن، وقودها شباب استحوذت عليهم فيها جماعات متطرفة ومجموعات إرهابية بل مجموعات مشبوهة، استمرأوا القتل واستحلوا الحرمات. في حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "أن بين يدي الساعة لهرجا، قال: قلت يا رسول الله ما الهرج؟ قال: القتل: وليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته. فقال بعض القوم: ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم".
وأوضح ابن حميد أنما ذهبت العقول في تلك الفتن لأنها تظن أنها تعلم وهي لا تعلم، وتظن أنها تصلح وهي تفسد، وتظن أنها تنصر دين الله وهي تنتصر لأنفسها وأشخاصها وعصبيتها، وتنتصر لمن أزَّها وخدعها، أين العقول؟ فأي جهاد أو نصر في تفجير النفس في جموع المصلين داخل المساجد وهم يصلون صلاة الجمعة؟ أين هذا مع ما ورد من النهي في ديننا عن قتل الرهبان في كنائسهم، فكيف بقتل المصلين في المساجد وبيوت الله، ولقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح: "ومن دخل المسجد فهو آمن".
وأضاف "إن مما يشرح الصدر ويزيد الطمأنينة أن هذه البلاد الكريمة قد ابتليت بهذا النوع من المواجهات من قبل تنظيم القاعدة وخاضت الدولة لعدة سنوات حربا مفتوحة مع خلايا هذا التنظيم بكل توفيق واقتدار، من غير أن ينال ذلك من طمأنينة المواطن والمقيم، وأمنه، وتنميته، وتوفير العيش الكريم له، ولقد قال قائد هذه المعركة الباسل ولي العهد الأمين وزير الداخلية "إن المملكة واقفة بقوة ضد الإرهاب ولن تزعزعنا مثل هذه الحوادث، مررنا بحوادث أكبر والحمد لله، الوضع تحت السيطرة، وإن حدث شيء فسنتعامل معه في حينه".
وأبان أنه يجب أن يدرك مواطنو هذا البلد والمقيمون فيه أن من يملك الإيمان، والصبر، والعزم، والرؤية، والإرادة، فهو الظافر المنتصر -بإذن الله-.
وقال "إنهم يعلمون قوة هذه الدولة المباركة وصرامتها وحزمها ويقظتها، ودقة عملها، وجاهزيتها، وعالي تدريبها، ولله الحمد والمنة. ولكنهم يريدون بأعمالهم الحقيرة إشاعة الفوضى، وزرع الفتنة بين فئات الشعب وطبقاته، فعملهم عمل جبان، فهم يتسللون كاللصوص وقطاع الطرق ليغتالوا المسلمين المسالمين والمصلين المتعبدين، ولكنها مخذولة، وردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا، فلم ترَ إلا تماسك المجتمع بكل أطيافه ومذاهبه ضد هذه الأعمال المنكرة، لأن الجميع في مركب واحد.
وأكد الشيخ ابن حميد أنه مما ينبغي التنبه له والتنبيه إليه في هذا المقام الحذر من التصعيد بالكلام، والتنابز بالانتماءات، ونبش ما في بطون الكتب واستنطاق ما في المدونات مكتوبها ومسموعها، فهذا لا يزيد إلا وبالا وهو جدير بخرق السفينة، والتشويش على حسن المسيرة. وقال "إن من البلاء أن يكون أمن البلاد والعباد سلعة يتاجر بها مغرض، وفرصا ينتهزها مشبوه، ويسير في ركابها جاهل"، وقال "من الانتهازية الزعم بأن لمناهج التعليم أثرا في هذا الباب، أو الغمز واللمز بأهل العلم ومواقفهم. وقد علم الجميع أن هؤلاء الإرهابيين لا جنسية لهم ولا انتماء علميا لهم، فمناهجنا نهل منها كل أبنائنا وبناتنا في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها وأطرافها منذ قيام هذه الدولة المباركة، بل إن رجالات الدولة ووجهاءها ورجال أعمالها وأهل العلم والرأي والفكر فيهم كلهم أبناء هذه المناهج، أما الإرهابيون فانظروا في مواقع الفتن إنهم إلى كل جنسية ينتمون، إلى عربية وإسلامية وأجنبية، فأين تعلم هؤلاء؟ وعلى أي المناهج تربوا"؟
وقال "فانظروا نظر العاقل الحصيف إلى أحوال البلاد المضطربة من حولنا وما يعانيه أهلها من كَبَد العيش وبؤس الحياة، فالناصح المخلص لدينه ووطنه وأمته هو من يجمع الكلمة ولا يفرقها، ويدحر الفتن ولا يوقدها، ولا يقدم مصالحه الخاصة على مصلحة أمته ودينه ووطنه، قال تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ألا فاتقوا الله أيها الناس، واتقوا الله أيها الشباب، ولا تكونوا فريسة للشيطان وأعداء الدين والأمة، فيجتمع عليكم خزي الدنيا وعذاب الآخرة".
وفي المدينة المنورة عددّ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي جملة من أمارات الخيرية التي تميّز شخصية وصفات المؤمنين بالله حقاً، الذين سلكوا نهج الصالحين الأخيار على كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وقال في الخطبة أمس "إن فعل الخيرات مهمة الأنبياء وسمة الفالحين، لقوله تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ)، وفعل الخير يؤدي إلى استقامة حياة الفرد والمجتمع لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وأضاف "إن المؤمن لا يحتقر من الخير شيئاً مهما دقّ أو قل، لقوله سبحانه (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، وإننا أمة الإسلام على أي حال كنا، خير أمة أخرجت للناس، هذه الخيرية ليست تعصباً عرقياً أو لجنس غيرهم، مؤكدا أن الخيرية تلازم المؤمن في كل أحواله كلما كمل إيمانه، إذ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" .
وبيّن الشيخ الثبيتي أن الخيرية تكون للمؤمن القوي، حيث قال -صلى الله عليه وسلم- "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"، فالمطلوب من المؤمن أن يملك قوة في البدن، وقوة في الحق، ومن الخيرية التحلي بحسن الخلق، لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- "خياركم أحسنكم أخلاقاً الموطأون أكنافاً".
وأوضح أن من أعمال الخير نفع الناس وخدمتهم، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس أنفعهم للناس"، وأن منفعة الناس كل الناس، تكون في إدخال الفرح والبهجة والسرور في قلوب المسلمين بزيارة أو هدية أو إكرام أولاده وإطعام الطعام، وكشف كرب المسلمين. ومن خيرية الأخيار أن يرجى منهم الخير ويؤمن منهم الشر، كما أن من أمارات الخير نظافة القلب، وصدق اللسان، حيث سئل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: من خير الناس؟ قال "ذو القلب المخموم، واللسان الصادق".
وقال فضيلته "إن من أمارات الخيرية طول العمر مع حسن العمل، وكذلك من أمارات الخيرية في الرجل حسن عشرته لأهله، لما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
كما أن من أمارات الخيرية في المرأة، التعفّف، ورداء العفة طهر ونقاء مع البعد عن الخلاعة والتبرج والتحلل والانحراف.
وأضاف أن من أمارات خيرية الأمراء محبة الناس لهم، لقوله -صلى الله عليه وسلم- "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشر أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم".
وأكد الشيخ الثبيتي أن من الفرص العظيمة لتنمية الخير الوافر في النفس والحياة، شهر رمضان المبارك، الذي لاح بريقه وقرب هلاله، وأزف إشرافه، يعيد للقلوب صفاءها بعد كدر الدنيا، وللنفوس جمالها بعد شواغل الحياة، وللضمائر نقاءها بعد لوثات الفتن، وهو موسم الخيرات، فيه ليلة خير من ألف شهر.
وقال "إن من أمارات الخيرية مرابطة الأبطال المجاهدين على الثغور، الذين يقارعون العدو ويقرعونه، وهم صامدون بإرادتهم، أقوياء بعزمهم، ونفوسهم ثقة وأمل بنصر قريب".

الأكثر قراءة