تقويم التعليم
سعدت عندما علمت بتخريج عدد كبير من مقوِّمي التعليم العام. لعل هذه بداية لتكريس مبادئ المحاسبة والشفافية والحياد التي لا بد أن تكون نتيجتها النجاح. يمكن أن نستخلص من قرار هيئة تقويم التعليم العام البدء بتفعيل عمليات التقويم، أن التوجه أصبح جادا، وأن المعاملة ستبنى على المساواة بين كل الجهات الخاضعة للتقويم.
لكن بقية الخبر خالفت كل توقعاتي التي بنيتها عندما قرأت أوله. سيطبق التقويم على المدارس الخاصة بداية ثم على مدارس الحكومة. هنا بدأت إشكالية إمكانية تأثر الشفافية والمحاسبة الحقيقيتين. صحيح أن الهيئة تستطيع أن تطبق ما تريد من عقوبات بحق مدارس "البسطاء" الذين لا يملكون ما يحميهم من قرارات الهيئة، لكن هذا ليس بيت القصيد.
يعد القطاع الخاص أكثر القطاعات قابلية للتنظيم والإصلاح لأن طبيعته ومرجعيته يسمحان بذلك. لكن ماذا عن المدارس الحكومية التي تعاني الضعف البنيوي والتكلس الذي لا يسمح ــ أحيانا ــ بل يحارب التطوير والتغيير. ليس السبب مدير المدرسة أو أي من موظفيها، فهم موظفون ليس إلا، ولكنها البيروقراطية التي استحكمت في كل مفاصل العمل الحكومي لتحوله إلى كائن غير قادر على التفاعل، وتكرس فيه صفة خطيرة هي الخوف.
الخوف الذي يسيطر في المدارس على كل شيء، أصبح المسير للأنشطة، والمسيطر على التعامل مع المعلمين وأولياء الأمور والطلبة، لهذا فقدنا الكثير من المزايا التي كانت لمعلم ومدير ومدرسة الأمس. وعندما يسيطر الخوف تنتهي المبادرة، ويختفي أبطال التغيير الذين تبحث عنهم الوزارة.
أنصح الهيئة ــ قبل أن تصبح هي الأخرى ضحية لحالة الخوف هذه ــ أن تعيد النظر في برنامجها، وأن تواجه أصعب الامتحانات في البداية، لأن النجاح في البداية هو ما يضمن الاستمرار حتى النهاية.
إن كانت الصعوبة في مدارس الحكومة، فلنبدأ بها، ولنحدد حوافز بالدرجة الأولى للمدارس المثالية لتكون مرجعية في قياس الكفاءة، وتسهم في تحسين المستوى العام. من ضمن ذلك يمكن أن تنظم الهيئة حفلات تكريم للمدارس المثالية، ثم نفكر في العقوبات على المدارس المتخلفة عن ركب التفوق هذا.
وإذا كانت إشكالية مدارس القطاع الخاص في الشركات الكبرى، فلنبدأ بها لتكون عبرة للصغار ولنؤكد العدالة في التعامل مع الجميع.