أحياء جدة العتيقة تشارك الأهالي عيد الفطر بسيرة تاريخية للأجداد
بدأت أحياء محافظة جدة العتيقة الانخراط في فعاليات عيد الفطر المبارك، وفق نهج الآباء والأجداد، في خطوة تحاكي الماضي وتجسد للأجيال الحالية الحضارة والعراقة والتراث في أبهى صورها، سواءً من خلال تزيين المباني أو تنظيف وتهيئة مداخل الحارات وبعض الساحات لتقديم الألوان الشعبية التي عرفت بها جدة قديماً، كالأهازيج الفلكلورية في ليالي العيد مثل: لعب المزمار، والعجل الينبعاوي، والخبيتي، وغيرها من الألعاب الشعبية التي تستيقظ عليها أحياء عروس البحر الأحمر جدة مع دخول العيد السعيد.
من جهته قدم عميد عائلة آل باعشن الشيخ عبود بن أبو بكر باعشن نبذة تعريفية عن الاحتفاء بالعيد في جدة قديماً قائلاً "إن الاحتفاء بالعيد على ماضي الآباء والأجداد الذي تحييه الأحياء العتيقة في جدة يلبي رغبات كل الأعمار من أهالي الأحياء من الشباب والأطفال والنساء والرجال، فكلهم يعيشون هذه الفرحة التي تتكرر كل عام حيث يمعنون النظر في رؤية هذه اللوحات التراثية التي لا تدلل إلا على الحضارة والمخزون الثقافي السعودي".
#2#
وأضاف أن "أحياء جدة العتيقة من بداية حي النزلة إلى الهنداوية إلى الكندرة إلى العمارية وإلى أحياء جدة التاريخية العتيقة تحتفي في العيد بهذه الألعاب الشعبية القديمة التي تعتمد على أنغام وكلمات حجازية يرددها ويرقص عليها شباب الحي، حيث تجسد تلك الألعاب قرب أبناء الحي من بعضهم، وعادة ما تكون بدون تكلف لكي يفرح بها الجميع ومع تلك الألعاب يقدم سكان الحي عدداً من العيديات "المبالغ المالية الرمزية" للأطفال لرسم البسمة على وجوههم وهم يسعدون بها ويشاركون محبيهم في الإيقاعات الشعبية".
من جانبها أوضحت مها بنت عبود باعشن الأديبة والمتخصصة في شأن المنطقة التاريخية في جدة أن أحياء جدة العتيقة هي القلب النابض التي تشتاق جدة دائماً للتراث وعراقة الماضي بكل تفاصيله لتبحر من خلاله في أعماق أبنائها لربطهم بحياة آبائهم وأجدادهم وتذكيرهم بما كان يدور في فلكها من أفراح وأعياد لتتم إعادة الموروث التقليدي في زمن التقنية والحداثة.
وأشارت إلى أن من عادات أهالي جدة قديماً في العيد ما يزاول في الأحياء الشعبية بقيام عدد من الشباب في العشر الأواخر من رمضان بجمع مبالغ مالية من سكان الحي تُعرف بـ "القَطَّة" أو "العيدية" لإحياء أيام العيد الثلاثة التي اندثرت بمرور الزمن وتكون هذه العملية تحت إشراف أحد وجهاء الحي حيث تكون المشاركة حسب قدرة كل فرد ولا تكون إلزامية لبعض الأسر من ذوي الدخل المحدود.
وأضافت أن "الأطفال يلقون نصيبهم من احتفالات العيد عبر تنظيم المسابقات وبعض الألعاب التراثية ومنها لعبة "العصفور" التي تمارس من خلال وضع أحد الشباب في حفرة ودفنه بقليل من التراب ثم يسأل الطرف الآخر "معانا ولا مع القوم؟" وإن أجاب "مع القوم" تزاد كمية التراب المنهالة عليه حتى يقول "إنه معهم"، وكذلك لعبة "المعكيرة" التي تستخدم فيها قطعة قماش تبرم حتى تصبح نحيلة، ولعبة "الضاع" وهي حجر صغير يُخبأ من قِبَل أحد الفريقين الذي لا يتجاوز عددهم خمسة أفراد في كل فريق، وإن لم يتوصل الفريق إلى الإصبع الذي يحتوي على الحجر الصغير يضرب بقطعة قماش".
وأورد محمد بن عبدالله العمري المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في منطقة مكة المكرمة أن مثل هذه الاحتفالات في الأحياء العتيقة في جدة تنطلق بألوان غنائية شعبية بدءاً من المزمار والينبعاوي مروراً باللون البحري والخبيتي للتعريف بكثير من الألوان والرقصات الشعبية واستقطاب المقيمين، وحتى الزائرين من الحجاج والمعتمرين، خصوصاً أن جدة تمتلك كل المقومات السياحية من المورث والمواقع التاريخية التي جعلتها وجهة للزائرين.
وذكر عبدالصمد محمد عبدالصمد عمدة حارتي البحر واليمن، أن هذه الاحتفالات بالعيد تلقى حضوراً كبيراً من أهالي الأحياء وخارجها على مدى أيام العيد لإدخال الفرحة ورسم الابتسامة على وجوه الحضور بمشاركة فاعلة من الفرق الشعبية التي تتميز بتقديم العروض الفلكلورية، مشيراً إلى أن أحياء جدة العتيقة تتسابق فيما بينها في حشد أكبر عدد ممكن من الأهالي للمشاركة في فعاليات العيد وكرنفالاته الشعبية التي تقام سنوياً.
وقال ملاك باعيسى عمدة حارة الشام والمظلوم "إن أحياء جدة العتيقة ما زالت محافظة على مظاهر الحياة الاجتماعية القديمة التي كانت وما زالت تشتهر بها منذ القدم خصوصاً في مواسم الأعياد كالتواصل بين الجيران ومركاز العمدة والبسطات الموسمية التي أصبحت عادة تجذب أهالي وزوار جدة، في حين تضم حارة المظلوم أقدم مكان للترفيه في المملكة وهي "برحة العيدروس" التي يعود تاريخها لأكثر من 70 عاماً وتحيط بها المباني الأثرية القديمة التي تزيّنها الرياشين وتضم في أرجائها عديداً من ألعاب الأطفال التراثية التي يتم تحريكها يدوياً".