شخصية المملكة العربية السعودية

الحديث عن شخصية المملكة العربية السعودية؛ ذو شجون. إذ نستحضر من خلاله صورا ثرية عن وطن يمتد تاريخه وحضارته، آلاف السنين. هذا الميراث الثري تمازجت من خلاله حضارات الكون، تاركة تضاريسها على امتداد الوطن السعودي الشامخ. ولعل الرسوم الصخرية المكتشفة في حائل أحد آخر الشواهد على فاعلية إنسان وتضاريس هذه الأرض في المعطى الإنساني والحضاري.
حتى فترة غير بعيدة، كان هناك فهم خاطئ، أسهمت في تكريسه الصحوة الخاطئة، التي كانت تتوخى بقصد سيئ قطع العلاقة مع الإرث الإنساني والحضاري. وفي الوقت نفسه كانت تسعى إلى تعميم فكرة "جنسية المسلم عقيدته". استغلت هذه المقولة اتجاهات متطرفة، سعت بدأب إلى تهشيم فكرة الوطنية في بلدان عدة. ورسمت أبعادا أسهمت في تكريس التطرف، وأفرزت في فترات متتالية جملة من الأفكار المريضة على غرار ما أنتجه فكر جهيمان في مطلع القرن الهجري الحالي، ثم توالت منظومات الغلو والتطرف، فجاءت "القاعدة" متكئة على إلغاء فكرة الدولة الوطنية. ثم جاء "داعش" مضيفا إلى سوءات القاعدة كثيرا من السوء والأذى لصورة الإسلام ولفكرة الدولة الوطنية.
إن الأذى الذي تسببت فيه "القاعدة" و"داعش" وشخوصهما: أسامة بن لادن وأبو جهل البغدادي والمقدسي والظواهري وقبلهم جهيمان .. إلى آخره، لا يمكن نسيانه. كل هذه الشخوص، دخلت التاريخ زاعمة أنها تخدم فكرة الأمة، وتتوسل باستدعاء صور تاريخية تتوكأ عليها لبناء صورة مسخ، تكرس المتخيل، والطموح الدموي الذي يتحصن بجرائمه خلف ستار الدين، والدين منهم براء. فالمحصلة مزيد من التشويه للإسلام.
لقد كانت احتفالاتنا باليوم الوطني، تأتي في سنوات مضت على استحياء. هذه المسألة أوجدت فجوة بين وحدة هذا الوطن كمنجز عبقري، يتكئ على الإرث الحضاري الإنساني والإسلامي الثري الذي يتمتع به.
عندما تم إقرار إجازة اليوم الوطني، بدت التجربة مثيرة. تداخلت فكرة الاحتفالية في البدايات مع بعض الفوضى. كان الأمر طبيعيا. إذ إن الممانعة التي كان تؤسس لفكرة عولمة الوطنية، لم تترك للأفكار الناضجة عن الوطنية مساحة للنمو والتشكل.
اليوم بدأنا نتلمس ثمرات فكرة إعلاء قيم المواطنة. كانت هناك قرارات إيجابية مصاحبة، مثل إقرار مادة التربية الوطنية. لكن هذه الفكرة لا تزال تحتاج إلى مزيد من الجهد من وزارة التعليم.
إن التربية الوطنية ليست مقررا هامشيا، بل فكرة إبداعية، إذ لا يمكن ـــ مثلا ــــ عقلا ولا منطقا أن يبقى طالب أو طالبة طوال مراحله الدراسية في حالة غياب تام عن زيارة متاحفنا وآثارنا. ولا يمكن أن ينظر من يتصدى لتدريس التربية الوطنية بنوع من الحرج تجاه ترديد السلام الملكي، أو التنويه بأغنية وطنية جميلة على غرار "وطني الحبيب". ولا يمكن أن يجهل الجيل الجديد أدوار السعودية في خدمة قضايا العرب والمسلمين.
رغم الصعوبات التي تسببت فيها الصحوة الخاطئة، شهدت الشخصية السعودية تطورا مذهلا، تواكب مع المنجز التنموي والحضاري.
لقد كانت هناك أفكار خلاقة على غرار فكرة عيش السعودية، لكن لا تزال أمام هذه الفكرة مساحات مدهشة تستحق الإبراز.
إن توظيف السياحة في تكريس الوطنية فكرة إيجابية. وهذه تحتاج إلى أن يستحضر من يستثمر في هذه المنتجات، أهمية إعلاء فكرة الوطنية. وأبسط هذه الأمور، أن تحتل قنواتنا المحلية مكانا ضمن خيارات المشاهد، وأن يتم منع ظهور القنوات الفاشية والطائفية المتطرفة. أعلم أن هناك تنظيما خاصا بذلك، لكن الالتزام بها أقل من المأمول. كل عام والوطن وأبناؤه وقيادته في نمو ورفاهة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي