اعتذار «الخطوط»

يعاني مجتمعنا فقدان ثقافة الاعتذار. سلبية تجدها منتشرة بين الصغار والكبار، لدرجة أن الفرد منا يجد نفسه مخطئا ومقتنعا بخطئه، لكنه يتشنج عند إخراج كلمات الاعتذار.
هذه إشكالية تغرسها التربية التي تعد الخطأ ممنوعا، وترفض قبول الآخر بكل ما فيه من العيوب والمزايا. لكنها بالتأكيد ليست جزءا من ثقافة المسلم التي لخصها الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ بقوله "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
ومعنى "خطاء": كثير الخطأ. هذا يتوافق مع ثقافة التوبة عن الخطأ التي تحث عليها كثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، لكثرة حدوث الأخطاء من الإنسان بحكم تركيبته وشخصيته والمؤثرات التي تسيطر على قراراته وسلوكياته.
وما دامت هذه ثقافة إسلامية، فمن المستغرب أن نكون بهذه الحدة تجاه الخطأ. لعل الرغبة في الكمال هي ما يؤثر في تحول الناس باتجاه رفض قبول أن ينسب الخطأ لهم، لكن معرفة المجتمع وكثرة ما يسيطر عليه من المفاهيم البعيدة عن روح الدين تدفع باتجاه تصحيح تلك النظرة.
أقول هذا وأنا أتمنى أن أرى انتشار ثقافة الاعتذار وتقدير موقف المخالفين ومحاولة التعامل بالحسنى في قضايا الخلاف، وهو أمر يبدأ باعتراف الإنسان بأن الخطأ والتجاوز يحصل منه باستمرار كجزء من طبيعته البشرية.
نتعامل مع مؤسسات ذات حضور دولي، يطلع موظفوها على سيطرة ثقافة الاعتذار في مؤسسات مشابهة، ما ينشر التحفظ على عدم تبني تلك المؤسسات سلوكيات تقربها من الناس كما يفعل غيرها.
أخص بالحديث إلى الخطوط السعودية التي يمكن لكل متعامل معها أن يذكر من الأخطاء والتجاوزات الكثير. ورغم ذلك لا نجد من يقدم أبسط عبارات الاعتذار الذي يمكن أن يحد من ردود الأفعال السلبية لدى المتعاملين.
عندما يتأخر الإقلاع عند أي شركة أخرى ولو لعشر دقائق، تجد قائد الطائرة يقدم اعتذاره ويؤكد بذل جهده في تعويض ما فقد من وقت. هذا لا يحدث غالبا مع خطوطنا.
عندما تمر الرحلة بصعوبات تؤدي إلى إزعاج أو خوف الركاب فأنت لن تجد غالبا من يطمئنك أو يعتذر لك، وهو ما حدث مع الرحلة رقم 1463 من المدينة المنورة إلى جدة يوم 6 أغسطس. والأمثلة كثيرة.
أما ما يحدث في أرض المطار من مخالفات وإزعاجات وتأخير، فذلك أمر يحتاج إلى مقالات ومقالات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي