بعدما ظلت لقرون مرتبطة بالكرم.. «شبة النار» تشكل ثنائية مع «البرد»
"يا زِين شب النار .. والرمث مشموم .. في ليلٍ أسود.. غير قمـراه تضـوِي"، هكذا عبر الشاعر عن أجواء "شبة النار" التي باتت تشكل ثنائية مع الطقس البارد بعدما كانت في الماضي، دلالة على الحفاوة والكرم، فكم من قصة تتحدث عن كريم أشعل النيران في ليل دامس حتى يستدل عليه العابرون في الطريق.
وكحال باقي سكان المدن والمحافظات السعودية، يحرص أهالي محافظة وادي الدواسر – بحسب تقرير صدر عن وكالة الأنباء السعودية (واس)، مع ميل أجواء المناخ إلى البرودة على إشعال قطع من الحطب في (المشب) الذي يتصدر المجالس الأسرية، فيجتمع الحضور حول "شبة النار" التي تمنح المكان الدفء، وتحلو معها أحاديث الذكريات.
وعرفت شبة النار منذ القدم رمزاً للكرم والسخاء عند العرب، ويطلق عليها بالعامية (شبة الضو) ولها شعور جميل يسكن الروح التي تتنفس النسمة الدافئة لتلهب معها قريحة الجالسين فينثروا في المكان شعرًا يتدفق من أحاسيس ارتوت بالدفء المتغلغل في شرايين الجسم البارد، ويزدان السهر مع "شبة الضو" في دجى الليل البارد والجميع يحتسون القهوة، والمشروبات الساخنة الأخرى كالشاي المعتّق، والزنجبيل، والكرك.
ويقول تركي الدوسري، إن شبة النار إرث قديم معروف في جميع مناطق المملكة، ويستقبل صاحب الدار ضيوفه حولها كرمز من رموز الضيافة العربية الأصيلة، حيث يعمد كثير من الناس إلى إعداد القهوة عليها، وتقديم الطيب من على جمرها، وشبة النار هي متعة الشتاء. ومن جانبه، أوضح محمد آل ملحان، أنهم حتى الثلث الأخير من شهر مارس لا تنطفئ النار لديهم كل مساء، بل حتى في الصباح خلال إجازة نهاية الأسبوع، ويجهزون حالهم مبكراً لهذه الفترة من خلال تجهيز المشب وتوفير حطب السمر والفحم.
وللشباب علاقة أخرى مع شبة النار، إذ يقول الشاب مبارك اللويمي، إنه يحرص وأصحابه على قضاء الجلسة حول شبة النار، ويأنسون بها والحديث حولها، ويحتسون القهوة والشاي والزنجبيل، كما يعمدون إلى إعداد الكستناء والذرة على جمرها التي تتوافر بكثرة في فصل الشتاء.
أما غانم الدوسري فقد أكد أن النار في الشتاء خاصة في فترة السعود (سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الخبايا) لا غنى لهم عنها، كونها بداية من المسلمات في التدفئة، ولما تمثله من أهمية لأبناء المملكة من صورة نمطية للكرم والضيافة، خاصة حينما تصحبها قرقعة فناجيل القهوة، وأصوات دق النجر، ورائحة العود الأزرق.
ولحطب شبة النار مواصفاته، حسبما أفاد الشاب محمد آل مهنا الذي قال إن حطب شبة النار يجب أن يكون يابساً جديداً لا تنبعث منه الأدخنة والروائح غير الطيبّة، مشيراً إلى أن أهالي وادي الدواسر كانوا يستخدمون في الماضي حطب "الغضا" لأنه متوافر بالمحافظة، وهناك من يستخدم حطب الأرطاء وآخرون يستخدمون القرض، لكن الغالبية كما يقول يستخدمون حطب السم الذي بين أن الجيد منه يجب أن تكون قشرته يابسة ونظيفة من النخور، وألا يكون رطباً ولا أخضر، وكلما كان العود مستديراً كان لهب النار أسرع في الإيقاد، وأقل دخانًا.