شركات النفط الكبرى تخوض «معركة بقاء» بخفض الإنفاق الاستثماري
يبدو أن شركات الطاقة الكبرى تخوض "معركة بقاء" عبر إجراء عمليات خفض لعمليات التشغيل والنفقات، والعمالة، وتعليق مشاريع النفط "عالي التكلفة" في المياه العميقة وبعض آبار النفط الصخري، حتى تتمكن من البقاء والتأقلم مع البيئة السعرية الجديدة للطاقة.
ويقدر مختصون أن تلك الشركات لجأت كرد فعل في العام الجاري إلى تخفيض النفقات الرأسمالية بأكثر من 100 مليار دولار عن طريق تأجيل أو إلغاء المشروعات الأكثر تعقيدا التي تحتاج إلى رأس مال ضخم.
ويقول كلوديو ديسكالزى رئيس شركة "اينى" الإيطالية العملاقة للنفط إنه مع انخفاض أسعار النفط طرحت العديد من الآليات المختلفة لمواجهة ظروف السوق وفي مقدمتها خفض الإنتاج من أجل دعم أسعار النفط، ولكن التقديرات الاقتصادية تشير لعدم جدوى ذلك في ضوء وفرة المعروض، حيث يمكن تعويض الخفض بسهولة من إنتاج النفط الصخري الزيتي الذي يتسم بتسارع عملية الإنتاج.
وأشار ديسكالزي إلى أنه عندما حدث انخفاض أسعار النفط كان واضحا للجميع أن صناعة النفط يجب أن تحل بعض مشاكلها من أجل تعزيز وتطوير مستويات الأداء، لافتاً إلى أن شركات النفط لجأت كرد فعل في العام الجاري إلى خفض النفقات الرأسمالية بنحو أكثر من 100 مليار دولار عن طريق تأجيل أو إلغاء المشروعات الأكثر تعقيدا، التي تحتاج إلى رأس مال ضخم.
وأضاف ديسكالزي- في تقرير دوري لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"- أنه يجب أن نكون على قناعة بأن أسعار النفط الخام لا تسير في خط بياني مستقيم، بل متعرج بمعنى انخفاضات وارتفاعات متعاقبة ومن المتوقع في ضوء التغيرات السوقية أن يسجل خام برنت القياسي مستويات منخفضة أقل بكثير عن السنوات الخمس الماضية.
وأشار ديسكالزي إلى أن النفط الخام يواجه كثيرا من التحديات لدعم النمو وزيادة الاستثمارات، خاصة أن السوق اعتاد لفترة طويلة على مستوى أسعار مرتفع مما مكنه من زيادة الإنتاج في الوقت الذي يتسم فيه النفط الصخري بأن دورة السوق لديه قصيرة ويمتلك مرونة أكبر في القرارات الإنتاجية والتفاعل السريع مع المتغيرات الاقتصادية وظروف السوق.
واعتبر رئيس "ايني" أن قطاع النفط والغاز شهد في السنوات الأخيرة مرحلة نمو الاستثمارات الكبيرة وزيادة الطاقة الإنتاجية إلا أن ذلك لم يتواكب مع نمو الطلب والاستهلاك.
وذكر ديسكالزي أن إجمالي الإنفاق على الاستكشاف والإنتاج في عام 2014 بلغ 700 مليار دولار وهو ما يعادل نحو 250 في المائة من حجم الاستكشاف والإنتاج منذ أكثر من عشر سنوات في حين أن الإنتاج العالمي كان خلال تلك الفترة قد زاد بنسبة 15 في المائة فقط.
ولفت ديسكالزي إلى أن الإنفاق الاستثماري في قطاع النفط في الولايات المتحدة زاد في العشر سنوات الأخيرة بنسبة 25 في المائة وأدى إلى زيادة إنتاج النفط بنسبة 75 في المائة بينما نجد في المصادر التقليدية أن الاستثمارات زادت في نفس الفترة بنسبة 200 في المائة بينما تراجع حجم الإنتاج بنسبة 10 في المائة.
وأشار ديسكالزي إلى أن نسبة مساهمة النفط الصخري في المعروض العالمي تزايدت على نحو واسع في السنوات الأخيرة فيما كانت زيادة الاستثمار في مجال الموارد التقليدية كبيرا وحجم الإنتاج أقل.
وقال ديسكالزي إن السبب في ذلك يرجع إلى أن شركات النفط الكبرى تحتاج دائما إلى تطوير استراتيجيات الاستثمار إلى جانب الاستعانة بالتكنولوجيات والتقنيات المتطورة والمعقدة في أغلب مشروعاتهم.
وبحسب ديسكالزي، فإن الشركات الكبرى تركز على الإنفاق في المشروعات ذات رؤوس الأموال الكبيرة مثل مشروعات الغاز الطبيعي المسال والإنتاج في مناطق القطب الشمالي وفى المناطق البرية والبحرية شديدة العمق.
وأكد ديسكالزي أن نقطة التعادل والتوازن الاقتصادي في هذه النوعية من المشروعات هي أن يكون سعر برميل النفط 90 دولارا مشيرا إلى أن ظروف السوق الراهنة كان لها أثر سلبى واسع على تلك المشروعات وزادت الأعباء والتكاليف وأدت إلى التأخر في إنجاز المشروعات ما بين ستة وتسعة أشهر كما أدت إلى زيادة الإنفاق بنسبة 30 في المائة.
ولفت ديسكالزي إلى تراجع نسبة الأرباح على الاستثمارات في قطاع النفط والغاز بنحو نصف قيمتها في حين قبل عشر سنوات كان العائد على رأس المال المستثمر في قطاع النفط والغاز يتراوح بين 15 و20 في المائة.
ومن جانبه، قال "الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، إن السوق لن يستمر في الانخفاض، بل من الطبيعي أن يرتد للارتفاع مرة أخرى رغم استمرار حالة وفرة المعروض، مشيرا إلى دور تراجع الدولار الأمريكي في دعم أسعار النفط خاصة مع تباطؤ وتيرة التضخم في الاقتصاد الأمريكي والغموض بشأن رفع الفائدة على الدولار واحتمال تأجيل هذه الخطوة .
وأشار ديبيش إلى أن تحسن مستويات الطلب العالمي قادمة بقوة وهو ما كشف عنه تراجع المخزونات النفطية الامريكية هذا الأسبوع على الرغم من التباطؤ والانكماش الذى يعانيهما أكبر اقتصادين مستهلكين للنفط، وهما الصين واليابان ولكن توقعات إيجابية قادمة من الدول النامية بفعل النمو السكاني وزيادة الاحتياج للطاقة لدعم برامج التنمية.
فيما اعتبر رالف فالتمان المختص النفطي أن انخفاض أسعار الطاقة يمثل دعما قويا للنمو الاقتصادي في عديد من دول العالم، مشيرا إلى أن النمو المطرد في الطلب العالمي سيرفع حجم الطلب إلى 100 مليون برميل يوميا خلال السنوات العشر المقبلة.
وأضاف فالتمان، أن تقلص الاستثمارات ظاهرة مقلقة خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تقلص الإنتاج الناجم عن الاستنزاف الطبيعي للآبار، التي تقدر التراجع بنحو خمسة أو ستة ملايين برميل يوميا من المعروض العالمي كل عام وهو ما يهدد برامج التنمية المستدامة وخطط تأمين إمدادات الطاقة في ضوء نمو متوقع ومتسارع في المقابل لمستويات الطلب.
وكانت أسعار النفط قد استقرت أمس قبيل صدور بيانات نفطية أمريكية من المتوقع أن تظهر تراجع مخزونات الخام والبنزين وهو ما أنعش آمالا بزيادة الطلب على الخام.
وعادت أسعار النفط للارتفاع النسبي بهدف تعويض الخسائر السابقة في حركة تصحيح ارتدادية من مستويات انخفاض قياسية سجلت على مدار الأيام السابقة .
وعزز اتجاه أسعار النفط نحو الارتفاع حدوث تراجع في سعر صرف الدولار الأمريكي أمام العملات الرئيسية لينهى موجة من المكاسب المتتالية استمرت على مدى الأسبوع الماضي ودعم الارتفاع أيضا انخفاض المخزونات النفطية الأمريكية وهو المؤشر الأبرز حول تحسن مستويات الطلب العالمي على النفط الخام.
وبحسب "رويترز"، فقد تماسكت الأسعار بعد موجة هبوط استمرت ستة أسابيع بفعل تخمة المعروض العالمي ومخاوف بشأن انخفاض الطلب في الاقتصادات الآسيوية والولايات المتحدة.
وكان متوسط التوقعات أن تنخفض مخزونات الخام التجارية الأمريكية بأقل قليلا من 800 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في 14 آب (أغسطس).
وقال معهد البترول الأمريكي إن مخزونات الخام الأمريكية هبطت بواقع 2.3 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 14 آب (أغسطس).
وتراجع سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في العقود الآجلة 25 سنتا إلى 42.37 دولار للبرميل، وينتهي اليوم التداول على عقود الخام الأمريكي الآجلة لشهر أيلول (سبتمبر).
وارتفع سعر خام برنت خمسة سنتات إلى 48.86 دولار للبرميل، وكانت أسعار النفط هبطت بنحو الثلث منذ حزيران (يونيو) وظلت الأسعار تتأرجح عندما يزيد قليلا إلى أدنى مستوى لها منذ ستة أعوام ونصف العام خلال الأسبوع الأخير، ويقول مختصون نفطيون إن الاتجاه النزولي سببه وفرة المعروض العالمي ومستويات المخزون القياسية.