«فولكسفاجن» تواجه خطر الإفلاس .. ولا تأثير على منطقة الخليج
بات في حكم المؤكد أن تشهد صناعة السيارات في العالم، سواء في القارة الأوروبية أو الولايات المتحدة أو آسيا، هزة عنيفة خلال الأسابيع المقبلة.
فقد كان إقرار ميتشال هورن الرئيس التنفيذي لشركة فولكسفاجن في أمريكا بأن الشركة تلاعبت في اختبارات انبعاث عوادم سيارات الديزل، كفيلا بأن يحتل هذا الخبر العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام الدولية، وأن تؤثر في قيمة أسهم الشركة التي تعد ثاني أكبر منتج للسيارات في العالم.
وتراجعت القيمة السوقية للشركة بأكثر من 25 في المائة من قيمتها، وسط توقعات أولية بأن تتحمل غرامة مالية تقدر بـ 18 مليار دولار، إضافة إلى توجيه اتهامات جنائية لمجلس الإدارة قد تسفر عن حبس عدد من كبار المسؤولين فيها.
فضلا عن دعاوى قضائية جماعية من المشترين والأضرار التي ستلحق بسمعتها؛ إذ يقول المسؤولون الأمريكيون إنها ضللتهم لأكثر من عام.
وتتهم السلطات "فولكسفاجن"- التي ظلت تبث لعدة سنوات إعلانات تلفزيونية في الولايات المتحدة تباهي فيها بسيارات "الديزل النظيف" التي تنتجها- بالغش في نتائج الاختبارات منذ عام 2014 حيث يظهر الآن أن انبعاثات سياراتها فاقت الحدود المسموح بها في ولاية كاليفورنيا وعلى مستوى البلاد ككل.
كانت "فولكسفاجن" تعزو الانبعاثات الزائدة إلى "أسباب فنية متعددة" وظروف "غير متوقعة" عند الاستخدام الفعلي، وعمدت "فولكسفاجن" إلى تغيير ذلك التوضيح في أوائل أيلول (سبتمبر) عندما هددت وكالة حماية البيئة ومجلس موارد الهواء في كاليفورنيا بحجب شهادة الاعتماد عن طرز الديزل لعام 2016.
ولكن لماذا تعد هذه القضية قضية حساسة في مجال صناعة السيارات؟ وما طبيعة التداعيات التي قد تنجم عنها؟
ويعتبر يل جبسون نائب المدير التنفيذي في شركة "آستون مارتن" لصناعة السيارات أن ما حدث يمثل شرخا في العلاقة بين الحكومات وشركات إنتاج السيارات، إضافة إلى فقدان المستهلك للثقة في تلك الصناعة، وهو ما سيترك بصمات سلبية على الطلب المستقبلي على السيارات ومعدلات النمو في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي.
وأوضح جبسون لـ"الاقتصادية"، أننا لسنا أمام خلل في المقاعد أو التصميم أو المكابح، نحن الآن أمام عملية غش متعمد، يؤدي إلى تلوث البيئة بما قد ينجم عنه وفاة الأشخاص.
وأشار إلى أن تلك الفضيحة يمكن أن نرصدها على أكثر من مستوى، فهناك الاصطدام المقبل بين مصنعي السيارات والحكومات، فموضوع مكافحة التلوث في مقدمة البرامج الحكومية على مستوى العالم كله، كما أن الدول تنفق المليارات سنويا لمكافحة التلوث، ومن ثم ما قامت به "فولكسفاجن" يتناقض تماما مع الاتجاه العام ليس فقط في أمريكا ولكن عبر العالم.
وأضاف جبسون أن المشكلة الثانية التي أتوقع أنه إذا اتسع نطاقها فإن الشركة يمكن أن تفلس أو تنهار، وهي التعويضات التي سيكون عليها دفعها، ليس فقط كغرامات بالنسبة للحكومات المختلفة، ولكن أيضا من قبل عشرات إن لم يكن المئات أو الآلاف من القضايا التي سترفع على الشركة من مواطنين في بلدان مختلفة لطلب تعويضات نتيجة إصابتهم بأمراض من جراء التلوث الناجم عن سيارات "فولكسفاجن".
الشعور بالخطر المقبل لم يكن حصرا على شركة "فولكسفاجن"، بل امتد إلى غيرها من السيارات خاصة السيارات ألمانية الصنع، فالولايات المتحدة وأوروبا وبعض البلدان الآسيوية في مقدمتها كوريا الجنوبية قررت فتح تحقيق شامل وإجراء اختبارات يتوقع المختصون أن تطول في نهاية المطاف عديدا من الشركات المنتجة للسيارات في العالم. ويشرح روجر جوسي المختص بصناعة السيارات والاستشاري في مجال قياس الغازات المنبعثة من السيارات ما قامت به "فولكسفاجن" بأنها ثبتت برنامج كمبيوتر بطريقة غير مشروعة خلال عملية الاختبار على الغازات المنبعثة من السيارات الديزل، وبذلك استطاعت خداع الجهات المسؤولة عن عملية الفحص، ما يسمح لسياراتها بإنتاج ما يصل إلى 40 ضعف المعدل المسموح به، وبالطبع هذا سيتطلب فحص كل أنواع السيارات المنتجة من "فولكسفاجن"، وسيمتد الفحص ليشمل كل أنواع السيارات الألمانية.
وأشار جوسي إلى أنه من المرجح أنه طبقاً لضغط الرأي العام فإن كل دولة ستسعى إلى تطمين مواطنيها بتوسيع نطاق التحقيقات، ليشمل كل أنواع السيارات المنتجة لديها سواء كانت ديزلا أو بنزينا.
وتعد صناعة السيارات في القارة الأوروبية الأكثر عرضة لأن تتأثر بهذه الفضيحة، فعمليات الفحص على الغازات المنبعثة من السيارات تتم قبل بدء عملية الإنتاج على نطاق واسع، وعلى الرغم من أن الشركات التي تقيس معدل الغازات المنبعثة شركات خاصة ومنفصلة عن الشركات المنتجة، إلا أن مصانع إنتاج السيارات هي التي تدفع التكلفة المالية للشركات المسؤولة عن عملية الاختبار، وهو ما يتيح الفرصة لوجود شائبة فساد.
ومع هذا فإن مارك لستنج من اتحاد صناعة وتجارة السيارات البريطانية، يستبعد أن تكشف التحقيقات عن وجود عمليات غش أوروبية مماثلة لما قامت به شركة فولسفاجن الألمانية، لكنه يشير إلى جوانب قصور في الاختبارات الأوروبية على معدل الغازات المنبعث من السيارات.
وقال لستنج لـ"الاقتصادية"، إن عمليات الفحص تتم وفقا لأساليب شديدة الصرامة ومعايير عالية محددة من قبل الاتحاد الأوروبي، ولكن الأساليب والوسائل المستخدمة في أوروبا قديمة وغير محدثة مقارنة بالولايات المتحدة وبعض البلدان الآسيوية مثل كوريا الجنوبية.
وإذا كانت شركة فولكسفاجن قد قامت باستعادة نحو نصف مليون سيارة تستخدم الديزل من الأسواق الأمريكية، كما يحتمل أن تقوم بإجراءات مماثلة في أوروبا فإن السؤال هو: هل ستقوم بتدابير مماثلة في العالم العربي وتحديدا في منطقة الخليج العربي؟
يعتقد الدكتور محمد الناصر المحلل الاقتصادي المقيم في لندن، أن الشركة الألمانية لن تقوم بخطوات مماثلة في العالم العربي وتحديدا في منطقة الخليج، ففي أوروبا بحد قوله نصف السيارات المبيعة حديثا تسير بالديزل، وفي أمريكا النسبة تبلغ 3 في المائة، أما في المنطقة العربية وتحديدا منطقة الخليج العربي فإن السيارات التي تستخدم الديزل غير ذائعة الانتشار في مجال الاستخدام الشخصي أو الخاص، ولكن في مجال سيارات الشحن والسيارات التجارية فإنها أكثر شيوعا، ومن ثم قد يضعف هذا من اهتمام شركة فولكسفاجن بمعالجة هذه القضية في العالم العربي.
وبحسب "رويترز"، فقد تراجعت أسهم شركة صناعة السيارات الألمانية إلى مستوى منخفض جديد في ثلاث سنوات خلال المعاملات المبكرة أمس بعد أن هوت 19 في المائة أمس الأول.
ويقول بعض المحللين إنه قد يتعين رحيل فينتركورن الذي تخطى في الآونة الأخيرة تحديا واجهته قيادته بمغادرة رئيس مجلس الإدارة فردناند بيش بعد فترة طويلة في المنصب.
ويشرف فينتركورن على أنشطة البحث والتطوير وأدار العلامة التجارية الرئيسة فولكسفاجن بين 2007 و2015 وهو ما يغطي الفترة التي جرى خلالها اكتشاف مخالفة بعض السيارات لقواعد الهواء النظيف الأمريكية.
وقال المكتب الاتحادي للطرق في سويسرا إنه يجري تحقيقا بشأن ما إذا كان نوع سيارات الديزل نفسه التي باعتها "فولكسفاجن" في الولايات المتحدة قد بيع أيضا في سويسرا مضيفا أن النتائج ستصدر خلال أيام.