هروب الفتيات

كان المجتمع بعيدا عن تأثيرات وسائل الإعلام والاتصال، فنشأت مجموعة القيم والمفاهيم المشتركة التي تميز الحياة آنذاك. كان الأطفال ينشَأون على القوانين والضوابط نفسها التي تحكم العلاقة مع الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والجيران والأزواج والزوجات، حتى تصل مكونات المجتمع إلى القناعة المطلوبة بما هو متوقع منها، فيوجهها المجتمع نحو تكوين الشخصية المناسبة للدور المطلوب، يجب أن يكون الرجل قويا، حكيما، حسن التصرف، وقادرا على التعامل مع الصعوبات التي تواجه الأسرة سواء كانت اقتصادية أو نفسية أو اجتماعية. تقوم الأسرة بتربيته وتنشئته على هذا الأساس لتغرس فيه هذه المواصفات.
يجب أن تكون المرأة ــ في الجهة الأخرى ــ حنونة، صابرة، تعمل بلا كلل، وتتفاعل مع التغييرات المفاجئة، وهذا ما تزرعه فيها تربيتها. ينطبق على بقية عناصر المجتمع من الأصدقاء والإخوة ورجال الحسبة ما ينطبق على العنصرين الأهم، ويتم تربيتهم بناء عليها.
يمكن أن يعد البعض هذه المفاهيم والمعايير جائرة، لكنها مقبولة في أغلب الحالات بالنسبة لمكونات المجتمع التي لا تعرف سوى البيئة التي تعيش فيها ومنها تكتسب قيمها.
إن التداخل السريع مع الحضارات الأخرى الذي نتج عن التواصل المباشر وغير المباشر، أنتج حالة من الرفض لمفاهيم المجتمع القديمة، بحكم التأثر بالآخر، وعدم قدرة مؤسسات المجتمع على تبرير مفاهيمها.
ترى اليوم حالة عدم التوازن في انتشار سلوكيات بين فئات سنية معينة، لا تعلمها الفئات الأخرى، حتى وإن كانوا يعيشون تحت سقف واحد.
مؤلم أن تنتشر في مجتمعنا سلبيات لم تكن معروفة لدى من سبقونا. نشأت هذه المخالفات بسبب المؤثرات الجديدة التي لم تكن موجودة في سنين مضت. هذه المؤثرات دفعت بالحياة الأسرية نحو حديَّة خطيرة.
تمثل ظاهرة هروب الفتيات شاهدا على هذه الحدية. لخص لقاء رعاية الفتيات في الأحساء أسبابها في ثماني نقاط. أغلب النقاط سببها عدم التوازن الناتج عن قناعة الفتيات بمفاهيم لا يستوعبها الوالدان. أمور كانت عادية في بيئة سابقة لكنها أصبحت مرفوضة في البيئة الجديدة. قسوة الآباء، وتعدد الزوجات، وإجبار الفتاة على الزواج بمن لا تريد، والحاجة المادية.
هذه التغييرات تسببت في كثير من الأمور الأخرى، منها الخلافات الزوجية الحادة وهي سبب مهم آخر لهروب الفتيات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي