50 جهة حكومية تدرس تحسين بيئة الاستثمار السعودية
كشف لـ"الاقتصادية" المهندس عبداللطيف العثمان؛ محافظ الهيئة العامة للاستثمار رئيس مجلس إدارة هيئة المدن الاقتصادية، عن دراسة مشتركة من أكثر من 50 جهة حكومية، لتحقيق نقلة نوعية في بيئة الاستثمار، والعمل على عدة مشاريع وأنظمة ستعلن مطلع العام المقبل، مشيراً إلى تصميم حوافز للقطاعات الجديدة التي ستركز عليها الهيئة. وقال العثمان إن مبادئ الحوكمة تقرر ثقة المستثمرين وترفع أداء الجهاز، في وقت تتمتع السعودية فيه بسوق مال تدار من هيئة سوق المال بكفاءة عالية، مبيناً أن معايير مؤشر حوكمة الشركات الذي أطلق أمس، سينظر في مدى التزام الشركات المدرجة في سوق الأسهم في المتطلبات الإلزامية ومدى التزامهم بتطبيق بعض المتطلبات الاختيارية.
وأضاف على هامش افتتاحه أعمال قمة الابتكار العالمي واجتماع اتحاد مجالس التنافسية، وسط حضور دولي ومحلي يمثلون أكثر من 27 دولة في العالم وكبرى الشركات العالمية ومتخصصين في الشأن الاقتصادي والاستثماري، أن "تحسين بيئة الاستثمار سباق حثيث، وخلال 18 شهرا قدمنا عديدا من التسهيلات، وفي نهاية العام سيتم تقليص عدد الوثائق". وأشار إلى أن هناك عدة أنظمة ومشاريع ستخرج لحيز الوجود قريبا جدا، لافتاً إلى وجود اهتمام للإسراع في إخراج الأنظمة لحيز الوجود بداية العام الجديد، وتحقيق إضافة ونقلة نوعية.
وحول الحوافز التي تقدمها المملكة للمستثمرين، أوضح أنها منافسة على المستوى الإقليمي، سواء في الإجراءات أو توفير الخدمات والأراضي والطاقة بأسعار منافسة، ملمحاً إلى وجود حوافز للمناطق الأقل نموا، مضيفاً أن "الفترة المقبلة عندما تُحدد القطاعات الجديدة من الضروري أن نصمم لها حوافز".
وقال العثمان خلال فعاليات قمة الابتكار العالمي، إن البقاء في الصدارة يتطلب دائماً فكراً متجدداً وعملا مشتركا من جانب القادة في القطاع الحكومي وقطاع الأعمال في جميع أرجاء العالم، حيث أزالت العولمة تلك الحواجز التقليدية التي كانت تقف حجر عثرة أمام أنشطة الأعمال.
وأوضح أن الشركات لم تعد مقيدة بموقعها الجغرافي في ظل وجود جيلٍ جديدٍ من رجال الأعمال ممن يحددون وجهة الابتكار العالمي، من خلال تلك الشركات الجديدة التي تبتكر التكنولوجيا المتطورة أو تستخدمها، ولا شك أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تتطلع لامتلاك جميع هذه المقومات شركات تتطلع للاستثمار في أسواق جديدة، ومشروعات شابة واعدة تصنع المستقبل للعالم.
وأضاف أنه "منذ انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2005، ونحن نعمل على زيادة قدرتنا التنافسية لجذب جيلٍ جديدٍ من الاستثمارات بهدف تنويع مصادر الاقتصاد إلى أن أضحى ذلك جهداً وهدفاً وطنياً، إننا في واقع الأمر نتواجد هنا في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ذلك المكان الذي يجسد حالة التحول المستمر الذي تشهده المملكة في هذه اللحظة".
وأشار محافظ هيئة الاستثمار إلى أن ميناء الملك عبد الله الموجود في مدينة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، يستعد ليصبح مركزا إقليمياً وعالمياً للنقل والتجارة, وهناك على الجانب الآخر من المدينة تقع محطة الحرمين، وهي واحدة من أربع محطات على شبكة السكك الحديدية عالية السرعة، كما أنها تُعد ثاني أهم خطوط النقل للشركات التي تتطلع لإقامة مشروعات في شبه الجزيرة العربية, ويحيط بهذا الميناء الوادي الصناعي في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية.
واستطرد "نظراً لقرب الوادي الصناعي من ميناء الملك عبد الله ولما لذلك من محفزات اقتصادية كبيرة، اختارت العديد من الشركات الرائدة في العالم إقامة العديد من المشروعات في هذا الوادي".
ولفت إلى أن هناك عديدا من القرارات التي سيتم الإعلان عنها قريباً، والتي تبعث برسالة إلى مجتمع الأعمال العالمي، مضمونها أن السعودية تفتح أبوابها لجميع أنشطة الأعمال.
وتابع، "ثانيًا رغم أننا نحتفظ بموقف مالي في غاية القوة مدعوماً بمخزون احتياطيٍ ثابتٍ وبدون ديون تقريبًا، فإننا نعترف بحاجتنا إلى تنويع مصادر اقتصادنا بعيداً عن النفط، كما ندرك الفوائد المترتبة على ذلك"، مضيفاً "وحتى نُوجد تلك البيئة، فإننا مستعدون لاستقبال الشركات الجديدة في مختلف القطاعات، لكننا نستهدف من خلال المبادرات الوطنية، عددًا من القطاعات، حيث نؤمن بأن المملكة لديها الكثير لتقدمه للمستثمرين، سواء من خلال الحوافر التشجيعية أو من خلال فرص الاستثمار المتنوعة".
وتعمل الهيئة العامة للاستثمار حاليًا مع عدد من الوزارات لتحفيز خطط الإنفاق السنوية لإيجاد فرصٍ للاستثمار، بهدف تشجيع الشركات الأجنبية على التواجد في السوق السعودية.
وخصصت الخطة الموحدة للاستثمار 140 مليار دولار للاستثمار في قطاع النقل، كما خصصت 180 مليار دولار للاستثمار في قطاع الرعاية الصحية، ومن المقرر إنفاق تلك المخصصات على مدار الأعوام العشرة المقبلة.
وأضاف، "ثالثًا لا نسعى لأن تُقاس قدرتنا على المنافسة من خلال الفرص والحوافز التي نقدمها فحسب، بل أيضًا من خلال التزامنا الواضح تجاه عملائنا بما نتخذه من إجراءات لأجلهم، ولمصلحتهم, ومن ثم فقد أصبحت مهمتنا تقديم خدمة فائقة ومتميزة للمستثمرين الفعليين والمحتملين على حدٍ سواء, ولتحقيق ذلك الهدف قمنا بتبسيط عملية استخراج تراخيص الاستثمار".
وأشار إلى أنه يمكن الآن استكمال جميع إجراءات الحصول على تلك التراخيص تقريبًا عبر الإنترنت، فبينما كان استخراج ترخيص الاستثمار في السابق يتطلب 12 وثيقة، فإنه لا يتطلب الآن سوى ثلاث وثائق فقط، إضافة إلى تقليص فترات الحصول على تلك التراخيص, وأصبح الفصل في جميع الطلبات الآن - بدءًا من تسلم الطلبات وانتهاءً باتخاذ القرار النهائي - لا يستغرق سوى أسبوع أو أقل.
وأوضح أن الجامعة أسست أكثر من 30 شركة فرعية حقق الكثير منها إنجازات علمية ضخمة في مجالات متنوعة، منها تحلية المياه والطاقة المتجددة، لافتاً إلى أن كل تلك الإنجازات تشهد على مساعدة الشركات المحلية والأجنبية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تحقيق النمو والازدهار في السعودية بسهولة ويسر، لافتا إلى أن إيجاد ذلك المزيج التنافسي المناسب من التشريعات والمحفزات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، هو عملية مستمرة في أي دولة. لكن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة تتمتع بإمكانية الاستفادة من مئات الملايين من الدولارات المخصصة للتمويل العام وخدمات الدعم وإجراءات الترخيص المصممة خصيصًا وفق احتياجاتها.
وفيما يتعلق بالمؤسسات الأجنبية الصغيرة والمتوسطة، فقد "قمنا بتنقيح إجراءات الحصول على التأشيرة، وذلك تيسيراً وتشجيعاً للشركات الصغيرة لدخول السوق السعودية". وأضاف أنه "لهذه الشركات الحق في الحصول على الوقت الكافي لاستكشاف الفرص الاستثمارية التي تتيحها المملكة قبل أن تشرع في إقامة نشاطها, فسواء كانت شركة كبيرة متعددة الجنسيات أم شركة صغيرة، حيث إن هناك عديدا من الجوانب الأخرى التي تتعلق بمناخ الاستثمار في المملكة، فاقتصادنا يتمتع بمركز قوي متنام، كما أن لدينا سوقاً محلية تضم 30.8 مليون شخص يتمتعون بقدرة شرائية كبيرة، ومن ثم فإن الدخول السريع والسهل لهذه السوق المحلية الكبيرة والمتنامية، سيتيح التوسع في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.
وأشار إلى أن الجوانب الرئيسة الأخرى لبيئة الأعمال تتضمن، أحقية المستثمر الأجنبي في التملك بنسبة 100 في المائة في معظم القطاعات، بعد أن كانت أحقيتهم تقتصر في السابق على امتلاك 75 في المائة فقط، علاوة على عدم فرض ضرائب على الدخل بالنسبة للأفراد، كما أنه لا وجود لضريبة القيمة المضافة أو ضريبة المبيعات أو ضريبة الممتلكات، فقط ضريبة شركات بمعدل تنافسي، كما يحق للمستثمر استرداد كامل رأس المال والأرباح وتوزيعاتها.
وأضاف، كما نعمل أيضاً على تغيير قانون الاستثمار بحيث يسمح للمستثمر الاستراتيجي بتمديد فترة الترخيص بعد انقضاء السنة الأولى لفترة تصل إلى 15 سنة قبل إعادة تجديد الرخصة. من جانبه، كشف الدكتور محمد الهيازع رئيس جامعة الفيصل، عن تفاصيل معايير مؤشر حوكمة الشركات (CGI) المدرجة في سوق الأسهم السعودية خلال انعقاد قمة الابتكار العالمي، مبيناً أنه يهدف إلى تعزيز ثقافة الحوكمة في الشركات، وبما يتماشى مع الحراك والتطوير الذي تقوم به الجهات ذات العلاقة لتوفير مناخ استثماري جاذب ومحفز للاستثمار في سوق الأسهم وتعزيز تنافسيته على المستويين المحلي والدولي.
وجرى إطلاق المؤشر بالشراكة بين الهيئة العامة للاستثمار وجامعة الفيصل ومركز جامعة تورونتو كلاركسون لأخلاقيات العمل (CCBE) لتقييم مستوى أداء مجالس الإدارات للشركات المدرجة في السوق السعودي من خلال رصد وتقييم ممارسات الحوكمة لديها.
وقال الهيازع، إن المملكة تمر الآن بمرحلة تغيرات اقتصادية انتقالية؛ فقد تم أخيراً السماح لشركات الاستثمار الأجنبية بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم السعودية، ومنذ فترة قصيرة، تم السماح لشركات التجزئة والجملة المملوكة بالكامل لرأس المال الأجنبي بدخول السوق السعودية، دون إلزامها بوجود شريك سعودي كما كان في السابق. وبين أن هاتين المبادرتين تعدان مجرد نماذج، ومن المتوقع طرح مزيد من المبادرات خلال العقد التالي، وذلك بهدف أن تصبح المملكة أحد المراكز الاقتصادية متنوعة الأنشطة في المنطقة، وأن يتم تطوير أداء مختلف قطاعات الاقتصاد، بما فيها الشركات المملوكة للدولة، والشركات العائلية التي تمر بمرحلة انتقالية بين أجيالها.
وأضاف، كجزء من هذا المجهود، تعتبر حوكمة الشركات بمثابة عامل مخاطرة ينذر بوجوب بذل اهتمام خاص بهذا الموضوع. وأشار إلى أن مؤشر حوكمة الشركات يهدف إلى تعزيز ثقافة حوكمة الشركات في السعودية باستخدام مدخل تدريجي جيد التوجيه وطويل الأمد، يستقطب المعلومات والخبرات من كل الاتجاهات؛ لذلك تجري جامعة الفيصل اتصالات منتظمة مع الشركات، والمسؤولين، ومجتمعات حوكمة الشركات، والجهات الأخرى ذات العلاقة، للحصول على خبراتهم لوضع برنامج أبحاث موثوق لحوكمة الشركات في السوق السعودية.
وأوضح، أن الجامعة والهيئة تدركان أن حوكمة الشركات أصبحت موضوعاً عاماً ومبدأً إرشادياً لمجتمع الاستثمارات العالمية، وأن المستثمرين سيستخدمونه على نطاق واسع كأداة فحص لتمييز فرص الاستثمار الجدية، كما أنه يؤدي عرض أفضل الممارسات إلى جذب مقدار أكبر من رؤوس الأموال الداخلية والخارجية إلى البلاد.
وأشار إلى أنه يتوقع أن يؤدي التركيز على هذا الأمر إلى إيجاد طلب على الخبرة المحلية لحوكمة الشركات وخدمات الاستشارة، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى ظهور صناعة محلية لحوكمة الشركات، والتوسع في الخدمات المحاسبية والمالية في السوق السعودية؛ للوصول إلى مجالات جديدة، وابتكار فرص عمل مهنية جديدة للشباب السعوديين.
وبتشغيل مركز أبحاث حوكمة الشركات الجديد المتوقع افتتاحه قريباً، أشار إلى أن جامعة الفيصل تأمل أن يصبح محوراً لحوكمة الشركات في المملكة والمنطقة بأكملها، إضافة إلى تنفيذ أبحاث حوكمة الشركات، حيث سيستهدف المركز نشر ثقافة حوكمة الشركات بين مديري الشركات والمسؤولين.
وبين أنه من المتوقع أن يعمل المركز كمصنع أفكار عن طريق إصدار توصيات دورية حول السياسة العامة لمعالجة مشكلات حوكمة الشركات، لمساعدة المسؤولين وصناع القرار على تطوير وتقوية أنظمة حوكمة الشركات في السوق، وتطوير ممارسات حوكمة الشركات في المملكة.