إمام الحرم المكي: عصمة الدم أعلى درجات الأمن الدنيوي
قال الشيخ الدكتور سعود الشريم، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن التجرد يقي الأمة الفساد ويمنع عنها الفتن ويحقن دماء المعصومين ويحفظ أموالهم، داعيا المسلمين بتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، حيث إنها هي الرفيق المؤنس بعد الرحيل، من تلبّس بها ستر ومن اعتصم بها نجا من الهلكة.
وأضاف فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس، بالمسجد الحرام، لقد جمع الله لعباده في موسم الحج أنواع العبادة الثلاثة القولية والبدنية والمالية، ولعظم شأن هذه الأعمال الثلاثة كان من الحكمة أن سبقها تجّرد من عوالق الدنيا ونزع لما يكون سببا في جلب الصوارف عنها، فكان أول عمل يعمله الحاج قبل النية والتلبية أن يتجرد من لبس المخيط، وكأن في هذا التجرد إيذانا بالصفاء والخلو من الغش وفيه نزع لاعتبارات المظاهر على المخابر، وأن تقوى الله والقرب منه سبحانه وتعالى هما المعيار الحقيقي لذلك. وأشار إلى أن المرد في حقيقة التجرد يرجع إلى عنصرين رئيسين لا ثالث لهما أحدهما التجرد في الإخلاص والآخر التجرد في المتابعة، فتجرد الإخلاص ينفي كل شائبة من شوائب الشرك الأكبر والأصغر الخفي والجلي فإن من تجرد في إخلاصه لله لم يشرك معه غيره، موضحا أنه إذا تحقق هذان التجرّدان فلا تسألوا حين إذ عن حسن انتظام الناس في حياتهم العملية والقولية لأن من تجرد لله في إخلاصه ومتابعته فحري به أن يصيب الحكمة إذا نطق وأن يعدل إذا حكم وأن ينصف وأن يعرض عن اللغو إذا سمعه وأن يملأ الله قلبه بالحكم على الآخرين بالمنطق العدّلي لا العاطفي؛ فلا تمنعه عين الرضا عن الإقرار بالعيب والخطأ كما لا تدفعه عين السخط إلى التجّني والبهتان, مبينا أنه لو تحقق في الأمة هذان التجرّدان لما ظهر الفساد وكثرت الفتن وانتشرت البغضاء والشحناء والفرقة بين المؤمنين ولا سفكت دماؤهم واستبيحت أموالهم ولا رأينا في الناس مقاما لمن هو همّاز لمّاز مشّاء بنميم.
#2#
وأكد، إمام وخطيب المسجد الحرام، أن من أعظم الحقوق التي يجب المسارعة في التجرد الصحيح فيها هي دماء المسلمين فإنها حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وقال الصادق المصدوق "لا يحل دما امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثّيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة". رواه البخاري ومسلم.
وتساءل في خطبته بأي حق وأي تبرير يستبيح أحدنا دم أخيه المسلم وتزهق النفس البريئة ويعبث بانتظام الحياة الآمنة الهانئة ألا يعلم العابثون بالدماء أن عصمة الدم أعلى درجات الأمن الدنيوي فإذا ضاع فما سواه من صور الأمن أضيع؛ فمتى تصحو أمتنا من غفلتها لتعي خطورة ما يدمي القلوب ويبكي العيون من مآسي إخواننا المسلمين في كل مكان حيث تنتهك دماؤهم بغير حق من قبل عصابات طاغية معتدية وتحّل كل أنواع الإجرام من قتل وسلب وإخلال بأمن؛ فتبيح لنفسها الانقلاب والقتل والاستهتار بالأرواح وحقوق الجوار فأي خلق يحمل هؤلاء وأي ذمة يلقون بها الحكم العدل يوم لا ينفع مال ولا بنون يوم مجموع له الناس وهو يوم مشهود؟
#3#
وبيّن فضيلته أن أول ما يقضى في هذا اليوم المشهود الدماء فالويل ثم الويل لمن قدم على الله في ذلك اليوم وفي رقبته دم امرئ مسلم؛ فكيف بمن في رقبته مالا يحصى من الدماء المعصومة ذلك اليوم الذي سيحقق فيه قول الله ومن أصدق من الله قيلا: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّله عذابا عظيما".
وفي المدينة المنورة تحدث الشيخ عبدالباري الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة عن العلم وفضله وأهميته, موصيا فضيلته المسلمين بتقوى الله عز وجل.
وقال: العلم نور يضيء الطريق ويهدي السالكين وهو ركيزة التقدم والتطور والتنمية وسبيل النهوض بالعالم الإسلامي لبناء حضارة مشرقة واقتصاد متين وإنسان متزن, فضل العلم وأهميته مبسوط في كتب أهل العلم, ولعلنا نسلط الضوء في حديثنا على أمر قد نغفل عنه, عن القيمة الحقيقية للعلم, فهذه الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق والمباني التي تشيد, والعمل الدؤوب كلها تتعاقد لتحقيق الأثر المنشود والهدف الأسمى, وإذ أردنا معرفة فعالية المناهج وطرائق التعليم فعلينا قياس أثر التعليم في النفس والحياة والتنمية, وتقدم الأمم لا يقاس بكم المعلومات التي تحشى بها الرؤوس ولا بقدر المحفوظات التي تلوكها الأفواه, وإنما تقاس بأثر هذا العلم في السيرة والسريرة والحياة والتنمية.
وبين فضيلته أن الذي أضعف تأثير العلم وأفقده شيئا من قيمته أن جعل بعض المنتسبين له ثوبا يتجملون به وحلية يتفاخرون بشهاداتها, وسلما لبلوغ الجاه وتحصيل المال وإشباعا لشهوة خفية من حب الظهور والتفوق على الأقران أو طلبا لمحمدة. فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيّروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار)". وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي أن للعلم أثرا على الأخلاق التي هي مقياس رفعة الأمة, فالعلم وحده بلا تربية لا يصنع جيلا ناحجا, فإذا هذب العلم الخلق وقوم السلوك ونقى السريرة, وطهر السيرة فهذا هو العلم الناجح, متسائلا فضيلته عن قيمة العلم إذا كان الحسد متربعا في النفوس, والضغينة تملأ القلوب, وما قيمتة إذا كان صاحبه يبارز ربه بمحادة شرعة, ويخون دينه وأمته ووطنه, ويكذب في أعماله ومعاملاته, ويهتك جلال العلم بسوء سلوكه.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته لافتا إلى أن أثر العلم يظهر في البحث الذي يحقق الفائدة وينتج ثماره, ولا يكون مبلغ الباحث شهادة تقتنى, فالبحث المثمر هو الذي يقدم اختراعا يقدم البشرية, واكتشافا يسهل حياتها, وهو البحث الذي يتناول النوازل في الأمة ويعرض حكم الشرع فيها, والحلول لها, ويشخص واقع الأمة والمخاطر المحدقة بها, ويرسم مستقبلها, ويحدد معالم العز والتمكين.