8 مليارات دولار استثمارات أجنبية مباشرة في 2014
شهدت السعودية خلال العام الماضي انخفاضا في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل للبلاد بنسبة 6.9 في المائة، مقارنة بعام 2013 الذي كان هو الآخر قد شهد انخفاضا عن العام الذي سبقه، وفي الواقع فإن انخفاض عام 2014 هو السابع على التوالي منذ عام 2008.
وكشف تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، أن السعودية جذبت في العام الماضي استثمارات أجنبية بقيمة 8.012 مليار دولار، أقل من الـ 9.298 مليار دولار التي جذبتها في عام 2013، أو ما يعادل انخفاضا بقيمة 1.286 مليار دولار خلال عام واحد.
وفي العام الماضي أيضا، احتفظت السعودية بموقعها في المركز الثالث بين دول منطقة غرب آسيا (13 دولة) بعد تركيا التي احتلت المركز الأول محققة استثمارات بلغت قيمتها 12.146 مليار دولار، بانخفاض قدره 1.7 في المائة عن عام 2013، والإمارات في المركز الثاني باستثمارات بلغت 10.1 مليار دولار، وقد سجلت هي الأخرى انخفاضا في حجم الاستثمار بنسبة 4 في المائة.
وكان النمو التركي متفاوتاً، لكن الحيازة العقارية في الأناضول، سجلت زيادة للسنة الثالثة على التوالي، وبمعدل أسرع 29 في المائة، ليصل الاستثمار في هذا الميدان وحده إلى أربعة مليارات دولار، أو ما يُعادل نسبة 25 في المائة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى تركيا في عام 2014.
وجاءت عُمان بعد السعودية في جذب الاستثمار (1.180 مليار دولار) بانخفاض قوي عن عام 2013 (1.626 مليار دولار)، ثم قطر خامسا (1.040 مليار دولار) بزيادة واضحة عن عام 2013 (840 مليون دولار)، ثُمَّ البحرين (957 مليون دولار) وهو رقم لا يبعد كثيرا عن عام 2013 (989 مليون)، بعد ذلك الكويت في المركز السابع (486 مليون دولار) أو أقل من ثلث ما جذبته في عام 2013 (1.434 مليار دولار).
وحافظت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى غرب آسيا، على انخفاضها في عام 2014 للسنة السادسة على التوالي، بانخفاض قدره 4 في المائة، ليصل إلى مبلغ 43 مليار دولار.
وعزت "أونكتاد" هذا الانخفاض المستمر إلى تعاقب الأزمات التي ضربت المنطقة، بدءا بتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية، متبوعا بسرعة اندلاع الاضطرابات السياسية التي اجتاحت بعض دول المنطقة، وتصاعدت لتتطور في بعض البلدان إلى صراعات، ما أدى إلى ردع الاستثمار الأجنبي المباشر ليس فقط في البلدان المتأثرة مباشرة ولكن أيضا في البلدان المجاورة وعبر المنطقة، حسب المنظمة الدولية.
وعلى نحو أكثر تخصيصا وفقا للتقرير، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر لا يزال راكدا حتى في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربي الست (−4 في المائة بمبلغ 22 مليار دولار)، على الرغم من أنها تتمتع باستقرار سياسي، وحافظت على نمو اقتصادي قوي في السنوات الأخيرة.
وأضاف، أنه رغم أن دول مجلس التعاون استحوذت على 61 في المائة من مجموع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى منطقة غرب آسيا خلال السنوات 2009 – 2014، إلا أنها فشلت في تحقيق تدفقات من الاستثمار الأجنبي المباشر أقوى مما حققته منذ 2009.
أما الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من غرب آسيا إلى الخارج، فقد انخفض أيضا بنسبة 6 في المائة في عام 2014، وهو انخفاض جاء منسجما مع تقلص تدفقات الاستثمار العالمية إلى الخارج عموما التي تراجعت بنسبة 21 في المائة أو ما يُعادل 13 مليار دولار.
وكانت الكويت أكبر مستثمر على صعيد الاستثمارات الخارجة من البلاد بين دول منطقة غرب آسيا، باستثمارات بلغت 13.108 مليار دولار، ثم قطر (6.748 مليار دولار)، وتركيا (6.658 مليار)، بعدها السعودية في المركز الرابع (5.396 مليار دولار)، والإمارات (3.072 مليار) وعمان (1.164 مليار).
وجاء هذا الترتيب مطابقا لترتيب الدول ذاتها في العام الماضي، وعموما، سجل الاستثمار السعودي في خارج البلاد تقدما للعام الثالث على التوالي.
وأشار التقرير إلى أن الوزن المتزايد للاستثمار العام كان أكثر وضوحا في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تم ترجمته إلى نمو أعمال الإنشاءات والبناء الحكومية التي تركزت أساسا على تطوير البنية التحتية وفي قطاعات النفط والغاز.
ومن النقاط المنيرة في الاستثمار الخليجي، حسب التقرير، أن إنفاق رأس المال كان أعلى من حيث الحصة من الناتج المحلي الإجمالي في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2009 و2014، لكن النقطة السلبية الوحيدة في ذلك أن مشاركة القطاع العام من إجمالي الاستثمارات سجلت زيادة كبيرة على حساب القطاع الخاص ـ في جميع دول مجلس التعاون ما عدا دولة الإمارات العربية المتحدة – لتصل إلى 40 في المائة تقريبا.
وأوضح التقرير، أن إنفاق رأس المال قد تُرجم إلى طفرة بناء تختلف عن تلك التي جرت في وقت مبكر من العقد السابق، وأن السعودية كانت الكُبرى في المنطقة في منحها عقود البناء، وأن المشاريع السكنية والتجارية الضخمة هي التي حددت ملامح الطفرة الأكثر حيوية في الإمارات، التي قابلتها مشاريع ضخمة تقودها الحكومة في البنية التحتية في مجال النفط والغاز، ولاسيما في السعودية وقطر.
وتابع التقرير، أن السعودية وقطر نفذتا خططا طموحة لتطوير البنية التحتية والتنمية، مع تركيز متزايد على مشاريع السكك الحديدية، مستدلا بأنه في عام 2013 تم منح أكثر من 30 مليار دولار قيمة عقود مشاريع مترو الرياض والدوحة وحدها، حيث إن الجزء المتعلق بالمباني السكنية والتجارية، المملوكة للقطاع الخاص قد أصيبت بأزمة إلى حد كبير، ولم يتمكن من إعادة انتعاشه حتى عام 2013.
وتكشف أرقام التقرير، أنه من مجموع 157 مليار دولار قيمة العقود التي منحتها دول مجلس التعاون الخليجي، خصصت السعودية 66 مليار دولار، والإمارات 52 مليارا، وقطر 22 مليارا، و17 مليار دولار للكويت والبحرين وعمان.
وفيما يتعلق بمنح العقود، فهي تحت تعد هيمنة شركات المقاولات المحلية، وإن كان للمقاولين الأجانب الغلبة من حيث المشاريع قيد التنفيذ.
ويكشف التقرير، أن شركات المقاولات المحلية حصلت على أكثر من 62 في المائة من مبلغ الـ 88 مليار دولار قيمة العقود الممنوحة في عام 2013 (أحدث البيانات المتاحة) إلى أكبر المقاولين في كل بلد من بلدان الخليج الست وعبر جميع القطاعات، ومع ذلك، فإن المقاولين الأجانب يسيطرون على المشاريع الجارية التنفيذ حاليا.
واستدل التقرير على ذلك، بأن حصة الشركات الأجنبية في قيمة العقود الممنوحة لأكبر عشرة مشاريع في السعودية كانت تُمثِّل 48 في المائة في عام 2013، ولكن المتعاقدين الأجانب يملكون 53 في المائة من قيمة أكبر عشرة مشاريع قيد التنفيذ اعتبارا من حزيران (يونيو) من هذا العام.
والفرق أكبر حجما في الإمارات، ثاني أكبر سوق في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث فازت الشركات الأجنبية بـ 31 في المائة فقط من قيمة العقود الممنوحة للمقاولين في أكبر عشرة مشاريع في عام 2013، لكنها تملك 88 في المائة من قيمة أكبر عشرة مشاريع قيد التنفيذ اعتبارا من أيار (مايو) من هذا العام.
وتابع التقرير، أن هذا الاختلاف يمكن أن ينشأ من عدة عوامل مثل تأخر المقاول المحلي في التنفيذ، أو إلغاء العقود الممنوحة لشركات القطاع الخاص المحلية التي تكون قد واجهت تحديات في التمويل.
وتُظهر بيانات التقرير المتعلقة بالسعودية والإمارات، أنه في كلا البلدين الشركات الكورية الجنوبية هي من بين الشركات الأجنبية، التي تقوم بتنفيذ معظم أكبر عشرة مشاريع قيد التنفيذ حاليا.
ومع ذلك، فالشركات المحلية المهمة أيضا في السعودية مثل "مجموعة بن لادن" وهي واحدة من أكبر ثلاث شركات مقاولات سعودية، تستأثر بنسبة 23.1 في المائة من قيمة الأعمال التي يضطلع بها أكبر عشرة متعاقدين، بما يعادل الـ 80 مليار دولار، فيما تستحوذ شركة "الشولة للإنشاءات" على 7.7 في المائة، و"سعودي عوجر" على 7.2 في المائة.
وتابع التقرير، أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، ولاسيما في أعقاب اجتماع أوبك في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قد يكون أثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على سوق البناء في دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما في التخطيط لمشاريع النفط والغاز.
وأوضح، أن مشروعين قد تأثرا أصلا في قطر في كانون الثاني (يناير) 2015، بسبب هبوط أسعار النفط بعد إعلان شركة قطر للبترول وشركة شل الهولندية الملكية، عن إلغاء خطط لإقامة مشروع مشترك للبتروكيماويات بقيمة 6.5 مليار دولار في منطقة الكارانة، وإعلان شركة أرامكو السعودية عن إيقاف خطط لبناء مصنع للوقود النظيف بقيمة ملياري دولار في أكبر مصافيها في رأس تنورة.
ورجحت "أونكتاد"، أن يؤثر الضغط المالي الناجم عن هبوط أسعار النفط على الإنفاق الحكومي، المحرك الرئيس لسوق البناء. موضحة أن سلطنة عمان والسعودية قد خفضتا بالفعل نفقات رأس المال المخططة في ميزانيتيهما بحدود 11 و 25 في المائة، على التوالي؛ فيما سيتم تنقيح خطط الإنفاق إلى الأسفل في أبو ظبي، حيث يتوقع أن يتم تأخير منح عقود المشاريع الجديدة مثل شبكة السكك الحديدية، والمتاحف الوطنية.
لكن التقرير يقول من جهة أخرى، إن الاحتياطات المالية الضخمة لبلدان مجلس التعاون لا تزال تسمح بتحقيق زيادة في أنفاق الدولة. وقال إنه من الأرجح أن تُعطى الأولوية للمشاريع الجارية والاستراتيجية، بما في ذلك عدد من مشاريع البنية التحتية الكبيرة المرتبطة بكأس العالم 2022 في قطر، والمعرض العالمي في دبي عام 2020، وبرنامج بناء المساكن بأسعار معقولة بقيمة 66 مليار دولار في السعودية، والبنية التحتية لخطوط الأنابيب في قطر، وجميع هذه المشاريع صممت لتوفير المزيد من الفرص التجارية الرئيسة على المدى المتوسط.
وأشار التقرير إلى أنه في حالة استمرار ضعف أسعار النفط، فاستراتيجية دول مجلس التعاون الخليجي لدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي قد لا تكون سياسة قابلة للاستمرار على المدى الطويل، وعليه فالتنويع الاقتصادي الحقيقي هو أمرٌ حاسم لبلدان مجلس التعاون الخليجي لتقليص اعتماد النمو الاقتصادي على النفط.