مذكرات ضابط عثماني في نجد
حسين حسني بن مصطفى، ضابط في الجيش العثماني، عمل في اليمن وبورسعيد والبصرة ثم نجد، وأصبح قائدا للقوة التركية المتنقلة في القصيم بعد مقتل قائدها حسن شكري بك في المعركة التي وقعت بالقرب من البكيرية سنة 1322 هــ - 1906 وبقي فيها أكثر من سنة ونصف، ثم عندما رأى أنه لا يستطيع القيام بعمله كقائد خاص في تحقيق ما كان يصبو إليه من إصلاح ذات البين بين القوات المتخاصمة في منطقة نجد فر من الجيش بمساعدة الأمير صالح الحسن المهنا في 20 شوال 1323 هــ متجها إلى الكويت والتقى الشيخ مبارك الصباح، ومن هناك اتجه إلى المحمرة حيث قابل نائب الشيخ خزعل حاكم المحمرة، ومنها إلى بومباي، تاركا حياته العسكرية التي قضى فيها 21 سنة طاف خلالها مختلف مناطق الجزيرة العربية.
#2#
ذهب بعد ذلك إلى القاهرة حيث كتب مذكراته هذه التي ترجمها إلى العربية الدكتور سهيل صابان تحت عنوان: "مذكرات ضابط عثماني في نجد، الأوضاع العامة في منطقة نجد".
وكان هذا الضابط يعارض سياسة الحكومة العثمانية في الجزيرة العربية وأورد المترجم عدة نقاط من كتابه تدل على ذلك منها:
1 – أن الدولة العثمانية لو اتبعت سياسة رشيدة في المنطقة (نجد) وتعاملت مع الأهالي تعاملا حسنا فإنهم سيردون عليها بالالتزام وأداء الواجبات.
2 – لو قامت الدولة بإجراء إصلاحات إدارية في المنطقة (نجد) فإن أوضاعها سوف تتحسن، ولن يكون هناك ما يؤدي إلى إراقة دماء.
3 – إن أهل المنطقة يمتازون بالالتزام بصلاة الجماعة، وعدم إبراز القبور، وبعيدون عن البدع والخرافات، بعكس ما يشاع عنهم.
وكما يقول المترجم فإن هذا الكتاب يعد من أهم المصادر التاريخية باللغة العثمانية عن منطقة نجد. وقد بقي الكتاب فترة طويلة مخفيا عن الأنظار في رفوف مكتبة بايزيد الدولية في إسطنبول وقد نشر الكتاب عام 1330 هــ - 1912 في مطبعة أبي الضياء في إسطنبول، وبعد أن عثر عليه الدكتور سهيل صابان قام بترجمته لينشر بالعربية لأول مرة عام 2003.
يقع الكتاب في ترجمته العربية في 100 صفحة، وهو مليء بالمعلومات المفيدة والأخبار الطريفة، وتأتي أهمية هذا الكتاب كما يذكر الدكتور صابان من خلال عدة نقاط:
1 – إيراد الإحصاءات المتعلقة بعدد السكان في منطقة نجد من بدو وحضر.
2 – معرفة المناطق السكنية من قرى ومدن في المنطقة، وعدد سكانها، ونوعية طراز المباني، وأشهر الأماكن فيها.
3 – معرفة المبالغ التي كانت تدفعها المنطقة للدولة العثمانية من زكاة وضرائب.
4 – معرفة الفنون والصناعات المحلية والمهن المنتشرة في المنطقة وأصول البيطرة لدى النجديين.
5 – ذكر العادات والتقاليد الكثيرة للنجديين في تعاملهم مع الناس، وفي أكلهم وشربهم وطرق معيشتهم، وفراستهم، وفي أصولهم المتبعة في الحرب والسلم وفي المشكلات التي تعترضهم في حياتهم اليومية.
6 – معرفة طرق المواصلات ووسائل النقل والتجارة في المنطقة.
7 – معرفة عدد الحجاج المارين بالمنطقة ووارداتهم اليومية.
8 – ذكر مزايا العرب النجباء – كما يسميهم المؤلف– من الكرم والشهامة وإكرام الضيف، وما يتحلى به النجديون من قناعة وتوكل، بل إن المؤلف لم يترك شاردة ولا واردة إلا ذكرها، فقد ذكر حتى أعلام القبائل وألوانها.
#3#
يبدأ الكتاب بمقدمة تحدث فيها حسين حسني عن تدخل الدولة العثمانية في الجزيرة العربية وموقف بعض أهالي نجد من ذلك، وبعد هذه المقدمة تحدث عن جغرافية نجد بشكل مفصل وأورد أسماء المدن والقرى فيها، ثم تحدث عن الطرق والمواصلات ووسائل النقل والمحصولات الزراعية والحيوانات الموجودة في نجد وكذلك الأشجار والنباتات والمعادن، ومناخ المنطقة.
أتبع ذلك بالحديث عن التجارة والصناعات وعدد السكان للحاضرة والبادية، كما وصف المساكن وطرق البناء، ثم تحدث عن المذاهب الدينية وتوسع في هذا الحديث، ثم تحدث عن المدارس والجنسية وأصول الإدارة والواردات والمصروفات.
لينتقل بعد ذلك إلى الحياة في نجد، وأخلاق سكان المنطقة وعاداتهم وتقاليدهم.
ثم تحدث عن سرعة البديهة والعرف في نجد والعادات المتبعة في الغزوات والحروب ثم تحدث عن العبيد، ووصف بعد ذلك أبراج المراقبة، ثم عرض سريعا لوسم الأبل وبعض أنواع الملابس وطرقها، أتبع ذلك بذكر الجراد وقال: "وتعد الجراد عندهم –أي أهل نجد– غذاء لذيذاً، ويعتبرونها فاكهة الصحراء فيأكلونها بشهية".
كما تكلم عن المأكولات والأطعمة في نجد وذكر أن النجديين لا يألفون الخضروات ما عدا أهل القصيم، وأن تناول الفواكه قبل الطعام يعم في هذه المنطقة، ولاحظ أن أهل نجد لا يأكلون الثوم. جاء بعد ذلك دور القهوة وطريقة طبخها وتقديمها.
أتبع ذلك بالإبل والمراكب التي توضع عليها، ومراعيها، وزينة الخيال، والنخوة العربية وصيحة الحرب وغزوات القبائل، وأعلام القبائل والمناطق .
ثم ذكر أن ملكية الأرض تكون بالقدم للقبيلة التي استوطنتها أولا وأورد قصة طريفة تدل على ذلك، ثم أبدى إعجابه بالقيافة وتتبع الأثر وذكر أن بين بدو نجد كثيرا من الخبراء المهرة في تعقب آثار الجرائم، وأورد حكاية حصلت في قرية الكهفة عندما قام شخص ذميم الخلق باختطاف فتاة وقتل أمها العجوز، وأن الأمير أرسل أحد البدو المهرة لتتبع أثره حتى وجدوه وأحضر للأمير وقتل.
تحدث بعدها عن قدرة النجديين على تحمل العطش وقوة ذاكرتهم وقدرتهم على الحفظ، ونظرهم الثاقب، ثم طريقتهم في إعلان الانتصار في المعركة. وعقد فصلا للحديث عن الأصول العامة للطبابة في نجد، وطرق الكي عندهم، وذكر أن الدولة العثمانية أرسلت طبيبين ماهرين إلى بغداد لدراسة أصول الكي إلا أنهم رجعوا دون أن يستفيدوا شيئا، ونصح دولته بأن ترسل أطباء شبابا ماهرين إلى شيوخ عنزة وشمر "ليقوموا بالتجول في هذه الصحاري مع البدو، وجلب المتخصصين، وتدقيق العمليات التي يقومون بها، والاطلاع عليها، ثم يقوم كل طبيب بتقديم تقريره". وكتب عن الأمراض وطرق علاجها في نجد وأورد معلومة غريبة إذ يقول: "إلا أن أهم العمليات الجراحية هو القيام بقطع الأمعاء وخيطها ووضعها في محلها، وهذه الطريقة من الجراحة اكتشفت حديثاً، واكتسب المكتشف في أوروبا شهرة كبيرة، على الرغم من أن هذه الطريقة كانت معلومة في نجد منذ آلاف السنين". ثم أورد طريقة الأطباء والجراحين في نجد بخيط أمعاء الإنسان.
ثم تكلم عن الخيول والبغال في نجد ومواصفاتها الجيدة والسيئة وطرق علاج الحيوانات، وبعض الأمراض التي تصيبها وكيفية علاجها. وتلاها حديث عن أصول الحرب في نجد والجزيرة وطرق القتال. وينتهي القسم المترجم من الكتاب بالحديث عن معركة الجيش العثماني مع آل سعدون.
هذا عرض سريع لمحتويات الكتاب، وهو كما ذكرت مليء بالفوائد والمعلومات المهمة.