في القصاص من إرهاب «المهمات القذرة» .. حق وطن وحياة مواطن

في القصاص من إرهاب «المهمات القذرة» .. حق وطن وحياة مواطن
في القصاص من إرهاب «المهمات القذرة» .. حق وطن وحياة مواطن
في القصاص من إرهاب «المهمات القذرة» .. حق وطن وحياة مواطن

خيانات قذرة، وتحريض مدفوع، وإرهاب ملطخ بدماء القريب قبل البعيد. يستدعي "القصاص" اليوم ويستوجبه بعد مشوار طويل من البحث والتحري والتحقيق، وصولا للتقاضي المكفول بحكم الشرع وسماحة شريعته. حتى لمن خان الأرض وباع الوطن. طلبا للحق وتأكيدا وممارسة لمبدأ "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". حياة وحقوق لطالما امتهنها الإرهاب، قتلا وتحريضا. فكان لا بد لها من رد اعتبار عدلي حازم يأخذ بيد النفس المعصومة والدم الذي استُبيح في كل مكان وزمان دون أدنى اعتبار أو قيمة.

###غدر واحد

"أخرجوا المشركين من أرض الجزيرة" و"الموت لإسرائيل، الموت لأمريكا، الشيطان الأكبر" وجهان لشعارات رنانة يحملها إرهاب واحد. ذا أذرع طويلة. انتهى الأول بتفجير مواطنيه المصلين الآمنين في مساجدهم، والثاني بقتلهم وتشريدهم من أراضيهم في سورية واليمن. وكما تشترك هذه التنظيمات والميليشيات في شعاراتها فإنها تلتقي أيضا في مهماتها المدفوعة للقيام بها. مهمات تعترف هي أيضا بقذارتها لذلك تخصص من أجلها وحدات خاصة، حتى لا يفضح أمرها أمام من تستقطبهم وتجندهم بذرائع دينية ومذهبية.

عمليات تصل حد الاغتيال الشخصي غيلة وغدرا، وحد التواطؤ مع دول وكيانات خارجية لتنفيذ هذه المهمات داخل أوطانها. دون اعتبار لرابط نسب أو حرمة دم. ودونما حتى اتساق مع مبادئ معلنة لا تعترف بالآخر أو بحقه في الوجود والحياة فكيف هو الأمر بالتواطؤ معه ومع أجهزته، بل والإقامة في عقر داره وحمايته إذا ما لزم الأمر. هي "سياسة مرحلية من أجل التمكين" بحسب تصريح زعمائهم ومداراة شيوخهم. ولكنها "الخيانة" بمنطق القانون والعرف السليم. الخيانة في أقذر صورها وأدناها إرهابا وتواطؤا. 
#2#
قصة "القاعدة" بدأت في أفغانستان وكان من الممكن لها أن تموت هناك أيضا لولا ظهور من لم يرد لقصة الزعامة وشهوة السلطة واللعب بالأوراق الخفية أن تنتهي. فكان أن بدأ التجييش والحشد ولكن باتجاه عكسي هذه المرة، وأكثر حبكة مقارنة بعفوية الجهاد الأول. ليصبح هناك "منظومة فكرية وإعلامية أوسع من التنظيم، وتتشكل منها في بعض الأحيان خلايا ذاتية الحركة؛ كحالة تنظيم (البشائر) الذي تأسس في السعودية عام 2006 بعد أن نجحت السلطات الأمنية السعودية في القضاء على التنظيم بمفهومه الهيكلي والإداري، وكحالة (كتائب جند اليمن) التي تأسست منتصف عام 2007 في اليمن مع وجود تنظيم آخر بإمارة أخرى في نفس الزمان والمكان.

###"قاعدة" الإعلام

صورة أسامة بن لادن "الشاب السعودي الثري الذي ترك كل شيء خلفه" بدأت للبروز إعلاميا برغم وجودها القديم المهمل في أروقة الجهاد الأفغاني. ومن خلفه أيمن الظواهري، الرجل الثاني، المدرك لأبعاد هذه اللعبة الإعلامية، أكثر من بن لادن نفسه، فهو من قال قبل عشر سنوات من الآن ما نصه: "إننا في معركة، وأكثر من نصف هذه المعركة تجري على ساحات وسائل الإعلام. نحن في معركة إعلامية في سباق لاستمالة قلوب وعقول الأمة".

وحتى يكتمل عقد الاستمالة والتحريض رُبط بروز أسامة بن لادن، بأحداث الخليج والكويت تحديدا، وما نتج عنها من وجود لقوات التحالف في بداية التسعينيات لتحرير الكويت، مرددا شعار القاعدة المتناقض مع نفسه "أخرجوا المشركين من أرض العرب". فيما كان يؤكد كثير من التقارير الميدانية وجود تعاون قديم ومستمر بين القاعدة وكبار قادتها، وبين الأمريكيين في ذلك الوقت لمواجهة السوفييت.
#3#
التناقض بين الشعارات والأفعال جزء فقط من المهمات القذرة المولع بتنفيذها طابور خلفي وخفي، يدير هذه "القاعدة"، واضعا الشباب السعودي منذ البدء في الواجهة لدرجة أصر معها على تجنيد 15 شابا سعوديا لتنفيذ عملية التنظيم الأهم على الإطلاق. عملية الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت، ولا تزال تغير، من شكل الخريطة العربية، سياسيا وديموغرافيا.
عملية أراد لها المخططون دق إسفين بين المملكة وأصدقائها سياسيا. ولكن هذا الأمر لم يتم لهم على الوجه المطلوب بفضل دبلوماسية سعودية واعية سياسيا، ومتحركة دوليا، استطاعت بكفاءة عالية استيعاب الوضع القلق واحتوائه في موقف يحسب لها، داخليا وخارجيا، لهذا اليوم. 

###البيضة والحجر

ولكن هذا الاحتواء السعودي لم يمنع بطبيعة الحال ردود أفعال عسكرية عزمت حكومة الولايات المتحدة على اتخاذها برغم تحذيرات سعودية صادقة ومتكررة من عواقبها السيئة. فكان أن وصلت القوات الأمريكية لأفغانستان ولا تزال لهذه اللحظة عالقة فلا هي التي خرجت كما فعلت في العراق بعد تدهور الوضع تماما، ولا هي التي بقيت بذات القوة والتمثيل، إذ إنها - بحسب مراقبين- استفادت من درس تسليم العراق لإيران. فأعادت النظر في طبيعة الخروج من أفغانستان. ولكن بعد خراب "مالطا" أو العراق في هذه الحالة. وما تبعه من خراب سوري لا تزال إدارة الرئيس الحالي أوباما مترددة حياله لهذه اللحظة.

القاعدة استطاعت وتستطيع تجنيد كثير من الشباب من مختلف الجنسيات ومع ذلك لا يزال الشاب السعودي رقما صعبا ومحببا بالنسبة لها في معادلة الاستقطاب. للدرجة التي أبرزت فيها أسامة بن لادن إعلاميا. فعلى الرغم من أنه لم يلعب أي دور يذكر من الناحية العملية إلا أنه كان وجه المنظمة وصوت تصوراتها المفاهيمية وإيديولوجيتها المتطرفة.

وحين احترقت ورقته تركته وحيدا يواجه مصيره المحتوم مع القوات الأمريكية. في مزرعة مهجورة ومنزل متهالك. في الوقت ذاته الذي لا يزال فيه مكان أيمن الظواهري لغزا يصعب الوصول إليه من أعتى المخابرات في العالم. وإن كانت تقارير صحفية واستخباراتية متواترة أشارت إلى أن المكان الوحيد الذي يمكن أن يكون فيه الظواهري بمأمن لهذا الحد ولهذا اليوم هو "طهران".

وهذا ليس بالأمر المفاجئ أو بحاجة إلى "عقل مؤامراتي" لتتبعه وتبيانه، بل على العكس أصبح من المسلمات والبديهيات سياسيا فإيران وثورتها المزعومة تكاد تكون الوحيدة التي تجيد سياسة اللعب بالبيضة والحجر؛ البيضة الظاهرة بيد روحاني التي تجعلها توقع الاتفاق النووي مع أمريكا والغرب. والحجر الذي تضعه في يد قاسم سليماني وأعوانه من قادة القاعدة وداعش وحزب الله والحوثي وغيرهم من الميليشيات المكلفة ومن خلفهم من منظومات فكرية وعسكرية لاستقطاب الشباب وهدر أرواحهم عبثا في مهمات قذرة تطال أوطانهم قبل غيرها.

###استباحة الدماء

تنظيمات مترابطة عسكريا وفكريا حتى في تصاعد فتوى القتل بحسب "المأوى". إذ بدأت بإباحة دماء الأبرياء المسالمين بذريعة أنهم "مشركون" في أراضي المسلمين. ثم انتقلت مع بروز "ظاهرة الزرقاوي" في العراق لإضافة من أسمتهم "المرتدين" إلى قائمة القتل حتى تبيح لنفسها قتل المواطنين والمسؤولين بدم بارد.

خلايا "القاعدة" في السعودية هي أيضا تدرجت في استباحة الدماء من أجانب غربيين عاملين في البلد وصولا إلى مواطنين مسلمين بذات تهم التكفير والردة. في ضعف وهشاشة فكرية ووجودية واضحة بعد إحكام الأمن السعودي قبضته. دفعت بأعضاء هذه الخلايا الهروب بحثا عن ملاذ آمن في اليمن مؤسسين لما عرف بتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب.

وعلى ذات النهج الذي لا يجرؤ ـ كغيره من التنظيمات والميليشيات الإرهابية ـ استخدام أساليب عسكرية تقليدية عند المواجهة. فقد قامت الجماعة بحملة متضافرة من أعمال القتل والترهيب في اليمن 2013 مستهدفة مسؤولي الأمن والجيش والمخابرات الذين يعملون ضدها، ليس فقط في الجنوب، بل أيضاً في العاصمة. ويشير أحد التقديرات إلى اغتيال ما لا يقل عن 55 مسؤولاً - العديد منهم عملوا في برامج لمكافحة الإرهاب - وذلك عن طريق تعرضهم لهجمات انتحارية أو عبوات ناسفة أو نيران الأسلحة الصغيرة.

هذا النهج الذي يعتبر "المهمات القذرة" ضرورة سياسية في بعض المواقف يبقى ـ للأسف ـ منهجا براغماتيا مقبولا حتى لدى بعض الدول الغربية. وهذا ما يجعل التفاوض مع إيران أمرا واردا، بل ملحا بالنسبة للبعض. في حين قد يثور هذا البعض حقوقيا ضد أحكام الآخرين القضائية التي استوفت كامل درجات التقاضي.

تناقض دولي صارخ في السياسات والتصريحات يفسر الوضع المتدهور سياسيا وأمنيا في المنطقة. ولكنه يؤكد في الوقت نفسه بالنسبة لنا كسعوديين نعمة التمسك بالمبادئ الواضحة، محليا ودوليا، أمنيا وقضائيا، حفاظا على الاستقرار ومكتسباته التنموية والوطنية.

الأكثر قراءة