صناعة اللحوم ترفض وضعها في خانة المواد المسببة للسرطان
بينما جلس إيريك، وهو فني في العشرينات من العمر، في مقهى في سوهو في لندن صباح الخميس لتناول إفطاره المكون من النقانق واللحم المقدد والبيض والبطاطا وخبز التوست، لم يكن تخطر في باله أية أفكار تتعلق بالآثار الصحية المحتملة لطعامه. ردا على سؤال حول إعلان منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي أن اللحم المقدد والنقانق وغيرها من اللحوم المعالَجة تسبب السرطان، أبدى نوعا من عدم الاكتراث.
قال: "يبدو الأمر وكأن كل شيء يسبب لك السرطان هذه الأيام، لذلك أنا لا أشعر أنه سبب للتوقف عن تناول الطعام. أنا آكل الكثير من اللحم، لكن ليس الكثير من اللحم المقدد".
في الثقافة الشعبية، أيضا، كان رد الفعل تجاه تقرير السرطان قرارا حازما يقول "سأظل آكل اللحم المقدد". في برنامج "ليت شو" قال المقدم، ستيفن كولبيرت، إن رائحة اللحم المقدد المقلي فقط هي ما يمكن أن يجعل ولديه المراهقين يستيقظان صباحا. "هل تعتقد أنهما سيستيقظان ويهرعان إلى أسفل بسبب رائحة غسيل الخضراوات؟".
لكن مثل هذا التعاطف قدم القليل من الراحة لصناعة اللحوم، التي كان رد فعلها شرسا على دراسة أجرتها الوكالة الدولية لبحوث السرطان، في مقرها في مدينة ليون الفرنسية.
ووصف معهد اللحوم في أمريكا الشمالية التقرير بـ "المبالغة العجيبة التي تنذر بالخطر"، مشيرا إلى أنه من صنع المؤمنين بالعصر الجديد. وقال باري كاربنتر، رئيس المعهد: "فقط مادة واحدة، مادة كيماوية في سراويل اليوغا، تم إعلانها من قبل الوكالة الدولية لبحوث السرطان أنها لا تسبب السرطان".
في موطن لحوم "بارما"، عبرت هيئة التجارة الممثلة في منتجي البروشوتو والمرتديلا والبريسولا الإيطاليين عن قلقها حيال "الأثر الاقتصادي المحتمل، الذي قد يؤدي إلى فقدان الوظائف".
ربما هم على حق في أن يشعروا بالقلق. ففي حين أن العلاقة بين مخاطر التعرض للسرطان وتناول الكثير جدا من اللحوم المعالَجة والمدخنة ليست بالأمر الجديد، إلا أن درجة تأكد الوكالة الدولية لبحوث السرطان التي صنفت على أساسها اللحوم المعالَجة في المجموعة الأولى المسببة للسرطان - التي تشمل التبغ والاسبستوس - كانت مفاجأة.
لكن التقرير يضيف: "هذا لا يعني أنها خطرة بشكل متساو"، غير أن رسالته ضاعت فيما يبدو. ويتابع: "تناول اللحوم المعالَجة يسبب سرطان القولون والمستقيم"، إلا أن الخطر "يبقى ضئيلا".
بالنسبة لصناعة اللحوم العالمية يعد التحذير الصحي بمثابة تذكير بالتحولات الضخمة في أذواق المستهلكين، التي تعمل بالفعل على إعادة تشكيل الأعمال التجارية. يتراجع الطلب على اللحوم الحمراء والمعالَجة في أسواق البلدان المتقدمة، لأن العملاء يسعون إلى مزيد من الغذاء العضوي.
هذا الاتجاه اخترق شركات المواد الغذائية الكبيرة بشكل عام - خصوصا في صناعة المشروبات الغازية الفوارة، حيث يعكس الانخفاض في مبيعات الولايات المتحدة على مدى عقد من الزمن رد فعل المستهلكين ضد السكر والمُحليات الصناعية.
كان استهلاك اللحوم الحمراء في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ثابتا، أو منخفضا لسنوات، في الوقت الذي كانت فيه مبيعات اللحوم البيضاء - خاصة الدجاج - آخذة في الارتفاع، استجابة لتحذيرات صحية تربط المحتوى العالي من الدهون بأمراض القلب.
في الولايات المتحدة، رغم أن استهلاك اللحوم الحمراء الكلي للفرد يظل في أدنى مستوياته منذ ستة عقود، إلا أنه كان مدعوما بشعبية الوجبات الغذائية عالية البروتين ومنخفضة الكربوهيدرايت. واللحوم الحمراء لم تتلوث بالفرشاة المسرطنة نفسها مثل اللحوم المعالَجة - قالت الوكالة الدولية إن هناك فقط "أدلة محدودة" على أن اللحوم الحمراء تسبب السرطان وإن قميتها الغذائية تعني أنه لا ينبغي إزالتها من الأنظمة الغذائية.
لكن لم تكن هناك أية رسالة مطمئنة لمنتجي السجق ولحم الخنزير واللحم البقري والجيركي - اللحوم التي يتم تحويلها من خلال عمليات المعالَجة كالتمليح، أو العلاج، أو التخمير. والسؤال الآن للشركات التي تنتج اللحوم المعالَجة هو كيفية الاستجابة للتحذيرات الصحية.
يقول جون بريتون، أستاذ علم الأوبئة ومدير مركز دراسات مراقبة التبغ في جامعة نوتنجهام في المملكة المتحدة، إن صناعة اللحوم ينبغي أن تتعلم من أخطاء صناعة التبغ. ويضيف: "الإجراء المسؤول هو أن تنظر للسبب الذي يجعل منتجاتك تسبب الضرر والعمل على تغييره". ويتابع: "الشيء غير المسؤول هو الأمر تفعله صناعة التبغ؛ الطعن في الأدلة والقول إنها ليست موثوقة والتشكك في مؤهلات العلماء المعنيين بالموضوع".
لكن ماريون نستله، أستاذة التغذية ودراسات الغذاء في جامعة نيويورك، تقول إن صناعة اللحوم "لا تزال في مرحلة الإنكار. من وجهة نظرهم، هذه الأمور تفتقر إلى القاعدة العلمية السليمة. أول شيء تفعله هو مهاجمة العلم - تماما مثلما تفعل صناعة التبغ".
يقول محللون إن الضغوط المفروضة على اللحوم المعالَجة - وصناعة الغذاء المصنع الأوسع نطاقا - لن تزول، لأن التحول نحو المزيد من الأطعمة الصحية لا يزال أمامه طريق طويل. واستثمرت العديد من الشركات الناشئة هذا الوضع، مقدمة منتجات عضوية أو أصغر حجما واستولت بذلك على حصة السوق من المجموعات الراسخة.
يقول نيكولاس فيريداي، أحد كبار المحللين لدى رابوبانك الدولي: "أذواق المستهلكين تتحول، لكن ليس بسرعة كبيرة تمنع الشركات من الاستثمار فيها. الشركات الذكية هي التي تتحرك".
ويشير فيريداي إلى أن "هورميل"، الشركة الصانعة لمنتجات سبام (معلبات اللحم شبه المطبوخ) التي تعمل في هذا المجال منذ 124 عاما، اعترفت بهذه الاتجاهات عندما اشترت هذا العام "أبلجيت فارمز"، وهي شركة مختصة في اللحوم العضوية والطبيعية. وقالت هورميل هذا الأسبوع: "نحن نعترف فعلا بأن المزيد والمزيد من المستهلكين اليوم يسعون للحصول على أطعمة تكون معالَجة بالحد الأدنى وليس فيها أية مواد حافظة". وكانت الشركة تقدم مزيدا من المنتجات التي لا تحتوي على أية مواد حافظة أو نترات مضافة في متجرها Jennie-O Turkey Store وفي أبلجيت.
ويقدم التوجه إلى الطعام الصحي أيضا فرصا جديدة للأعمال التجارية، بحسب أليكسيا هوارد، المحللة لدى بيرنشتاين، التي تلاحظ أن محال السوبر ماركت البريطانية تقدم وجبات مجهزة ذات نوعية أفضل، مثل الوجبة المصغرة التي تقدمها متاجر تيسكو، المكونة من الفريتاتا بالسلمون مع صلصة بيارنيز.
وتقول عن تجار التجزئة في الولايات المتحدة: "انظر إلى المملكة المتحدة، كان هناك تطور هائل في إعداد الوجبات الخفيفة السريعة التي يقدمها كل من إم آند إس، وتيسكو فاينست إلخ. أما المستهلك الأمريكي فهو يطالب بأطعمة أصلية طازجة أكثر من هذا النوع. كوستكو اتجهت نحو ذلك التوجه، وكذلك هول فودز، لكن لا يوجد تقدم شامل في الموضوع".
حتى الآن كانت استجابة الصناعة الرئيسة للأذواق والرغبات المتحولة هي خفض التكاليف للحفاظ على هوامش الربح.
بعد عقود من النمو، أصبحت شركات الأطعمة المعلبة تفتقر إلى الكفاءة وتتسم بالتهاون، بحسب ما يقول محللون، ما يجعلها هدفا جذابا للمستثمرين الخارجيين - كما هي الحال في شركتي كرافت وهاينز اللتين استحوذت عليهما شركة ثري جي كابيتال، وهي مجموعة أسهم خاصة أسسها ملياردير الجعة البرازيلي، جورج باولو ليمان، ووارن بوفيت من بيركشاير هاثاواي. وفي العام الماضي اشترت الشركة المنتجة للحوم تايسون فودز منافستها هيلشاير مقابل 8.6 مليار دولار.
لكن تخفيض التكاليف لا يستطيع أن يحقق إلا نتائج محدودة فقط. وبحسب فيريداي، الشركات تحتاج إلى تصنيع منتجات بمواد مضافة أقل ومزيد من المكونات الطبيعية إذا كانت تريد مواكبة طلبات المستهلكين.
ويقول: "إن إعادة الصياغة تؤدي لا محالة إلى ارتفاع تكاليف المكونات. ربما سيتعين على الشركات قبول هوامش ربح أدنى كسعر يجب دفعه لنمو المبيعات. وقد يكون هذا درسا قاسيا لشركات الأغذية لكي تتعلم أن من الأفضل أن تكون لديك أعمال بهوامش ربح منخفضة من ألا تكون لديك أعمال على الإطلاق".
لكن تراجُع الطلب على اللحوم الحمراء والمعالَجة في أسواق البلدان المتقدمة يتزامن مع نموه في الأسواق الناشئة. فقد قفزت صادرات الأغذية البريطانية إلى الصين، بما في ذلك لحم الخنزير، وكذلك منتجات الألبان والسلمون بنسبة 12 في المائة من حيث المبيعات في العام الماضي، مقارنة بعام 2013، وفقا لاتحاد الأغذية والمشروبات في المملكة المتحدة. والأمل أن توافق الصين على استيراد كوارع الخنزير - وهي سوق يحتمل أن تكون ضخمة، وفقا للاتحاد.
ومن المتوقع، بحسب "يورومونيتور"، أن تتقدم الصين على الولايات المتحدة وتصبح أكبر سوق للحوم المعالَجة في العالم هذا العام. وكانت الصين المحرك الرئيس للنمو الذي حققته الصناعة بنسبة 3 في المائة عام 2014.
وتتحول الصين سريعا من نظام غذائي نباتي يعتمد على الأرز إلى نظام قائم على اللحوم. وتكافح البلاد لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة - رقم سيتعزز مع انتهاء سياسة الطفل الواحد التي أعلن عنها الأسبوع الماضي - من خلال وسائل محلية بحتة، بحسب ما تقول يورومونيتور.
ربما تكون الصين إحدى الطرق لإنقاذ اللحم المقدد الذي ينتجه المنتجون الغربيون، لكن دعاة اللحوم العضوية يقولون إن الطريقة الأخرى هي إنتاج منتجات ذات نوعية أفضل.
يقول بيتر ميلتشيت، مدير السياسات في "رابطة التربة": "تضم دراسة الوكالة الدولية لبحوث السرطان جميع أنواع اللحوم في خانة واحدة - أنها تفترض أن جميع أنواع اللحم البقري متساوية. لكن أي شخص يستطيع أن يعلم أن بقرة أنجوس التي تعيش على العشب في مرتفعات اسكتلندا هي حيوان مختلف عن النوعية التي تعيش على الحبوب وتبقى في المزارع طيلة حياتها".
ويرى ميلتشيت أن الإفطار الإنجليزي الكبير ليس في سبيله إلى الاختفاء. "لكن إذا تناوله الناس مرة في الأسبوع، فإن ذلك أفضل لصحتهم وأفضل للكوكب".
بالنسبة إلى وندي، وهي سائحة من سنغافورة طلبت إفطار من "فول مونتي" في مقهى سوهو، كان ذلك فرصة لتذوق المهلبية السوداء، وهي طبق خاص يعد من دم الخنزير المطبوخ الممزوج عادة مع الشوفان. وتقول: "إنه مشهور وأريد أن أتذوقه. ليس لدينا هذا الطبق في بلدنا".