العرضة السعودية «إقدام وشجاعة» .. وللبحارة ألحانهم المميزة

العرضة السعودية «إقدام وشجاعة» .. وللبحارة ألحانهم المميزة
العرضة السعودية «إقدام وشجاعة» .. وللبحارة ألحانهم المميزة
العرضة السعودية «إقدام وشجاعة» .. وللبحارة ألحانهم المميزة

بعد جهود مميزة من قبل وزارة الثقافة والإعلام والجمعية السعودية للمحافظة على التراث ومندوبية المملكة لدى «اليونسكو»، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" العرضة السعودية ‏ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني غير المادي، وتم ذلك بعد التصويت عليها بالموافقة من قبل الأعضاء المشاركين في اجتماع المنظمة في ناميبيا.

والعرضة واحد من أشهر الفنون الشعبية في السعودية ودول الخليج العربي، وأكثرها انتشارا، وكانت العرضة أساسا مرتبطة بالحرب، يرقصونها تعبيرا عن شجاعتهم ولا مبالاتهم بالحرب، واستعدادا للقاء الخصم، وزيادة في حماسة جيشهم وجنودهم وقائدهم. فالعرضة قديما أول نذر الحرب، وشعر العرضة هو أهازيج الحرب، يصدحون به بصوت عال معلنين التحدي، أو مفتخرين بالنصر، وقد تطول الفترة الزمنية للعرضة فتستمر ساعات.

وهي فن خاص بالحاضرة، ومنتشر عندهم، أما البادية قديما فالغالب عليهم حداء الخيل في نجد، وفي شمال السعودية هناك الدحة، كما يوجد في مناطق أخرى من الجزيرة العربية رقصات للحرب بأسماء مختلفة.

والعرضة تطور لعادة قديمة عرفها العرب منذ الجاهلية في حالة الحرب، وإن كنا لا نجد نصوصا في تراثنا العربي القديم نستطيع الربط بينها وبين واقع العرضة التي نعرفها اليوم. لكن نلاحظ بوضوح أن أركان العرضة الأساسية كانت ملازمة للحرب منذ الجاهلية، فالطبول تقرع منذ القدم في الحرب، والسيف يحمل، والشعر الحماسي عنصر أساسي من عناصر الحرب.

ويبدو أن مسمى العرضة جاء من عرض الخيل، إذ كانت العرب تعرض خيلها وتدربها باستمرار وأحيانا في حفل بهيج استعدادا للحرب. وربما جاء المسمى من الاعتراض بالسيف، ومن المعروف أن السيف من أدوات العرضة الأساسية، وكان الفرسان منذ الجاهلية، سواء في الحرب أو التدريب يتقابلون بالسيوف منشدين الأشعار الحماسية.
#2#
###تطور العرضة

وتطورت العرضة بمرور القرون حتى أصبحت بالشكل الذي هي عليه اليوم، والذي يصفه الأديب السعودي الشيخ عبدالله بن خميس بقوله: والشعر الحربي هو اللكنة التي يفزعون إليها والمقالة التي يصدعون بها والمعول الذي يجتمعون حوله ويقفون وراءه.. فإذا حزب الأمر ودعا الداعي وبلغ السيل الزبى والحزام الطبيين، نادى المنادي بالبيشنة، أو صوت بالحوربة وهرع بأعلى صوته ليستجيب له من حوله. ومن ثم يهزج بها تتفق والغرض وتتلاءم والداعي ليردها الفريق الأول في صفه المنتظم ثم يتلقاها الفريق الثاني في صفه كذلك. وإذا طاب لهم الصوت وتناغم الهاتف قرعت الطبول على نحو رتيب وتجاوب عجيب، تأخذ طائفة من أهل الطبول إيقاعا واحدا، وتأخذ الطائفة الأخرى شكلا من الإيقاع يخالف الشكل الأول يسمى "الإثلاث"، فكأنه يثلث القرعتين الأوليين بثالثة، ولكنه يعطيه نغمة وتوقيعا مؤثرا تبدأ معه حركات الصفوف وهز السيوف على نحو يتفق والإيقاع، فتراهم كتلة واحدة متحركة في نبرات أصواتها وحركات أجسامها ونغمات طبولها آخذة حركة متسقة متلائمة طبعت على قدر من التوازن والتواؤم كأنما هي أريدت هكذا طبعا وأصالة. وهكذا القصيدة الأولى والثانية والثالثة.. إلخ، وقصيدة الحرب لا تتجاوز في عددها عشرة أبيات، تبدأ بإركاب المركوب أو بوصف سحاب مرهب أو بنداء موجه، ثم تتجه القصيدة لتناول العدو وتمزيقه وهزيمته، ثم تصف قوم الشاعر بالشجاعة والقوة والفروسية، ثم تصف هنوفا غزلة فارهة الجمال بديعة التكوين لتقول لها إياك ومعاشرة الذليل ومداناة الانهزامي، فهو لا يستحق منك نظرة ولا يلائم لك غزلا. وهكذا تكون القصيدة تحوم حول هذه الأغراض، وتؤدي غرضها أو تحوم حوله.. وشيخ القبيلة أو الشعب في القصيدة هو مدار القول والموجه لمدار الحديث والقائد الذي به يسطون وعليه يعولون.

والقصائد الحربية ذات بحور وأوزان تختلف باختلاف أهدافها وأغراضها وأحيانا يكون للتلوين وحسن العرض وتوزيع الألحان دخل في ذلك.

###أنواع العرضة

فن العرضة منتشر في منطقة نجد، وسط السعودية، وهو معروف عند الحاضرة، كما أنه موجود في مناطق أخرى من السعودية ودول الخليج العربي، لكن هناك اختلافات تضيق وتتسع حسب الموقع الجغرافي. لذلك نجد تعريفا آخر للعرضة قد يختلف بعض الشيء عما أورده ابن خميس، فهناك من قال في وصف العرضة: هي تنظيم الصفوف بين الرجال بشكل مقوس أو دائري، ويكون وسط هذا التجمع الجميل الشعراء، الذين ينشدون الأبيات، ويقوم العارضون بترديد آخر بيت، وتكون هذه القصائد إما حكمة يرددها الشاعر عن تجربة أو خبرة له، أو تكون القصيدة كمدح لرجل أو لقبيلة.

وبالقرب من الشعراء توجد الطبول (الزير) التي على دقاتها يردد العارضون آخر بيت ويحمل كل شخص من هؤلاء السيف في يده اليمنى وتكون الأحزمة الذهبية المزخرفة "الجنبية" حول خصره، والغالب أن يصف الأشخاص في صفين. ويقول ثالث: العرضة النجدية من الفنون الشعبية التي يبدع فيها أهالي عنيزة، إحدى مدن منطقة القصيم شمال وسط السعودية، ويجيدون أداءها. ومن المعروف أن هذا اللون من الفنون الشعبية فن حربي كان يؤديه أهالي نجد بعد الانتصار في المعارك قبل توحيد أجزاء البلاد عندما كانت الحروب سائدة في الجزيرة العربية. ومن مستلزمات هذا اللون من الفن الراية والسيوف والبنادق للمنشدين قصائد الحرب، بينما هنالك مجموعة من حملة الطبول، التي يضربون عليها بإيقاع جميل متوافق مع إنشاد الصفوف، ويطلق على أصحاب الطبول الذين يقفون في الخلف طبول التخمير، أما الذين في الوسط، فهم الذين يؤدون رقصات خاصة بطبول الإركاب، كما يوجد في الوسط حامل البيرق "العلم"، وتقام في وقتنا الحاضر العرضة النجدية في مواسم الأعياد والأفراح. والعرضة وإن كانت غالبا مرتبطة بالحرب، إلا أنها تؤدى في مناسبات أخرى كالاحتفالات والأعياد والزيجات، فعندما تقام حفلة كبرى لاستقبال شخصية مهمة غالبا ما تؤدى العرضة.
#3#
###شعراء العرضة

لا يلزم أن يكون كل شاعر فحل مجيد مبدعا في شعر العرضة، لذلك اشتهر شعراء كثيرون في مجال المديح والفخر والغزل وغيرها، لكنهم لم يشتهروا في شعر العرضة.. وقد اشتهر وأبدع شعراء كثيرون في قصائد العرضة من أبرزهم: زامل السليم، والخياط أحد شعراء عنيزة أيضا، ومحمد العوني، الذي يعتبره بعض النقاد أبرز شعراء العرضة، وعبد الرحمن البواردي، وأبو جراح السبيعي، وإبراهيم القاضي، وناصر العريني، وعبد الله الصبي، والصغير، والحوطي، وعبدالرحمن بن صفيان... وغيرهم. وللشيخ عبدالله بن خميس عناية بهذا الفن الرائع، وقد ألف فيه كتابا أسماه "أهازيج الحرب أو شعر العرضة".

###العرضة البحرية

كان للبحارة أغنياتهم الخاصة ذات الألحان المميزة الجميلة ومن أهمها العرضة البحرية، فحين تقترب السفينة من شاطئ آمن بعد أسابيع من إبحارها في عرض البحر، يحمل البحارة الطبول والدفوف ليحتفلوا بسلامة الوصول.

وتهتم بعض دول الخليج بالعرضة اهتماما فائقا وكبيرا، ويقيمونها بشكل رسمي في الأعياد والمناسبات الكبيرة.. وهناك عرضة سنوية تقام في مدينة الرياض ضمن فعاليات مهرجان الجنادرية الأساسية، ويحضر العرضة معظم الأمراء وكبار المسؤولين. وفي البحرين هناك جمعية خاصة للعرضة اسمها "جمعية العرضة البحرينية".

الأكثر قراءة