تنظيم الاعتكاف

ها قد فارقنا الشهر الكريم، وبدأ الجميع في تعديل ساعاتهم البيولوجية لتتناسب مع الجو الجديد، لفترة يعقبها مشروع آخر لتنظيم الساعة عند الموظفين خلال أيام، ويبقى المعلمون والمعلمات وطلبتهم في انتظار الدراسة لإعادة برمجة ساعاتهم.
أستغرب كيف أننا لا نستطيع أن نربط حياتنا بمسار معين لا يتغير سواء كنا في صيام أو إجازة أو عمل. يرى الكثيرون ذلك غير منطقي، لكنني أعتقد أن مجتمعنا يفقد الكثير من إنتاجيته وحيويته بسبب التغييرات التي يجريها الواحد منا على برنامجه اليومي بحكم الإجازة أو الصيام.
هذا الأمر يتكرر في كل مواقع الحياة وعند أغلب ـ إن لم يكن كل - المواطنين. لكنني استغربت أن ينتشر بين من يعتكفون في المساجد خلال شهر رمضان المبارك والعشر الأواخر بالذات. توقعت أن يكون المعتكفون مشغولين بالقراءة والذكر والمراجعة خلال النهار وبالصلاة خلال الليل.
فُوجئت وأنا أشاهد أن المسجد الذي أصلي فيه قد تحول بين عشية وضحاها إلى ما يشبه غرفة النوم لأحدهم، فعلّق ملابسه على جدار المسجد، ومنها الداخلية. آخر استتر من المصلين باستخدام رواق من الخيام، لكنه احتل برواقه ذلك ما يقارب ربع مساحة مكان الصلاة.
لم أفهم كيف سمح مسؤولو المسجد لذلك الرجل بتغيير معالم المسجد الذي بُني حديثا، والإساءة لشكله الجميل بربط الرواق بحبال في أعمدة المسجد الداخلية. لقد أساء هؤلاء إلى مفهوم رائع من مفاهيم الدين وهو الاعتكاف.
حدثني زميل يعيش في المدينة المنورة، فذكر الشكوى نفسها ممن اعتكفوا في مسجد الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم. معاناة تمثلها سلوكيات أشخاص وليس الكل. تناقلت بعضها وسائل التواصل الاجتماعي عندما أرتنا أشخاصا يجلسون وينامون بطريقة تسيء للمسجد وقيمته ومكانته في قلوب الناس.
آخرون ينامون أغلب النهار فيؤثرون في مَن يأتي لأداء الصلوات في المسجد. ثم يستمر النوم حتى يؤذن للصلاة، فيعوقون حركة مَن يرغبون في وضع سفر إفطار الصائم في المسجد.
تمكن بعض الجوامع من محاصرة هذه السلوكيات وتخليص المصلين من آثارها. جامع الراجحي ـــ على سبيل المثال ـــ يوفر غرفا وخدمات لا تعوق الصلاة وتسمح للمعتكفين بأن يعيشوا مكتفين خلال فترة اعتكافهم.
مثل هذا التنظيم سيفيد في كل المساجد، خصوصا الحرمين الشريفين. يجب أن نمنع تكرار هذه السلوكيات أو تفاقمها في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي