محمد أسد في «الطريق إلى مكة» .. معرفته بالمؤسس وولعه بالصحراء
تحدثت في العدد السابق عن ليوبولد فايس، أو محمد أسد الاسم الذي عرف به بعد إسلامه، وعن كتابه "الطريق إلى مكة"، وفي هذا العدد نسلط الضوء على التاريخ السعودي من خلال كتاب محمد أسد، وما يضيفه للباحث من معلومات جديرة بالاهتمام.
بدأ بذكر رحلته إلى الجزيرة العربية عبر الصحراء إلى مكة المكرمة، وحددها بمدة 23 يوما من تاريخ 1351هــ/1932، فتحدث عن ولعه بالحياة التي يريد أن يعيشها وشاهدها في صحراء الجزيرة العربية، إلا أنه رأى أنها فقدت البساطة بعد اكتشاف النفط.
الملك عبد العزيز وعائلته في كتاب محمد أسد
ورد أول ذكر لاسم الملك عبد العزيز في كتابه عندما تحدث عن مهمة أوكلت إليه من قبله أنجزها وهو في طريق عودته، برفقة دليله زيد الشمري، وقد فصل فيها فيما بعد، فتطرق محمد أسد إلى تواضع الملك عبد العزيز، وتعامله البسيط مع رعيته إذ إن الرجال من حوله ينادونه باسمه دون ألقاب أو تكلف بطلب منه، أيضا لفت انتباه محمد أسد عطاء الملك عبد العزيز وكثرة الهدايا والهبات التي كان يمنحها لزواره وقاصديه، وتتنوع بين الخيول والهبات المادية من مال وفضة وذهب، وفي العادة تكون الهدايا الثمينة لرؤساء القبائل، حتى أنه وصف الملك قائلا: "لا يهدي من جيبه بل من قلبه".
وصف الملك عبد العزيز بالبسيط بسبب دعوته له بالصديق فقد بدأت علاقاتهما في أول لقاء مع الملك عبد العزيز في عام 1345هـ/ 1927، بعد دخوله في الإسلام بعدة أشهر، ووفاة زوجته.
قدم وصفا جميلا عن قصر الملك الذي يسكنه، عندما كان يلتقي بالحاج أجوس سالم الحاج الإندونيسي في قصر الملك عبد العزيز في الحجاز، والتقى أيضا الأمير فيصل بن عبد العزيز في مكتبة الحرم عندما كان نائبا عن والده في الحجاز، ووصف طلته البهية، وقد عرفه عليه أمين عام المكتبة، وتطرق في حديثه أيضا إلى الأمير سعود نائب الملك في نجد، وسياسة الملك عبد العزيز في الحكم إذا كان يبقى ستة أشهر في نجد والأخرى في الحجاز، وقد علق أسد على المخطوطات في مكتبة الحرم وعن عدم وجود المخطوطات الفارسية والتركية فيها.
تحدث عن السيارة التي أخذته لقصر الملك عبد العزيز مارا بشارع المعلاة التجاري، وهو مليء بالجمال والأسواق والسلع المتنوعة، وكأنه يعطينا تصورا أن السيارات بدأت تستخدم في تلك المدة وفي بلاط الحكم.
تحدث أسد عن طلبه من الملك عبد العزيز الموافقة على رحلة للجزيرة العربية فطلب الملك مرافقته إلى الرياض بالسيارة ولكنه طلب أن يسافر بالجمال كي يرى وجوه البدو، فقال الملك: البدو بسطاء والسفر مشقة، فانتقل بحديثه عن علاقة الملك عبد العزيز مع البدو.
#2#
بعد ذلك انتقل في حديثه عن حياة الملك عبد العزيز الخاصة، وتحدث عن زوجته الجوهرة أخت الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي، التي توفيت في سنة الرحمة 1337هـ/1919، وأنجبت له ابنيه الأمير محمد والملك خالد - رحمهما الله-، واستكمل حديثه عن علاقة الملك عبد العزيز مع والده، وسرد قصصا تدل على مدى حبه واحترامه له، ومنها ما ذكره: أن الملك عبد العزيز لا يطأ بقدمه غرفة من غرف القصر إذا كان والده في غرفة تحتها، فكتب أسد معبرا عن أسى الملك عبد العزيز أثناء سماعه خبر وفاة والده، واصفا حزنه الشديد ولمدة يومين اتخذ العزلة لينفرد بذاته، ثم تطرق بحديثه إلى عمته، أخت والده التي كان لكلماتها الوقع الكبير على نفسه ليسترد مكانة أسرته بعد الدولة السعودية الثانية.
بدأ أسد يتنقل بحديثه عن مجلس الملك عبد العزيز الخاص، الذي كان يقام بعد صلاة العشاء، إذ كان مجلسا مليئا بالأحاديث والعلماء وكتب التفسير، وأسد عرض ما قد يدور فيه من موضوعات كالأحلام مثلا، فأورد الأحلام التي تتحقق بعد أن كان يجلس في مجلس الملك عبد العزيز، ومعهم ولده الأمير سعود، فبدأ الحديث الأمير سعود بطرحه تساؤلات البدو حول شخصية محمد أسد هل هو جاسوس بريطاني؟ إذا أكد لهم أنه مسلم وما دون ذلك غير معلوم، وبعدها بدأ أسد يتحدث عن حلمه الذي نبأ بإسلامه، مبادلا الملك عبد العزيز في حديثه عن حلم قد حلمه وبه استطاع أن يعيد بها أمجاد أسرته.
لم يغب على محمد أسد الحديث عن الصعوبات التي واجهت الملك عبد العزيز في حياته السياسية، وضم البلدان تحت لوائه، فتحدث عن ضم الرياض، وضم الأحساء، وحسن تعامل الملك عبد العزيز مع الجند العثماني، وتعامله مع الدولة العثمانية، وضم حائل، وضم الحجاز، التي عدها محمد أسد من أعظم مراحل التوسع للملك، تعمق أسد في حديثه عن الإخوان، وذكر قصة لقائه بأحد الإخوان إذ كان دليلا مساعدا له ولمرافقيه في رحلته عبر الجزيرة العربية، حينما شاهد آلة التصوير وكاد أن يتركه وسط الصحراء، وأنقذته رسالة مختومة بختم الملك عبد العزيز تمنع التعدي عليه، بعدها تحدث بإسهاب عن مشكلة الإخوان ومعركة السبلة، وعن مشروع الملك في تأسيس الهجر، والمهمة التي أوكلت له من قبل الملك لاكتشاف إن كان هناك تمويل أجنبي من بريطانيا أو غيرها لزعزعة الحكم واستخدام بعض الإخوان لهذه المهمة.
أسهب في الحديث عن صفات قائد عربي مسلم يقود العالم العربي والإسلامي تحت إمرته ويخلصها من براثين الاستعمار والتفكك، وأشار إلى الملك عبد العزيز باعتباره مؤهلا لذلك، واصفا إياه بأنه صاحب فكر عميق، ومتطور بسعيه إلى تعليم أبناء شعبه وابتعاث عدد منهم لدارسة الاتصالات اللاسلكية، والطب والهندسة والعلوم.