اجتزاء صورة سورية

اجتزاء الصورة يعطيك نظرة خاطئة. لا تحاول اجتزاء الصور، رغم أن هذا الأمر شديد الإغراء، وهو مريح للغاية، وسائد بين الناس.
في المشهد السوري ــ مثلا ــ أسهمت صور اللاجئين الذين يعبرون البحر صوب أوروبا، إلى إعادة رسم الحكاية بشكل منفصل عن بداية القصة وأسبابها التي أفضت إلى ذلك.
والد الطفل الكردي السوري إيلان، الذي هزت صورته ضمير العالم، كان يطلب من العالم النظر إلى الصورة بشكل أفضل، لقد فقد الرجل طفليه وزوجته، وبقي هو يصارع الموج بعد أن تجرع موت أحبابه. الذين استقبلوا الخبر عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فأعادوا نسج صورة داخل الصورة لا تمت للحقيقة بأي صلة. لقد هزت الصورة كل الضمائر، وآلمتهم صور التشرد الكبير، والموت المتواصل في رحلة الهروب الكبرى صوب أوروبا.
ولكن هناك من لام بشكل مباشر دول الخليج العربي، فتحول الأمر إلى مشجب لخطايا آخرين. الحقيقة أن السعودية ودول عدة في الخليج العربي كانت سباقة في مبادرات لاستقبال اللاجئين واحتضانهم. ليس في ملاجئ، ولكن من خلال خطوات لم شمل بالأهل والأقارب. تم فتح المدارس والجامعات لأبنائهم وبناتهم، ثم إن السعودية كان لها يد أثيرة في تمويل بناء مخيمات للاجئين في الأردن ودعم اللاجئين في تركيا واستئجار شقق ووحدات سكنية ومدارس للاجئين في لبنان، هذا غير الدعم القوي للقضية السورية، والوقوف بصلابة ضد محاولات تقليص تضحيات الشعب السوري، والمساعي المتواصلة لاختطاف هذه التضحيات من خلال الصفويين أو غلاة المتطرفين من جبهة النصرة وداعش. قد يبدو الأفق مسدودا، ولكن لعل ضغوط الهجرة صوب أوروبا تكون عاملا ضاغطا للبحث عن حل يعيد تشكيل الصورة دون تجزيء، ودون إنكار للجهود النبيلة، ودون تخلٍّ من أبناء الوطن السوري عن أشقائهم، فبعض أولئك يعيشون على الهامش وكأن الأمر لا يعنيهم. ولنتذكر أن قاتل الطفل إيلان ليس شخصا غريبا، فالقتلة تجار حرب، بعضهم سوريون يفتحون قوارب الموت من تركيا صوب أوروبا بمقابل مادي، وليس لسبب إنساني.
إعادة رسم الصورة بشكل كامل مؤلم، ولكنه ضروري، والسوريون وسواهم من الذين يتخندقون حول لوحات مفاتيح الهاتف أو الكمبيوتر ويكيلون النقد والشتائم، ربما بعضهم لم يكلف نفسه عناء صرف ريال واحد للمؤسسات الرسمية التي تدعم المشردين السوريين، ولكنه يفضل أن يتاجر بالكلام ويكيل التهم هنا وهناك، ثم يضع رأسه على وسادة من حرير وينام.. إنه مجاهد سوري مترف، يريد أن يحارب الآخرون بالنيابة عنه، ويريد أن يبكي الآخرون عليه أكثر منه، ويريد أن يتجاهل إخوته اللاجئين دون أن يلومه أحد. وليست المعارضة بأفضل منهم، فكثير من معارضي الفنادق لا نفع لهم ولا أثر على حياة اللاجئين ولا على قضية سورية.
وهذا الخذلان أعطى مساحات أوسع لأشباه الرجال الآخرين من حزب الله وداعش وجبهة النصرة باحتلال البلد وإعطاء مبرر أقوى لمن يطالب ببقاء النظام الظالم، لأن البديل الجحيم وأبو جهل البغدادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي