الاتفاق الأمريكي - الإيراني .. المؤشرات والتداعيات
لن تفهم تداعيات اتفاق الدول الكبرى بقيادة الولايات المتحدة (5 + 1) مع إيران، إذا اكتفيت بعقل واحد أو رؤية وحيدة.. الصورة أكثر التباسا، لذا تباينت ردود الأفعال للاتفاق الإيراني - الأمريكي، وظلت دول الشرق الأوسط هي الأكثر تنبؤا نحو تداعيات هذا الاتفاق. هل هو اتفاق نووي أم جيوسياسي؟ هذا ما سيكشفه قادم الأيام.
قد يعتقد البعض أن ملف التسلح النووي الإيراني شديد الوطأة على رؤوس أطرافه، وربما يعتقد البعض أنه يدفع لإشعال فتيل المنطقة، في حين أن التسلح النووي لا تتبين أي ملامح لمشروعه سوى التقويض بين أوضاع قلقة وغير مستقرة تشهدها إيران والمنطقة، وبين استدعاء الصراع حول المراكز والعلاقات والنفوذ.
لا شك أن التوجه الأمريكي في المنطقة بدا واضح الملامح في ظل غياب المشروع العربي؛ فالمحاولات الأمريكية لا تصب في خانة إيقاف التسلح النووي الإيراني، وإنما تعمل على مشاريع وأدوات تتصل بواقع أهدافها في المنطقة وتسعى للتأثير فيها.
الراصد للمشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة يدرك أن السلاح القانوني أصبح سمة بارزة في المشهد السياسي؛ فاجترار الأحداث يعكس لنا هذا التوجه، وربما كانت الحالة الإيرانية وفق المؤشرات الحالية تنبئ عن تطور المسار السياسي للمرحلة الانتقالية، ولو استشرفنا ما يقلق أمريكا فهي تسعى إلى تحالف مع إيران للسيطرة على القلق الأمريكي من أفغانستان والوضع المتأزم في العراق والشام، وفي الوقت ذاته ووفق الأجندة الأمريكية فهي تريد أن تجعل إيران سدها ضد التمدد الصيني ودحض التحالف الصيني الروسي الهندي، كما أنها تتطلع إلى الاستثمار في الغاز الإيراني وإيجاد دولة منافسة لروسيا تمد العالم بالغاز، ما يجعل المصالح الروسية - الإيرانية في مواجهة متعارضة.
من ضمن التداعيات التي ستشهدها المنطقة تعديل بعض الأنظمة التجارية والضريبية لإيجاد بيئة جذابة للاستثمار في إيران فتكلفة استخراج برميل النفط تصل إلى عشرة دولارات للبرميل وهو سعر مغر لشركات النفط في العودة والتنقيب عن البترول الذي توقف منذ بداية الحظر على إيران. كما أن إيران تعد رابع أكبر دولة تملك احتياطيا للنفط، فضلاً عن توظيف الأموال للتنمية.
في تقديري أن الأمر ليس مغريا لأصحاب القرار الإيراني، فالشعب الإيراني محتقن على الوضع الاقتصادي المتردي، وفي الوقت ذاته زالت الذريعة التي يستخدمها النظام في شأن تبرير الضعف الاقتصادي بعد أن يرتفع الحظر، ولو اختارت إيران الاستمرار في دعمها للإرهاب؛ فهذا بلا شك سيكون على حساب الانتعاش الاقتصادي، وهو ما يجعل النظام في مواجهة مع شعبه التواق إلى استعادة قدرته على صناعة عالمه الجديد، بعد أن عانى ويلات الحرب العراقية - الإيرانية.
ولذا فلا أرى قلقا من الاتفاق الإيراني الأمريكي على المدى البعيد، فإما أن تصبح إيران دولة اقتصادية ناعمة تنفتح اقتصادياً على دول الجوار، وإما أن تستمر في دعمها للإرهاب وهو ما سيكلفها الكثير ويذهب بكل مكتسباتها من هذا الاتفاق ويصبح النظام ومشروعه الخاسر الأكبر.
إن هذا الاستنتاج ليس مبعثه رد الفعل الدولي على اتفاق طهران وواشنطن، بل لأن ثمة محاولة لمحاصرة القوى الإيرانية التي كشفت الأيام أطماعها ووظفت نتائج الصراع في المنطقة لمصلحتها.
ولذا لا يلوح في الأفق نذر معركة عسكرية، إذ إن الدور الأمريكي هو إفشال مشروع وإحلال تحالف وليس ابتداع صيغة لإنقاذ المنطقة وإيران من مأزق محتمل.
لن تكون قضية الاتفاق الإيراني - الأمريكي سوى ملامح غاية في الاضطراب والبشاعة عندما يتبين القادم الخفي وانكشاف ما ورائه؛ فالاتفاق لم يعزز قيمة الحوار ولم يدعم الفكر حول تقليص التسلح النووي الإيراني ولم يخرج بتوافق كل الأطراف المعنية بعد اختلاف طويل ولم يقدم حلا جوهريا للمشكلة.